ليس أمراً مفاجئاً تخاذل - أو فشل - المجتمع الدولي في التعامل مع كارثة الزلزال في شمال غربي سوريا، فلهذا المجتمع الدولي تاريخ حافل من الفشل والتخاذل، وتكرر هذا التخاذل بشكل واضح فيما يتعلق بملفات القضية السورية، منفردة أو مجتمعة، وتراكم وكَبُرْ، وولّد مواقفَ غير حميدة من السوريين تجاه المجتمع الدولي، وكذلك تخاذلت - أو فشلت - الأمم المتحدة على وجه الخصوص في دفع الملف السوري خطوة واحدة نحو الحلحلة، على الرغم من أنها منظمة عنوانها الأساس حفظ سلم وأمن الشعوب والاستقرار العالمي.
ليس أمراً مفاجئاً هذا التخاذل لأنه من الطبيعي، في ظل التناقضات السياسية والعسكرية الهائلة حول سوريا، أن نشهد فشلاً وتخاذلاً دولياً وأممياً، وهو في الواقع ترجمة لمواقف الدول الكبرى والإقليمية وطموحاتها وأهدافها، وانعكاس لصراعاتها، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الوظيفة الجيوسياسية للحرب السورية أعقد من أن يوجد لها حل من دولة منفردة أو من تكتل دولي متشابه التوجّه أو من منظمة أممية ضعيفة.
للأمم المتحدة تاريخ من العجز فيما يتعلق بالسوريين، فلم تقدم هذه المنظمة الأممية الدعم الذي تستحقه القضية السورية
عجز المجتمع الدولي في وقف الحرب السورية، ولم يستطع وضع حد للمذبحة المستمرة منذ 12 عاماً، ومنذ السنوات المبكرة من عمر الثورة بدأ التخاذل، فصمت الجميع عن القتل مقابل تسليم بضعة أسلحة كيماوية، ثم غضّ الطرف عن جرائم حرب هي الأفظع في التاريخ المعاصر، ثم لم يُلزم أحداً بتطبيق بيان جنيف، وضاعت نتائج اجتماعات فيينا، وتبخرت قرارات الجامعة العربية، وتجمّد القرار 2254، وعجز عن وضع أي حد ولو بسيطاً لروسيا وإيران، وللميليشيات اللبنانية والعراقية، وهنا لا داعي لأن نُقارن ما فعل المجتمع الدولي مع أوكرانيا بما فعل مع سوريا.
كذلك للأمم المتحدة تاريخ من العجز فيما يتعلق بالسوريين، فلم تقدم هذه المنظمة الأممية الدعم الذي تستحقه القضية السورية، ومن ثمّ عجز مبعوثوها الستة عن تحريك الحل السياسي، وتقاعست فجعلت مسائل مبدئية لا تستدعي التفاوض موضع تفاوض، وعجزت أكثر فدوَّرت الزوايا، وحاولت التأقلم مع مواقف الطرف الأقوى في الصراع السوري، وصمتت عن محاولات فرض مسار أستانا الروسي بديلاً عن مسار جنيف المتفق عليه دولياً، وقسّمت المعارضة السورية وصنفتها إلى منصات، ثم حوّلت الحل السياسي إلى سلال لا تتحرك ولا يمكن أن يُكتب لها النجاح.
عجز المجتمع الدولي عن مدّ يد العون لملايين السوريين المحتاجين لمساعدات إنسانية أساسية، ولم يقف بوجه الروس الذين يبتزون من خلال غلق ممرات عبور المساعدات، ولم يُقدّم المستوى المطلوب من المعونة لملايين السوريين ممن لهم الحق في العيش بالحد الأدنى من الكرامة الإنسانية، وقدّم فتات المساعدات، وعجز بأن يوقف فضائح المنظمات الدولية التي انكشفت علاقتها بالنظام السوري وفسادها المتبادل معه.
عجز المجتمع الدولي في مراقبة العقوبات المفروضة على النظام السوري، وعجز عن وضع حد لمن حوّل سوريا إلى مقرّ تصنيع وتصدير للمخدرات عبر العالم، كما عجز عن مصادرة مليارات الدولارات المنهوبة من سوريا والمُخزّنة في بنوك المجتمع الدولي هذا، كما عجز عن ملاحقة مجرمي الحرب ومرتكبي الجرائم ضد الإنسانية في سوريا.
إذاً، هو عجز تراكمي ومستمر منذ سنوات وليس وليدَ الوقت الراهن، عجز خبره السوريون واكتوَوا به وتضاعفت معاناتهم بسببه، عجز لا يُرجى له شفاء أو إصلاح، ولا يوجد أمل بانقلابه إلى مواقف جدّية، أو إلى شعور حقيقي بالمسؤولية الإنسانية، أو إلى صحوة تاريخية.
بحث هذه القضايا العملية – النظرية لمعرفة كيف يجب أن يتعامل السوريون مع المجتمع الدولي في قادم الأيام هو أمر في غاية الأهمية
ألقي بالسوريين في بحر تتلاطم به الأمواج، واسع وغامض وخطير، وليس لديهم سوى إرادتهم التي يصعب أن تنهار، وكُتب عليهم المقاومة بكل أشكالها، السلمية والفكرية والإنسانية، مهما كانت الأثمان ومهما تطلب نضالهم من وقت، كما كُتب عليهم أن يعتمدوا على أنفسهم وعلى قواهم الذاتية على ضعفها، وبالتالي عليهم إعادة دراسة تجربتهم مع المجتمع الدولي، ومعرفة العثرات والأخطاء والسقطات وعناصر الفشل وأسبابه، والاستفادة من الدروس الكثيرة جداً، والتفكير بالحاضر ومخاطره ومتطلباته، واستشراف المستقبل وآفاقه.
بحث هذه القضايا العملية – النظرية لمعرفة كيف يجب أن يتعامل السوريون مع المجتمع الدولي في قادم الأيام هو أمر في غاية الأهمية، وإشعال شمعة تُنير طريق السوريين، أو تجعلهم يعرفون كيف يُغيّروا عجز المجتمع الدولي، خير ألف مرة من لعن الظلام، ولعن عجز المجتمع الدولي وشتمه، وأهم من تفنيد ممارسات المنظومة الأممية وتقاعسها، لأنه لا داعي لصرف الجهد في تعريف المعرّف.