icon
التغطية الحية

الغارديان: الغرب وقف متفرجاً في سوريا ويجب ألا يكرر ذلك مع أوكرانيا

2022.02.24 | 12:23 دمشق

آثار قصف النظام لترمانين بإدلب في 22 شباط الجاري
آثار قصف النظام لترمانين بإدلب في 22 شباط الجاري
الغارديان - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

لم تحظ الأزمة السورية باهتمام العالم، لكنها قدمت أهم الدروس للغرب حيال بوتين، بالرغم من عدم اهتمام باقي دول العالم بكل هذا، فجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية ماتزال ترتكب بوجود نظام الحكم الديكتاتوري الذي تدعمه روسيا، حتى وإن رغب بعض القادة والزعماء من أصحاب الفكر المغيب بدفع بشار الأسد مهندس كل تلك الجرائم في سوريا، نحو حالة من القبول ضمن المجتمع الدولي.

بوسعنا أن نجلس مطمئنين هنا، وذلك لأن رئيس أوكرانيا فولوديمير زيلينسكي، ليس كالأسد، أي أنه لم يرحب بقدوم بوتين فاتحاً له ذراعيه، ولكن بالنسبة لردة الفعل تجاه ما يجري في أوكرانيا، ثمة دروس بوسع الغرب أن يتعلمها، بل يجب عليه تعلمها من خلال الحالة السورية.

سوريا ولاية روسية بكل المقاييس

منذ أن قامت الأمم المتحدة بنزع ما صرح عنه النظام السوري من ترسانة الأسلحة الكيماوية في عام 2014، والأسد يواصل قصف المشافي والمدارس وإحراق القرى وتدميرها عن بكرة أبيها بصورة مروعة، متبعاً سياسة الأرض المحروقة التي تعود للعصور الوسطى. لحسن الحظ أننا لم نعد نشهد حالات استخدام للسلاح الكيماوي في سوريا منذ نيسان 2019، إلا أن هذه الدولة قد تحولت اليوم إلى ولاية روسية بكل المقاييس، عدا الاسم، وأصبح الأسد مجرد ديكتاتور دمية تحركه موسكو كيفما شاءت، وهذا لم يعد خافياً على أحد. أما محافظة إدلب الواقعة شمال غربي سوريا، فهي المنطقة الوحيدة التي ماتزال محررة من الطغيان، إلا أنها تؤوي الملايين من الأنفس التي عضها الجوع بنابه بعدما انقطعت بها السبل فبقيت عالقة هناك، ثم يأتي الأسد ليقوم برمي قنابل حارقة بهدف قتل هؤلاء الناس هناك وكأنهم مجرد هوام، أي أن الوضع هناك يشبه الجحيم على الأرض. بل حتى الأمم المتحدة أدارت ظهرها لإدلب، وأصبحت تقدم المساعدات للأسد وزوجته ليقوما بتوزيعها بالطريقة التي يريانها مناسبة.

تمثل سوريا اليوم حالة وجود كبير لروسيا وإيران على حافة أوروبا، وفي حال سقوط أوكرانيا أيضاً، فلابد لميزان القوى أن يختل لتميل كفته بشكل أكبر نحو الشرق. إذ بسبب اعتماد الكثير من الدول الأوروبية على الغاز الروسي، بدأت حالة انعدام الاستقرار الحالية على المستوى العالمي من دمشق. وهكذا تشجعت روسيا بشكل أكبر، ودعمها في ذلك ارتفاع أسعار النفط، لتصبح على استعداد لمواجهة حلف شمال الأطلسي كما لم تكن قبل بضع سنوات، وذلك عندما كان جيشها وعتاده القديم البالي لا يضاهي الدبابات الغربية ولا حتى يدانيها. وفي الوقت الذي قامت فيه بقية الدول بتخفيض تعداد جيوشها إلى أدنى الحدود، والاعتماد على المعدات الإلكترونية وعلى الفضاء لخوض الحرب القادمة، عملت روسيا على تحديث قوتها العسكرية، التي تستعرضها اليوم في أوكرانيا، فأصبحت لديها نوعية فريدة بالنسبة لعدتها وعتادها العسكري، بحيث لم يعد بمقدور أي محارب إلكتروني أن يقضي عليها.

الجميع في سوريا يعاني

تعكس سوريا ما الذي يحدث عندما تغض الطرف وتتأثر بكلام دعاة السلام كثيراً. فمن تورط من الدول في تدخل عسكري في العراق وأفغانستان خلال السنوات الثلاثين الماضية يعاني من مشكلة تجاوز العلامة المحددة في تلك الأماكن، إلا أننا ننظر إلى سوريا ونحن نعرف بأن علينا أن نقوم بشيء أفضل من الذي قدمناه، وهذه المعرفة يجب أن تبنى عليها استجابتنا وردة فعلنا تجاه عدوان بوتين اليوم.

من الواضح عندما نناقش الوضع السوري مع سوريين من إدلب ومن المناطق التي يسيطر عليها النظام بأن الجميع يعاني، إلا أن من يعيشون في إدلب يتلقون على الأقل دعماً من قبل تركيا، فضلاً عن بعض المشاريع المبتكرة التي تمولها دول الاتحاد الأوروبي. إذ أصبحت غالبية المشافي والعيادات في إدلب اليوم تتمتع بنظام يعمل على الطاقة الشمسية لتشغيل المولدات وغرف العمليات الجراحية، وذلك لعدم توفر الوقود أو شبكة الكهرباء التي دُمرت قبل سنوات في تلك المنطقة. كما ظهرت هناك سيارات كهربائية تعمل بالطاقة الشمسية، وتقوم بتوزيع الأدوية ولقاحات كوفيد حال توفرها في مختلف أنحاء إدلب. وفي تحول ملحوظ لم يظهر إلا في خضم الحرب، عرضت بعض الكوادر الطبية السورية التي طورت نظاماً طبياً قابلاً للتطبيق في ظل أحلك الظروف وأشدها صعوبة تقديم المساعدة في أفغانستان.

لقد أبدى الشعب السوري مرونة وتأقلماً وإبداعاً يفوق الوصف، بالرغم من أن العالم خذلهم مرة بعد مرة، كان أولها عندما لم يتدخل الغرب حالما بدأ النظام هجومه على الأهالي، ثم تمثلت ثاني حالة للخذلان بردة فعل العالم تجاه استخدام السلاح الكيماوي المحظور في كل قوانين الحرب وأحكامها، فقد أعلنت الولايات المتحدة بأن استخدام هذا النوع من الأسلحة يعتبر خطاً أحمر، لكنها تخاذلت ولم تفعل شيئاً عندما تجاوز النظام ذلك الخط. أما حالة الخذلان الأخيرة فتمثلت باكتفاء الغرب بالوقوف والمشاهدة في الوقت الذي أخذت فيه روسيا وإيران تشقان طريقهما لتصلا إلى سوريا حيث أقامت كل منهما قاعدة لشن عمليات استباقية على عتبات أوروبا.

سيحسن زعماؤنا وقادتنا صنعاً إن تذكروا كل ذلك جيداً، إلى جانب تحليهم بالقوة والمرونة لحماية أوكرانيا، إذ لا أعتقد بأن فرض بضع عقوبات على بضعة مصارف وأصحاب ملايين يمكن أن يقلق بوتين الذي لا يفهم إلا بمنطق القوة والسلطة، ولهذا حان الوقت لنظهر قوتنا وصلابتنا.

 المصدر: غارديان