icon
التغطية الحية

المركز الثقافي الإيراني في دير الزور يتهاوى وسط فساد داخلي ورفض شعبي متصاعد

2024.09.22 | 05:24 دمشق

آخر تحديث: 22.09.2024 | 11:23 دمشق

5345
يعاني المركز من رفض شعبي واسع لأنشطته، حيث بات ارتياده وصمة عار في المجتمع المحلي
دير الزور - خاص
+A
حجم الخط
-A

ملخص:

  • المركز الثقافي الإيراني في دير الزور يشهد تراجعا حادا في أنشطته بسبب تقليص التمويل والرفض الشعبي المتزايد، إضافة إلى مشكلات الفساد وسوء الإدارة.
  • تصاعد التوترات الأمنية حول المركز، الذي يُعتبر جزءا من الحرس الثوري الإيراني، يزيد من عزوف السكان عن ارتياده خوفا من الهجمات.

تشهد أنشطة المركز الثقافي الإيراني في دير الزور حالة من التدهور الحاد، حيث بدأت بالانحدار السريع واقتربت من التوقف الكامل منذ شهر حزيران الماضي، ويعمل المركز حالياً بنحو 20% من طاقته الاعتيادية.

أسباب التراجع

يعزى هذا التراجع إلى مجموعة من الأسباب المعقدة، أبرزها تقلص التمويل، والرفض الشعبي المتزايد للتغلغل الإيراني تحت ستار العمل الثقافي، إضافة إلى الفساد والمشكلات الداخلية، والاعتقالات المستمرة. كما تشمل الأسباب الظروف الأمنية المحيطة بالمركز والتهديدات التي تواجه مرتاديه وموظفيه، كونه يُعتبر أحد مقار الحرس الثوري الإيراني البارزة.

تراجع التمويل وتأثيره

يُعد تراجع التمويل أحد أبرز الأسباب التي أدت إلى تدهور أوضاع المركز الثقافي الإيراني. يُعرف أن الحرس الثوري يعتمد في تمويل أنشطته العسكرية والمدنية على تجارة المخدرات. إلا أن هذه الأنشطة تعرضت لضربات متتالية، مما أدى إلى انخفاض العائدات.

شهدت فترة الصيف، مع إغلاق المدارس والجامعات التي تُعد ميداناً رئيسياً لتجارة المخدرات، تراجعاً في الإيرادات. ونتيجة لذلك، لم يتلقَ موظفو المركز رواتبهم في شهر حزيران، باستثناء الموظفين غير السوريين، بينما تلقوا رواتب مخفضة في شهر تموز على النحو الآتي: الدرجة الأولى مليونا ليرة، الدرجة الثانية مليون ليرة، والعمال ثلاثمئة وخمسون ألف ليرة.

في محاولة لتنشيط العمل، وعد الجانب الإيراني بزيادة الرواتب بنسبة 100%، مع تعديل الفئات الوظيفية على النحو الآتي: 10 ملايين لمدريري المكاتب والمشرفين على الدورات، 7 ملايين للمدرسين، و2 مليون للعمال. إلا أن هذه الزيادة كانت مشروطة بشروط قاسية، منها اجتياز دورة في اللغة الفارسية والفقه الشيعي لكل الموظفين وأفراد عائلاتهم، بالإضافة إلى المشاركة في نقاط الحراسة على ضفة النهر وطريق تدمر بالتناوب. نتيجة لذلك، تم فصل 26 مدرساً ومدرسة بسبب عدم التزامهم بهذه الشروط. ورغم هذه الوعود، لم يحصل الموظفون على أي زيادات في الرواتب في شهر أيلول، ولم يتسلموا أي مبالغ إضافية.

الرفض المجتمعي للأنشطة

يعاني المركز من رفض شعبي واسع لأنشطته، حيث بات ارتياده وصمة عار في المجتمع المحلي. يُنظر إلى المركز على أنه مكان لتجنيد العملاء والنساء في تجارة المخدرات والدعارة، مما دفع حتى القليل من المرتادين الذين يأتون للاستفادة من المكافآت إلى الحضور ملثمين أو بنقاب إسلامي لتجنب التعرف إليهم. كما فرضت إدارة المركز على الموظفين إحضار أسرهم للحضور ولو بشكل رمزي، في محاولة لتحسين الصورة العامة وإظهار أن المركز ما زال يعمل.

الفساد الداخلي وسوء الإدارة

تعاني إدارة المركز من تفشي الفساد وسوء الإدارة. المدير السابق "الحاج رسول"، الذي كان له دور كبير في نجاح المركز سابقاً، تم اعتقاله في طهران بتهمة التجسس، مما شكل ضربة كبيرة لعمل المركز. بالإضافة إلى ذلك، يواجه 22 من موظفي المركز في المكتب الأمني للحرس الثوري في دير الزور اتهامات بالفساد والتجسس.

حالياً، يُدار المركز بواسطة "الحاج إبراهيم الإيراني"، الذي لم يصل إلى دير الزور بعد، في حين يتحمل الضابط العسكري "عبد الكريم الإيراني" العبء الأكبر لإدارة المركز، وهو مسؤول عن الأمن وليس مدنياً. كما يتولى "محمد الذيب"، وهو من أبناء دير الزور، المهام الإدارية، لكنه يواجه صعوبات كبيرة في السيطرة على الموظفين وإدارة الأنشطة بسبب الفساد المستشري.

التهديدات الأمنية وتصاعد التوتر

رغم مظهره المدني، يدرك الجميع أن المركز الثقافي الإيراني في دير الزور يُعد جزءاً من مؤسسات الحرس الثوري الإيراني، ويمثل ما يُسمى "القوة الناعمة" للإيرانيين. في كثير من الأحيان، يتحول إلى مقر لاجتماعات قادة الميليشيات الإيرانية، حيث يتم وضع خطط العمليات العسكرية هناك. وبسبب هذا الدور، بدأ الناس يتجنبون الاقتراب من المركز خوفاً من استهدافه بهجمات مفاجئة، سواء من الجو أو الأرض. وقد شهدت المنطقة المحيطة بالمركز عدة انفجارات استهدفت العاملين فيه أو اجتماعات سرية.

ضغط من القيادات الإيرانية لإعادة تنشيط العمل

تُدرك القيادات الإيرانية أن السيطرة العسكرية لا تكفي لتحقيق أهدافها ما لم تترافق مع نفوذ اجتماعي. في هذا السياق، تلقت إدارة الأنشطة المدنية في المركز رسائل شديدة اللهجة من الحرس الثوري، تطالب بتلافي التدهور الحاصل. دُفعت الإدارات إلى تنظيم أنشطة ودورات وهمية أو شبه حقيقية، تعتمد على إجبار الموظفين على جلب عائلاتهم للحضور أو دفع مكافآت للمرتادين. كما تم فرض ضغوط إضافية على الموظفين لحضور هذه الأنشطة بشكل مستمر لضمان وجودهم، لكن رغم هذه الجهود، لم تنجح في إقناع القيادة الإيرانية بأن الأمور تسير بشكل طبيعي.

مستقبل غامض وسط تحديات كبيرة

في ظل هذه الظروف المتدهورة، ليس من المستبعد أن تقدم القيادة الإيرانية دعمًا ماليًا استثنائيًا لإعادة تنشيط العمل الثقافي في دير الزور وشرقي سوريا. وقد تسعى أيضًا إلى إعادة تنشيط تجارة المخدرات لتمويل أنشطتها. إلا أن العامل الأساسي الذي سيحدد نجاح هذه الجهود هو المقاومة الاجتماعية المتصاعدة، التي بدأت تأخذ شكلاً أوضح وأكثر تماسكًا. تحتاج هذه المقاومة إلى دعم أكبر من النخب الاجتماعية والثقافية في المنطقة لتعزيز قدرة المجتمع على الصمود أمام محاولات الهيمنة الإيرانية المتزايدة.