يشرع المزارعون في مناطق مختلفة من ريفي حلب الشمالي والشرقي بقطاف محصول العصفر في الأيام الأخيرة من شهر أيار وحتى منتصف حزيران، متأملين بإنتاج وفير وأسواق وأسعار مقبولة في المنطقة في حال تم تصدير زهر وحبوب العصفر إلى خارج المناطق المحررة.
وأخذت زراعة العصفر خلال الموسم الزراعي من هذا العام مساحات واسعة من الأراضي الزراعية في مناطق مختلفة من ريفي حلب الشمالي والشرقي، ذلك بعدما نقلها النازحون والمهجرون من ريف إدلب الجنوبي وريف حماة الشمالي إلى الشمال السوري، عقب موجات النزوح والهجرة.
مزروعات جديدة ينقلها النازحون إلى ريف حلب
التقى موقع "تلفزيون سوريا" علام قنب (39 عاماً) مهجر مع عائلته من بلدة كفر بطيخ بريف إدلب الجنوبي الشرقي إلى قرية سندف بريف حلب الشمالي، حيث يعمل الرجل وأفراد أسرته وأسرة أخيه المتوفى في زراعة العصفر.
ونقل علام، كغيره من النازحين إلى ريف حلب الشمالي زراعة العصفر كإحدى الخبرات الزراعية الجديدة التي دخلت إلى المنطقة بعدما تنوعت مشارب المقيمين فيها من نازحين ومهجرين سوريين من محافظات سورية مختلفة ما أسهم في خلق طابع زراعي جديد.
وقال الرجل خلال حديثه لموقع "تلفزيون سوريا": "العصفر من المزروعات الجديدة التي دخلت إلى منطقة ريف حلب، وتحقق ربحاً جيداً للمزارع الذي يعمل بزراعتها خلال كانون الثاني / يناير ومتابعتها حتى فترة الحصاد في أيار / مايو".
وأضاف: "محصول العصفر لا يقتصر على الزهر (البتلات) فقط، وإنما يمكن أن يستفيد المزارع من البذور التي تستخدم للزيت وبقاياها لطعام الحيوانات، مثل بقايا الساق والأوراق الشوكية، التي يتم تحويلها إلى علف للماشية".
وأوضح أن تكاليف زراعة العصفر كبيرة بدءاً من إيجار الأرض، إذ دفع هذا العام نحو 600 دولار أمريكي لقاء إيجار أرض مكونة من 11 دونماً، من أجل زراعة العصفر، بينما بلغت كلفة زراعته نحو 200 دولار أميركي، في حين يقوم مع أفراد أسرته بالاعتناء به".
العصفر ثلاثي الغرض
كانت زراعة العصفر تتركز في ريف حماة وريف إدلب الجنوبي، لكنه اليوم يزرع بكثرة في عفرين واعزاز وريف إدلب، مناطق اعتادت على زراعة القمح والشعير والبقوليات.
توفر زراعة العصفر فرص عمل للكثير من العائلات الفقيرة ومحدودة الدخل في مناطق ريف حلب الشمالي، إلّا أنه لا يوجد إحصائيات دقيقة للأراضي المزروعة بالعصفر، بحسب ما أوضح مدير مديرية زراعة حلب التابعة للحكومة السورية المؤقتة حسن الحسن.
وقال الحسن خلال حديثه لـ موقع "تلفزيون سوريا": "يعتبر العصفر من المحاصيل الثلاثية الغرض ويستفاد من زراعته لتأمين المواد التالية: الزيت هو من الزيوت القابلة للاستهلاك البشري وتتراوح نسبة الزيت في بذوره بين 25-40 في المئة بحسب الصنف وموعد الزراعة وهو من الزيوت الصحية لوجود نسبة عالية من الزيوت غير المشبعة خاصة حمض اللينوليك والأوليك".
وأضاف أن الكسبة الناتجة من عصر البذور تستخدم في التغذية الحيوانية كما يمكن أن تقدم لكل أنواع الطيور الداجنة وغيرها ذات قيمة غذائية جيدة نظراً لاحتوائها على نسبة تصل إلى 25% بروتين خام بالإضافة إلى الكربوهيدرات".
وتابع: "بينما البتلات (الزهور) تستخدم كملونات طبيعية لبعض الأطعمة كما كانت تستخدم كمواد لصباغة الألبسة نظراً لوجود صبغة الكرثامين وأسعارها مرتفعة".
جني العصفر في ريف #إدلب والصعوبات التي تواجهه
— تلفزيون سوريا (@syr_television) June 1, 2023
إعداد: أنور عبد اللطيف#تلفزيون_سوريا #صباح_سوريا pic.twitter.com/gLfKpjeraQ
مصدر رزق عائلي
تتطلب زراعة العصفر مصروفاً مالياً كبيراً، إلى جانب المتاعب والمشاق خلال فترات الزراعة والنمو والقطاف والحصاد، ما يدفع بعض العائلات ذات الدخل المحدود إلى العمل بشكل تشاركي وتعاوني في زراعة العصفر.
حسان العلي من مدينة مارع شمالي حلب يعمل في زراعة العصفر منذ أربع سنوات إلى جانب عمله مدرساً في إحدى المدارس، ويحقق من زراعته مردوداً مالياً جيداً يعينه على تغطية احتياجات أسرته فهو بالكاد يجني 1900 ليرة تركية شهرياً من التدريس، وهذا المبلغ لا يغطي جزءاً من مصروف العائلة.
قال خلال حديثه لموقع "تلفزيون سوريا": "تكاليف الزراعة كبيرة لا سيما إيجار الأرض وثمن البذار، إضافةً إلى المجهود الجسدي خلال فترة الحصاد ما دفعني إلى الاشتراك مع عائلة والدي وأسرة زميلي النازح من ريف إدلب الجنوبي، في زراعة هكتار من العصفر".
وأضاف أنه لم يجد فرصة عمل أخرى لتغطية احتياجات أسرته في ظل ندرة فرص العمل وانخفاض الأجور، ما دفعه إلى العمل في الزراعة لتغطية جزء من احتياجات أسرته إلى جانب عمله في التعليم، لا سيما أن فترة قطف العصفر تكون مع انتهاء العام الدراسي.
وأصبحت زراعة العصفر في ريف حلب من المزروعات المهمة كونها تمتاز بمرابحها الجيدة بعدما تأثرت الزراعات العطرية بالأحوال الجوية غير المستقرة كحبة البركة والكمون والكزبرة وغيرها إذ تعتبر نبتة العصفر من الأنواع المقاومة للتقلبات الجوية.
ويزرع العصفر في الأراضي الزراعية الخصبة ومتوسطة الخصوبة، كما يزرع بعلاً في المناطق التي يصل معدل هطولها المطري إلى 350 ملم أو يزيد، في حين يزرع رياً أيضاً حيث يحتاج إلى ثلاث أو أربع ريَّات حتى مرحلة القطاف، كذلك يمكن زراعته في موسمين تشريني وربعي، لكن يحتاج إلى ري، بحسب ما أوضح المهندس الزراعي قيس حلاوة.
وقال حلاوة خلال حديثه لموقع "تلفزيون سوريا" إن نبتة العصفر من أنواع النباتات المقاومة للتغيرات الجوية غير المستقرة، وهذا ما يساعد على استمرار نموها، بينما المحاصيل الزراعية العطرية كحبة البركة والكمون واليانسون فهي تتعرض لأمراض عديدة نتيجة تقلبات الطقس.
وينتج الدونم الواحد 40 كيلوغراماً من الزهور، لكن بعد تجفيفه يبقى إنتاجه 10 كيلوغرامات، في حين يبلغ سعر الكيلوغرام من العصفر المجفف 16 دولاراً أميركياً، في حين يُباع سعر الطن الواحد من البذور الذي ينتجها الهكتار بـ 600 دولار أمريكي.