إسطبل طارئ مؤلف من خيمة ومرتع صغير، وأقل من 20 رأساً من الأغنام، تموضعوا إلى جانب خيمة تهجيره، هي فقط ما تبقى لدى حكمت الحسن من قطيعه الذي تجاوز يوماً 500 رأس، في ظل "أزمة قاسية" يمر بها مربّو المواشي في إدلب.
ويمتهن "الحسن" المهجّر من بلدة سنجار شرقي إدلب، منذ 50 عاماً، تربية المواشي والاتجار بها، ويعتبرها "قدراً محتوماً" على الرغم من تدهور مستمر يضرب هذا العمل، إذ إنّه لا خيارات أخرى أمامه لتأمين قوت عائله.
ويشتكي مربو المواشي من خسائر كبيرة ضربت قطعانهم، وصلت إلى حدّ الإفلاس، بعد سنة "قحطٍ" شهدتها مراعي المنطقة، إضافةً إلى ارتفاع أسعار الأعلاف وشلل الأسواق أمام عمليات البيع.
وعلى ضوء المعطيات، يتحدّث مهتمون بالثروة الحيوانية، عن قطعانٍ معدّة للذبح والاستهلاك بدل التربية والتكاثر، يجعلها في تناقص مستمر.
وتبلغ أعداد المواشي في منطقة إدلب ومحيطها نحو 22 ألفاً و333 رأساً من الأبقار، و284 ألفاً و461 رأساً من الأغنام، أما رؤوس الماعز فتسجل أعدادها 62 ألفاً و525 رأساً، بحسب أرقام رسمية.
"حركة بيع ميتة"
تدفع الخسائر مربي المواشي نحو التخلص منها عبر البيع في الأسواق، إلا أنه أخيراً صار طريقاً مسدوداً، في ظل "حركة ميتة" يصفها محدّثنا "الحسن"، وهو ما جعلهم كـ"مربّي مواشٍ" في ضيق حقيقي، بحسب ما يقول.
يضيف لموقع تلفزيون سوريا: "نذهب إلى السوق بسيارة مليئة بالأغنام ونعود بها على حالها، من دون أن نتمكن من بيع رأس واحد"، مبيناً أنّ "العزوف عن الشراء أبرز أسبابه عدم القدرة على تحمّل أعباء تربيتها في ظل الغلاء الفاحش في الأعلاف وغيرها".
ويلفت إلى "أنّ بعض مربي المواشي في الأسواق، يلجؤون إلى بيعها بالدّين، أو بسعرٍ قليل جداً لتسديد التزاماتهم أو لشراء علف لما تبقى لهم من القطيع"، وهبطت أسعار المواشي بشكل كبير، خلال عام واحد، ما أدى إلى إفلاس كثير من تجّار المواشي، وهو ما يؤكده مربون تحدّث موقع تلفزيون سوريا إليهم.
وكان سعر رأس الغنم الواحد يعادل ما يتراوح قيمته من 300 إلى 400 دولار (على اعتبار أنّ عمليتي البيع والشراء حتى فترة قصيرة كانت بالليرة السورية)، أما اليوم فتسجّل 85 دولاراً في أحسن الأحوال، في حين تراجع سعر البقرة من 3000 دولار إلى 1400 دولار، والماعز من 300 إلى 80 دولاراً.
غلاء الأعلاف
يقول أنس محمد وهو مربي مواش من بلدة حزانو شمالي إدلب، إنّ "غياب المراعي وارتفاع أسعار العلف هي أبرز الأسباب في تراجع الثروة الحيوانية في إدلب".
ويوضح لموقع تلفزيون سوريا، أنّ "سعر العلف وهو المادة الغذائية الرئيسية للماشية ارتفع بنسبة تجاوزت 300 في المئة، والأمر ينطبق كذلك على التبن".
وارتفع طن العلف خلال عام من ألف ليرة إلى 4 آلاف ليرة تركية، أما كيلو التبن فقد تجاوز 3 ليرات ونصف الليرة.
ويشير إلى "أنّه على الرغم من طبيعة المنطقة الزراعية، تغيب المراعي بسبب تراجع الموسم الزراعي أولاً، والاكتظاظ السكّاني ثانياً، وحشر عدد كبير من مربي المواشي في منطقة جغرافية صغيرة".
كما يسهم عبور أعداد كبيرة من مواشي المنطقة الشرقية عبر عمليات التهريب في تفاقم أزمة الثروة الحيوانية، لما لها من تبعات على صعيد الأسعار وتقاسم المراعي ونشاط وخمول الأسواق، بحسب "محمد".
حلول إسعافية
يتحدث سليمان الحلبي وهو طبيب بيطري مقيم في إدلب، ينشط في مجال الثروة الحيوانية، عن عدد من الحلول الإسعافية والمقترحات التي من شأنها الإسهام في إنقاذ ودعم الثروة وإحياء تربيتها من جديد.
يشير "الحلبي" لموقع تلفزيون سوريا إلى "ضرورة تقديم الأعلاف والتبن بصورة مساعدات فورية، ثم أعلاف مخفّضة الأسعار، إلى جانب قروض حسنة طويلة أو متوسط الأمد لشراء الأعلاف، حتى لا يضطر المربي إلى بيع مواشيه".
ويضيف: "زيادة استيراد الأتبان من الدول المجاورة وكذلك تفل الشمندر وسيلاج الذرة وتوزيع قسم منها بشكل مجاني للمربين، وكذلك إلغاء جميع الضرائب على استيراد الأعلاف والتبن والتفل والسيلاج حتى تنخفض التكاليف على المربين أيضاً".
ويلفت إلى "ضرورة تقديم الخدمات البيطرية المجانية للحيوانات، من حيث اللقاحات والعلاجات اللازمة وتوزيع الفيتامينات والمتممات العلفية اللازمة".
مقترحات للمستقبل
يركز محدثنا "الحلبي" على أهمية التخطيط للمستقبل بما يدعم الثروة الحيوانية وينقذها في المنطقة، أبرزها إدخال زراعات جديدة منها "الفصة والجلبان" بين أشجار الزيتون، و"البونيكام" التي تعتبر مادة علفية ذات قيمة غذائية جيدة ولا تستهلك كميات كبيرة من المياه، بالإضافة إلى "الأزولا" التي من الممكن زراعتها على أسطح الأبنية.
كما يقترح "دعم إقامة مشاريع استنبات الشعير، التي شهدت المنطقة مشاريع "خجولة" منها، توقفت لاحقاً بسبب انقطاع الدعم، إضافةً إلى الاهتمام بالمراعي وتوجيه المنظمات باتجاه تنفيذ مشاريع تدعم الثروة الحيوانية من أعلاف وأدوية مجّانية ولقاحات وعلاج".
لماذا تغيب مشاريع دعم العلف؟
توجّهنا بالسؤال إلى دائرة الصحة والثروة الحيوانية التابعة لـ"حكومة الإنقاذ"، التي تحدّثت عن مشاريع أطلقتها منظمات عاملة في المنطقة استفاد منها الآلاف من مربّي الثروة الحيوانية في القرى والبلدات.
من جهتهم أوضح مربو مواشي تحدّث إليهم موقع تلفزيون سوريا، أنّ مشاريع الأعلاف باتت غائبة اليوم تماماً عن مناطق ريف إدلب، وانتقدوا اتّجاه المنظمات نحو مشاريع اللقاح فقط.
ويعلّق محدثنا "محمد" حول ذلك: "أغنامي لا تحتاج إلى لقاح، بل إلى علف لأنها ستموت جوعاً ولن ينفع اللقاح حينئذ".
في هذا السياق، قال الدكتور أحمد اليوسف، رئيس الدائرة لموقع تلفزيون سوريا، إنّ وزارة الزراعة والري بالتنسيق مع مؤسسة الحبوب، دعمت مربّي الثروة الحيوانية بمادة "النخالة" بسعر أقل بـ 20 دولاراً من سعر السوق.
ووصلت كمية "النخالة" المسلّمة لمربّي المواشي منذ بداية العام الجاري إلى نحو 76 طناً، بحسب "اليوسف".
بالتوازي مع مشروع دعم العلف، أشار "اليوسف" إلى مشروع تلقيح طال قطيع الأغنام ضد مرض الجدري الخطير الذي يهدد الثروة الحيوانية، إضافةً إلى لقاح يشمل كامل قطيع المجترّات ضد الأمراض التي تصيبها.