ناقشت حلقة برنامج "منتدى دمشق" التي بثت على تلفزيون سوريا، الأحد، الدور المعقد والغامض الذي تلعبه مراكز البحوث العلمية العسكرية في سوريا، ودورها في تطوير أسلحة غير تقليدية على مدى عقود من الزمن.
الحلقة التي استضافت مجموعة من الخبراء والمحللين العسكريين، سلطت الضوء على مراحل تأسيس المراكز وتطورها، إضافةً إلى دورها في دعم النظام السوري وتعاونه الوثيق مع دول حليفة، مثل إيران وكوريا الشمالية، في إطار مشروع إقليمي لتعزيز النفوذ العسكري في المنطقة. وناقشت الحلقة المحاور الآتية:
- نشأة وأهداف البحوث العلمية في سوريا: تأسيس مراكز البحوث العلمية السورية عام 1971 كمنشأة مدنية قبل تحويله إلى إطار عسكري وأمني تحت إشراف القصر الجمهوري، ودور النظام في تطوير الأسلحة غير التقليدية.
- أهم المراكز والمعاهد التابعة للبحوث العلمية: الحديث عن أهم مراكز البحوث العلمية في سوريا، مثل مركز جمرايا ومركز مصياف، ودور هذه المراكز في تطوير الأسلحة.
- دور البحوث العلمية في إنتاج وتصنيع الأسلحة المحرمة دوليًا: دور مراكز البحوث العلمية في تطوير وإنتاج الأسلحة الكيماوية والبيولوجية المحرمة دوليًا واستخدامها خلال الثورة السورية.
- تحول مراكز البحوث إلى مواقع إيرانية: دور إيران في السيطرة على مراكز البحوث بعد الثورة السورية، واستخدامها لتخزين وتطوير أسلحة لصالح حزب الله والمشروع الإيراني في المنطقة.
تحول المركز إلى قاعدة عسكرية أمنية
أُنشئ مركز البحوث العلمية العسكرية في سوريا عام 1971، كمؤسسة مدنية بحثية، إلا أنه مع تولي حافظ الأسد السلطة، تم تحويله إلى منشأة عسكرية وأمنية بحلول عام 1973، ووضع تحت الإشراف المباشر للقصر الجمهوري. عمار فرهود، الباحث في الشؤون العسكرية، أوضح أن المركز سرعان ما تحول إلى جزء من منظومة تطوير الأسلحة غير التقليدية، وبالتحديد الأسلحة الكيميائية والصواريخ الباليستية.
وذكر فرهود أن النظام السوري، بعد توقيعه اتفاقية التعاون والصداقة مع روسيا في عام 1980، بدأ باستيراد المعدات اللازمة لتطوير هذه الأسلحة، مشيرًا إلى أن النظام لم يكن يطور أسلحة جديدة، بل كان يعتمد على تكنولوجيا وتدريبات تحصل عليها ضباطه من الخارج، لا سيما من روسيا وفرنسا.
مراكز البحوث والهيكلة التنظيمية
فرهود أشار أيضا إلى أن مركز البحوث العلمية يتكون من عدة معاهد رئيسية، من بينها معهد 3000 ومعهد 4000، حيث يركز الأول على الأسلحة الكيميائية، بينما يتخصص الثاني في تطوير الصواريخ الباليستية. وذكر أن إدارة المركز تولاها في البداية الدكتور عبد الله واثق شهيد، وأنه لاحقًا قاد أيمن الهبل معهد 3000 قبل إعدامه في 2003. كما أوضح فرهود أن المركز 3000 يحتوي على فرع أمني يعرف باسم الفرع 450، وهو المسؤول عن الدراسات الكيميائية، وكان يرأسه محمد سليمان، الذي اُغتيل في ظروف غامضة في عام 2008.
السيطرة الإيرانية والنفوذ الأجنبي
في حديثه عن النفوذ الإيراني داخل المركز، أشار الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية نوار شعبان إلى أن الدور الإيراني كان حاضرًا حتى قبل اندلاع الثورة السورية في عام 2011. وأوضح أن إيران استفادت من مراكز البحوث لتطوير الأسلحة وتوفير الدعم الفني والتقني لميليشيات حزب الله. كما أكد شعبان أن كوريا الشمالية وروسيا كان لهما دور بارز في توفير المعرفة والخبرات اللازمة لتطوير الأسلحة غير التقليدية.
محمود الناصر، المنشق عن إدارة المخابرات العامة، أفاد بأن المخابرات الجوية كانت الجهة الأمنية المشرفة على مركز البحوث منذ تأسيسه. وكشف أن التجارب على الأسلحة الكيميائية كانت تجري على سجناء تدمر، وأن كثيرا منهم لقوا حتفهم في تجارب مخبرية تهدف إلى تطوير هذه الأسلحة. وأوضح الناصر أن المخابرات الجوية كانت تشرف بشكل مباشر على مركز جمرايا، وأن النظام كان يسعى منذ السبعينيات لتطوير الأسلحة الكيميائية والبيولوجية، رغم أنه لم يكن ينوي استخدامها ضد أي عدو خارجي، بل ضد شعبه، كما ظهر خلال الثورة السورية.
الاستخدام الداخلي والخارجي للأسلحة
فرهود أكد أن النظام السوري لم يكن يطور أسلحته الكيميائية والصاروخية لمواجهة إسرائيل، كما كان يدعي، بل كان الهدف الرئيسي من هذه الأسلحة هو قمع المعارضة الداخلية والتهديدات الإقليمية من الدول المجاورة، مثل العراق وتركيا. وأوضح أن النظام استخدم الأسلحة الكيميائية في العديد من المناسبات ضد المدنيين في المناطق الخارجة عن سيطرته، وهو ما تم توثيقه خلال الثورة السورية.
دور الحلفاء في تطوير الأسلحة
بعد عام 2011، تعزز النفوذ الإيراني بشكل كبير داخل مراكز البحوث السورية، حيث أصبحت هذه المراكز مواقع أساسية لتطوير وتجميع الأسلحة التي تخدم مشروع إيران في المنطقة. وأوضح شعبان أن مركز مصياف، الذي تقع شمال شرقي المدينة، تحول إلى مركز لتطوير الدرونات الإيرانية والصواريخ الباليستية المتوسطة المدى، مشيرًا إلى أن الضربات الإسرائيلية المتكررة على هذا المركز تأتي كرد فعل على استخدام إيران لهذه المنشآت لتطوير أسلحة متقدمة.
الهجمات الإسرائيلية والمخاوف الأمنية
تحدث فرهود والناصر عن الهجمات الإسرائيلية المستمرة على مراكز البحوث العلمية، والتي زادت بشكل ملحوظ بعد عام 2017. وأشار الناصر إلى أن هذه الضربات تأتي في إطار منع إيران من نقل وتطوير الأسلحة إلى حزب الله. وعلى الرغم من أن جمرايا ومصياف تعرضتا لعشرات الهجمات، فإن هذه المراكز لا تزال فعالة، مما يعكس التحصينات العالية التي تم بناؤها فيها، حيث يتم العمل في دهاليز تحت الأرض لا يمكن تدميرها بسهولة حتى في حال تعرضها لضربات نووية.
مستقبل مراكز البحوث العلمية
فيما يتعلق بمستقبل مراكز البحوث العلمية في سوريا، أوضح عمار فرهود أن النظام السوري لم يعد يسيطر بشكل كامل على هذه المنشآت، وأنها أصبحت تحت النفوذ الإيراني بشكل أساسي. وأضاف أن البنية التحتية العسكرية السورية أصبحت مهيأة لخدمة المشروع الإيراني في المنطقة، مشيرًا إلى أن مراكز مثل جمرايا والقصير أصبحت مراكز إيرانية بحكم الواقع.
كما أشار فرهود إلى أن النظام السوري قد يلجأ في المستقبل إلى فتح المجال أمام اختراقات أمنية إسرائيلية لاستهداف هذه المواقع، بهدف إضعاف النفوذ الإيراني من دون الدخول في مواجهة مباشرة مع حلفائه. وأكد أن النظام لم يعد يمتلك الخبرات التقنية اللازمة لتطوير الأسلحة بمفرده، وأنه يعتمد بشكل كامل على الدعم الإيراني والروسي.
استمرار النفوذ الإيراني
نوار شعبان أكد أن إيران ستواصل استخدامها لمراكز البحوث السورية، نظرًا لأهميتها في تطوير الأسلحة التي تخدم مصالحها في المنطقة. وذكر أن إيران دمجت أدوات سيطرتها الناعمة مع الأدوات الأمنية والعسكرية، مما يجعل من الصعب على النظام السوري التخلص من هذا النفوذ بسهولة. وأوضح شعبان أن الجغرافيا السورية، بحكم طبيعتها الوعرة، تشكل بيئة مثالية لإيران لاستمرار استخدامها لهذه المنشآت، وأن التحصينات الكبيرة التي بنيت فيها ستجعل من الصعب تدميرها حتى في حال استمرار الهجمات الإسرائيلية.
خلص البرنامج إلى أن مراكز البحوث العلمية في سوريا لم تعد تخدم الأغراض العلمية التي أُنشئت من أجلها، بل أصبحت قواعد لتطوير الأسلحة غير التقليدية لصالح إيران وحزب الله. وعلى الرغم من الضربات الإسرائيلية المتكررة، فإن هذه المراكز ما تزال تلعب دورًا حيويًا في دعم المشروع الإيراني في المنطقة، مما يزيد من تعقيد الصراع في سوريا ويطرح تساؤلات عن مستقبل هذه المنشآت ودورها في المرحلة المقبلة.