صدر حديثاً عن الشبكة العربية للأبحاث والنشر، كتاب "القافلة: عبد الله عزام وصعود الجهاد العالمي" للكاتب توماس هيغهامر، الذي سبق وأصدر "الجهاد في السعودية". الكتاب من ترجمة المترجم السوري عبيدة عامر. في هذا الكتاب يقدم المؤلف سيرة معمقة لعبد الله عزام، الشيخ الفلسطيني الذي قاد حشد المقاتلين العرب إلى أفغانستان بنهاية الثمانينيات، ولعب دورا أساسيا بتأميم الحركة الجهادية.
يحكي المؤلف في بداية الكتاب عن مقابلته مع حذيفة، أكبر أبناء عبد الله عزام الذين ما زالوا على قيد الحياة، لقد كان هذا في أيلول/سبتمبر لعام 2006، حين ذهب المؤلف لمقابلة حذيفة من أجل أطروحة الدكتوراه التي يعدها حول الجهاد في السعودية، القصة التي كان والده عاملا داعما مهما بها.
يحكي المؤلف في بداية الكتاب عن مقابلته مع حذيفة، أكبر أبناء عبد الله عزام الذين ما زالوا على قيد الحياة
مرَّر حذيفة إلى توماس هيغهامر المعطف المخضب بالدم، قائلا: "شمّه! هل تستطيع أن تشمه؟ المسك؟ دم الشهداء رائحته مسك"، لم يستطع الكاتب بأي شكل أن يحس شيئا سوى أثر قطعة قديمة من الملابس، عدا عن أنه لم يكن يعرف رائحة المسك أساسا. كان يمسك المعطف الذي ارتداه عبد الله عزام يوم اغتياله عام 1989، تناولوا العشاء الذي أعدته أرملة عزام، فجعلت رائحة الدجاج المشوي تحدي الشم أكثر صعوبة، قال حذيفة للمؤلف، كاسرا حاجز الصمت: "أعلم أنك غالبا لا تصدق هذه الأشياء، لكنك كنت ستفعل لو كنت في أفغانستان".
في تلك اللحظة أدرك كاتبنا أن كتابه التالي سيكون عن صاحب المعطف، لقد مر توماس هيغهامر باسم عبد الله عزام كثيرا من المرات أثناء بحثه عن القاعدة، بدءا من يوليو/ تموز 2001، عندما كان متدربا شابا في "مؤسسة أبحاث الدفاع النرويجية" حيث وجهه رئيسه "بيرنار ليا" للعمل على شيء يسمى "شبكة بن لادن".
يلفت توماس نظرنا إلى أن هناك على الأقل خمس سير باللغة الإنجليزية لأسامة بن لادن، وبينما دُرس سيد قطب بشكل واسع لدرجة أن هناك كتابين عن كتابين من تأليفه، فلا يوجد سيرة عن عزام، لذلك تحمس لكتابة سيرة تؤرخ لحياة عبد الله عزام ولتجربة الحركة الجهادية معه.
ولد عبد الله عزام في عام 1941 في الضفة الغربية، وخرج منها أثناء نكسة 67، ووصل إلى الأردن على قدميه. واجه صعوبات لإيجاد عمل في عمان، وانتقل إلى السعودية لمدة عام كامل ليعمل هناك، في الصيف التالي عاد إلى عمان ووجد عملاً كمدرس في مدرسة التاج الثانوية للبنات.
يشير الكتاب إلى أثر حرب 67 عليه. كان عزام شابا في 28 من عمره وعضواً من مراهقته في الإخوان، جاءت أحداث النكسة لتحرك فيه مشاعر الحاجة للقتال، انضم للفدائيين وقاتل على حدود الأردن قريباً من معسكرات فتح، وهكذا كان اشتراكه الأول في العمل المسلح وزوجته حامل في الشهر الثامن، يزورها أربعة أيام في الشهر وينضم للكتائب المقاتلة.
يتتبع الكتاب قصة حياة عزام خطوة خطوة ويثير التساؤلات حول كل قرار تتخذه هذه الشخصية، ليقرأ من خلالها تاريخ المنطقة، يحاول الكاتب الإجابة على سؤال: لماذا قد ينضم أي شخص لحرب قصية بينما بلده نفسها تحت الاحتلال؟ وكيف ظلت فلسطين حاضرة في وجدان عزام حتى وهو يقاتل في أفغانستان.
ولد عبد الله عزام في عام 1941 في الضفة الغربية، وخرج منها أثناء نكسة 67، ووصل إلى الأردن على قدميه
توقف عزام عن العمل مع الفدائيين بعد أيلول الأسود عندما قررت حكومة الملك حسين وضع نهاية لعمليات فتح والحركات الأخرى عام 1970، لاحقا سيفتتح واحدا من مقالاته العديدة حول فلسطين بمجلة الجهاد بقوله: "إن وجودنا في أفغانستان الآن لا يعني أننا نسينا فلسطين"، بالطبع لم تكن العلاقات ودية مع فتح والحركات اليسارية الأخرى، ويلفت الكاتب نظرنا إلى أن عزام لا يكون لاذعا وساخرا (ومسليا) عند حديثه عن موضوع ما، بقدر ما يكون عندما يناقش موضوع اليساريين الفلسطينيين، رغم أنه كان سعيدا بالاشتراك بنشرات "منظمة التحرير الفلسطينية" لتحصيل معلومات عن فلسطين.
بعد ذلك وصل عزام إلى دمشق في الوقت الذي بدأت فيه العلاقة تتدهور بين الإخوان والنظام بشكل واضح، حيث جلب انقلاب عام 1963 نظاما بعثيا كان علمانيا بشكل أكثر وضوحا من الحكومات السابقة. في دمشق تعرف عزام على الثوري مروان حديد، الذي قاد عمليات ضد النظام السوري، رغم أنهما التقيا عمليا للمرة الأولى في فلسطين، لا في سوريا. بمرحلة بداية أو منتصف الستينيات. زار حديد "الإخوان المسلمين" في جنين، وتعارف الاثنان بشكل سريع. يوضح الكاتب أن طرقهما لم تتقاطع في سوريا أثناء أيام الجامعة، ولكن عام 1971، أثناء رحلة إلى سوريا، زار عزام حديد في مخبأ له بدمشق، قبل أن تعتقل قوات الأمن السورية حديد بفترة قليلة. عزام، بعد ذلك، قدم احتراما كبيرا لمروان حديد، فقد أهداه لاحقا كتاب: عبر وبصائر للجهاد في العصر الحاضر 1986، وقال لاحقا إن حديد كان أشجع شخص التقاه في حياته.
من الأحداث التي أثرت في عزام خبر إعدام سيد قطب، لقد انزعج وحفزت لديه أول نشاط من المعارضة السياسية، عبر برقية احتجاج للحكومة المصرية
من الأحداث التي أثرت في عزام خبر إعدام سيد قطب، لقد انزعج وحفزت لديه أول نشاط من المعارضة السياسية، عبر برقية احتجاج للحكومة المصرية، كتب عزام لاحقا: "أذكر أني كتبت برقية لعبد الناصر أقول فيها: (الدعوة لن تموت والشهداء خالدون والتاريخ لا يرحم)".
يشير الكاتب إلى أن عزام كان غاضبا لأن سيد قطب كان إلهامه الرئيسي، ندم عزام بالتأكيد على أنه لم يحظ بفرصة لقاء قطب، لكن عزام عندما انتقل إلى القاهرة عام 1971، كان من أول الأشياء التي قام بها التواصل مع عائلة قطب، ممثلة بشقيقة سيد: أمينة، وعندما خرج محمد، شقيق سيد، من السجن في أكتوبر/ تشرين الأول 1971، التقاه عزام بأول فرصة متاحة، ويبدو أن لحظة إعدام قطب جعلت عزام يحترم سيد قطب ويقف منه موقف الملهم، وفي إحدى العمليات الفدائية التي اشترك فيها عزام عام 1970 أطلق عليها عملية سيد قطب.
علاقة عزام وآل قطب طويلة وممتدة في الكتاب، فمحمد قطب سيسافر إلى أمريكا مع عزام عام 1977 وسيصبح زميله بالقسم في مكة عام 1981، والشخص الذي سيزرع في عقل عزام القدوم إلى باكستان هو كمال السنانيري زوج أمينة قطب.
كانت حرب 67 الشرارة التي اكتشف فيها عزام نفسه، سيتطلب الأمر 18 شهرا فقط بعد ذلك لنرى عزام، يحمل سلاح كلاشينكوف على الحدود الأردنية - الإسرائيلية، يقف على هضاب إربد وجبالها، وبين كهوفها وصخورها، وفي الأغوار، وعلى ضفاف اليرموك، يرتدي الكاكي ويحمل الكلاشينكوف والمصحف الذي لا يفارقه في جيب صدره.
كانت حرب 67 الشرارة التي اكتشف فيها عزام نفسه، سيتطلب الأمر 18 شهرا فقط بعد ذلك لنرى عزام، يحمل سلاح كلاشينكوف على الحدود الأردنية - الإسرائيلية
يشير الكاتب توماس هيغهامر إلى أنه منذ عام 1969 كان عزام يأخذ الدور الذي سيشتهر به أثناء الجهاد الأفغاني، أي دوره كخطيب يجلب الأخبار وقصص الشهداء من الجبهة للناس، حيث خطب في الناس وذكر كرامات الشهداء. وهكذا يكشف الكتاب أن سمة سرد معجزات الشهداء – مثل رائحة مسك دم الشهيد – لم يكن شيئا اخترعه عزام في الثمانينيات. سيطور هذه السمة بشكل أكبر في كتب لاحقة، مثل: "آيات الرحمن في جهاد الأفغان 1983" لكنها كانت حاضرة بذهنه بوضوح في الستينيات.
الكتاب يأخذنا في رحلة مع عزام منذ البدايات، ومعاداته المبكرة للشيوعية منذ شبابه والخطبة التي خطبها في إربد في الذكرى المئة لميلاد لينين عام 1970، نحتاج سنوات لنراه يكتب كتابه السرطان الأحمر محذراً من الشيوعية ويقاتل السوفييت في أفغانستان.
هكذا نرى عزام يتجنب آثار حادثة أيلول الأسود، ويدخل السبعينات، وقد ألهمته تجربة الفدائيين، يلخص الكاتب أثر تلك التجربة عليه بقوله: "لقد أعطته طعم الحياة العسكرية بكل مشاعرها: شعور المعنى، وإثارة المغامرة، والفخر باختراق المصاعب، وسرور الإخوة. لقد أقنعته كذلك بأن الحركة الإسلامية ما زال لها روح قتالية، خصوصاً بين شبابها، وكل ما يتطلبه الأمر هو إيجاد السياق المناسب لإشعالها. سيتطلب الأمر عقدا كاملا قبل أن تأتي هذه الفرصة".
يبدأ بعدها عزام فصلا جديدا أكاديميا في حياته، حيث سافر إلى القاهرة لدراسة الدكتوراة في الشريعة، عاد بعدها إلى الأردن حيث سيدرس في الجامعة الأردنية للأعوام السبعة بعد عودته، كان هو وزميله أحمد نوفل، هما أشهر المحاضرين في القسم، وهكذا يشير الكاتب إلى أن عزام كان عالما إسلاميا يملك مكانة ما حتى قبل أن يصنع اسمه بالجهاد الأفغاني.
كان عزام كتلة من النشاط الحركي، تركت حادثة أيلول الأسود ندوباً في شخصيته، أو جرحاً نرجسياً حيث شعر أن هذه الحكومة قست في معاملة الفدائيين، أثناء زيارة للملك الحسين للجامعة، جذب عزام الانتباه برفضه الوقوف بينما يتم عزف السلام الملكي الأردني، تنتهي السنوات الأردنية بقرار من الحاكم العام ورئيس الوزراء مضر بدران بفصله من الجامعة، يكمل الكاتب تتبع رحلة عزام بالتأريخ لسنواته في الأردن وصراعاته مع الحكومة وتحوله لعبء حتى على جماعة الإخوان، ساعتها سنفهم كيف ساعدت محاولات الحكومة الأردنية لإسكات عزام بتحويله إلى مواطن بلا جذور في المنفى، ينتمي للعالم الإسلامي، أو مسلم أممي يبني جمهورية حالمة من الجهاديين.
هكذا ندرك أن عزام لم يستيقظ صباحا في أحد الأيام ليقول: "سأترك العمل في الجامعة وأنضم للجهاد الأفغاني"، الانتقال إلى باكستان كان عملية من خطوتين
هكذا ندرك أن عزام لم يستيقظ صباحا في أحد الأيام ليقول: "سأترك العمل في الجامعة وأنضم للجهاد الأفغاني"، الانتقال إلى باكستان كان عملية من خطوتين، نُفي بخطوتها الأولى، وعندها فقط – بلا كثير ليخسره – قرر أن يجرب حظه في جنوب آسيا. مغادرته من الأردن كانت نتيجة لنشاطه السياسي الفجّ.
يلتقط الكاتب نقطة مميزة وهي منتشرة في فنون كتابة السير الذاتية، عندما يصف عزام خروجه من الأردن، بأنه كان محنة لكنها تسببت في فرصة عظيمة من وجهة نظره ليغادر إلى أفغانستان، يقرأ الكاتب تلك النصوص التي كتبها عزام لاحقاً على أنها نوع من "التنافر المعرفي"، حيث نميل نحو تعديل وصفنا للماضي لنجعل قصص حياتنا أكثر اتساقا. وينشر رسالة من عزام لقيادة الإخوان تظهر مدى انزعاجه منهم، ومن التضييق عليه، لم يكن عزام مسروراً بالخروج من الأردن، لكنه حوله لاحقاً إلى نوع من دراما تطور قصة حياته الشخصية المثيرة إلى لحظة الذروة، لقد قرأه قراءة مغايرة بعد ذلك.
طربت لهذه الفكرة التي عالجها الكاتب حول الفرق بين روايتنا للحدث في وقته، وكيف نفسره لاحقاً، حينما تلعب الذاكرة الانتقائية دوراً في بناء سرديتنا حول روايتنا عن حياتنا، لم يكتب الكاتب سيرة تبجيلية لعزام لكنه لم يقلل من احترامه للشخصية التي يكتب عنها طوال الكتاب، لقد حاول أن يشرح حياة عزام بأفضل طريقة صادقة ليترك الحكم للقارىء، رواية الكاتب عن عزام تتفهم ميله للتدين منذ الصغر وحسه الديني وسعيه نحو التقوى، ولا تستبعد البعد الأخروي في تفكيره، أو تحيله لأسباب مادية كما يفعل البعض، كل تفصيلة يحشد لها المؤلف المراجع في الهوامش، لا عجب أنه قضى في هذا الكتاب عشر سنوات يتتبع كل معلومة ويقابل عشرات الشخصيات ليبني تصوراً عن حياة واحد من أهم شخصيات الحركة الجهادية.
اختيارات الكاتب لعناوين الفصول فيها نزعة أدبية موفقة، في الفصل الذي بعنوان "ابن السبيل" يتناول فيه الكاتب المرحلة الانتقالية بعد النفي من الأردن، حيث غادر عزام الأردن وتراكمت عليه ديون بقيمة ١٥ ألف دينار، كانت البداية الجديدة في السعودية، حياته هناك كانت تدور حول التدريس والخطابة والكتابة، عام 1980 و1981، نشر عدة مقالات في مجلة المجتمع، مجلة "الإخوان المسلمين" الصادرة في الكويت ذات الانتشار الواسع في العالم العربي، حيث كان يعرف رئيس التحرير، إسماعيل الشطي جيدا، فقد جمعتهم القاهرة أثناء دراستهم في مطلع السبعينيات.
عزام سيدرس فقط لفصل واحد في جامعة الملك عبد العزيز – الفصل الثاني من عام 1981 -، لأنه سينتقل مجددا في ذلك الخريف. كان واضحا منذ البداية أن السعودية مجرد محطة مؤقتة في الطريق لشيء آخر. أحد أسباب ذلك هو أن العائلة لم تحب البقاء في مكة، في هذه اللحظة التقى بكمال السنانيري الذي حكى له عن الصراع في أفغانستان، كانت فترة فارقة في التاريخ، فقد شهدت الثورة الإيرانية، واتفاق كامب ديفيد، وحادثة جهيمان، والحرب الإيرانية العراقية، والحرب الأهلية اللبنانية، وأحداث حماة، والاحتلال الإسرائيلي للبنان، واغتيال أنور السادات، يقرر عزام التوجه إلى اليمن أو أفغانستان، ويستقر على اختيار أفغانستان.
في الفصل السادس يدرس المؤلف كتابات عزام قبل مرحلة باكستان، ويمر على أطروحة الدكتوراه وغيرها من كتابات عزام، يحاول الكاتب استنطاق قراءات عزام وأفكاره من خلال نصوصه، من الطريف البحث في السطور عن مقدمات الأفكار التي تبناها عزام لاحقاً.
عزام كان عمره أربعين عاما فقط عندما وصل إلى باكستان، يتساءل الكاتب ما الذي أشعل الشيب في لحيته مبكراً؟ والإجابة المختصرة هي الخلافات الأفغانية التي تدخل فيها كوسيط، لم يندفع الجهاديون إلى أفغانستان عندما غزاها السوفييت، لقد تطلب الأمر أربعة أعوام من الحرب ليصل عدد متطوعي الحرب العرب إلى مئة شخص، وهكذا لم يكن اندلاع الحرب بذاتها هو السبب، بل جهود التجنيد الكبيرة لمغامرين مثل عزام داخل الحرب كانت هي التي جلبت أعدادا كبيرا من المتطوعين، نفهم بعد ذلك جدول أعمال عزام في باكستان، دخوله كوسيط بين الفرقاء الأفغان، وصداقته مع عبد رب الرسول سياف، والضيافة التي استقبل بها حقاني العرب، التي لولاها لم يجد العرب موطىء قدم في أفغانستان، لم يكن مستبعدا أن يبدأ العرب في معسكرات سياف وينتهوا في جبهات حقاني، فحقاني، الذي لقبه مراسل فرنسي بـ"هو تشي منه [السياسي والثوري الفيتنامي] الإسلام"، فبينما كان سياف يوفر معظم معسكرات التدريب الكبيرة؛ قدم حقاني فرصة لقتال حقيقي.
يعود المؤلف لمذكرات بعض القادة من باكستان وضباط المخابرات، ليصف دور جهاز المخابرات الباكستاني في الحرب، حيث أشرفت باكستان على دخول الأسلحة إلى أفغانستان، لقد فشل عزام بتوحيد الأفغان واستدخال "الإخوان المسلمين"، لكنه نجح بتطويع الجمعيات الخيرية وبناء علاقات محترمة مع الحكومتين السعودية والباكستانية.
نرى الشخصيات العربية التي تعرفت على عزام هناك بالتفاصيل الدقيقة والأسماء، مثل زيارة راشد الغنوشي لعزام في بيشاور، حيث أجرى معه الغنوشي مقابلة لمجلة الجهاد عام 1989، ويفند الكاتب قضية مسؤولية الأمريكان عن صناعة الحالة الجهادية في أفغانستان، ويضعنا في الظرف الجيوسياسي الذي سمح بتكون الظاهرة هناك.
يتتبع المؤلف علاقة عزام بأسامة بن لادن، ومتى كان اللقاء الأول بينهما، الذي يرجح وللمفارقة أنه كان في ولاية انديانا في الولايات المتحدة عام 1978، يكمل توماس شرح الدور الثاني الذي لعبه عزام وهو حشد الحكومات والمتبرعين لدعم الجهاد الأفغاني.
في خريف عام 1984؛ تبرع أسامة بن لادن بمبلغ بين 5 إلى 10 ملايين دولار، حيث ساهم في بناء "مكتب الخدمات" الذي يعتبر أهم منظمة في الجهاد الأفغاني، يدرس الكاتب دور عزام كمجنِّد الذي كان متفوقا فيه أكثر من دوره كمدير، وتجربة مكتب الخدمات وهو المكتب الإداري الذي يستقبل المتطوعين ويوزعهم على الجبهات، ويقدم الدعم اللوجيستي، وقام المكتب بالإشرف على بناء مدرسة لتعليم أبناء المقاتلين، وسعى للحصول على اعتراف بشهادات المدرسة من حكومات عربية مثل الأردن واليمن، وأصدر مجلة الجهاد.
يؤرخ الكتاب لحياة عزام في أفغانستان ودوره السياسي والعسكري، إلى اغتياله في ظروف غامضة عام 1989 في مدينة بيشاور الباكستانية.
اعتمد توماس هيغهامر في كتابة الكتاب على الكثير من المقابلات وتحدث مع ما يقارب سبعين شخصا، بينهم أساطير حية للإسلامية الحديثة، مثل عبد رب الرسول سياف في أفغانستان وأبو محمد المقدسي في عمان، وكذلك قابل عصام العطار، والأمير تركي الفيصل، وستيف كول مؤلف الكتاب المهم آل بن لادن وغيرهم.
ذهب المؤلف إلى قرية عزام: سيلة الحارثية، حيث أخوه وابن عمه وأفراد آخرون من عائلته حيث رأى أماكن كان يرتادها وهو يكبر. ذهب إلى عمان عدة مرات ليقابل ابن عزام، حذيفة، وأفرادا آخرين من عائلته. لم يستطع مقابلة أرملته، أم محمد، لكنها أجابت أسئلته عن طريق وسيط في لندن، وهكذا حكى لنا عن عبد الله عزام كزوج وأب.
استطاع المترجم عبيدة عامر أن ينقل لنا نصاً رائقاً وفي منتهى السلاسة والتشويق، والأهم أنه حافظ على روح النص العربية بالعودة إلى نصوص عبد الله عزام نفسه بلغته وبتعبيراته العامية أحياناً كما في خطبه.
لقد أصبح الجهاد عالميا بسبب القمع المحلي، هذه إحدى الخلاصات التي يصل إليها الكاتب، فالكتاب ليس سيرة فقط بل بحث اجتماعي بجانب السرد التاريخي، حيث يحاول ملء الفجوات ببحث ثلاثة خطوط من الاستقصاء. الأول هو حول الحقائق الأساسية لسيرة عزام. ما هو أصله؟ وما الذي شكله كمفكر؟ ما الذي حفز القرارات الكبيرة في حياته، مثل انتقاله لباكستان عام 1981؟ وماذا كانت آراؤه؟ الثاني معنيّ بمصادر تأثير عزام. لماذا أصبح مؤثرا للغاية؟ ما الذي فعله ليجند العديد إلى أفغانستان؟ لماذا كانت أفكاره جاذبة بذلك الشكل؟ المجموعة الثالثة من الأسئلة معنيّة بآليات حشد العرب إلى أفغانستان. من هم أوائل المتحركين وما الذي دفعهم للمشاركة؟ ما هي الشبكات والطرق والموارد التي كان المجندون التالون يُستدخلون بها؟ وأخيرا، وليس آخرا، ماذا كان دور عزام بالضبط؟
عزام وجد نفسه، غالبا بالصدفة، بالعديد من الأماكن التي كان التاريخ يُصنع بها في تلك الفترة، ونجح توماس هيغهامر بأن يكتب لنا سيرة ضخمة من 815 صفحة، عاد فيها لعشرات المصادر والكتب. قد نلخص القصة بقلم توماس هيغهامر بقوله: "هذه أيضا قصة حقيقية أغرب من الخيال. إنها قصة فلسطيني سخّر حياته للقتال في آسيا الوسطى، ومزارعٍ أصبح مجنِّد حرب رحّالاً، وبروفيسور أحب الحياة العسكرية. إنها رواية عن منظر راديكالي لم يصادق فعليا كل الإسلاميين البارزين في زمنه، وحسب؛ بل التقى كذلك أمراء، وعملاء في المخابرات الأمريكية، ونجم البوب كات ستيفنز (Cat Stevens). قصته ستأخذنا لأماكن لا نتوقعها مثل كاليفورنيا وجنوب إيطاليا وفنزويلا، وستحملنا لشقق تحت الأرض، وقصور باذخة، وكهوف مظلمة في أعماق الجبال. وستنتهي هذه القصة، حرفيا، بانفجار: اغتيال بقنبلة، ما زال أكبر جريمة غامضة بتاريخ الجهادية"، يصف توماس الكتاب بأنه رحلة طويلة، تعلم بها الكثير، حتى إنه عرف رائحة المسك.