أحيت الطاقة الشمسية النشاط الزراعي في محافظة إدلب، خلال الموسمين الصيفي والشتوي، بعد ركود دام لسنوات، بسبب غياب الطاقة البديلة عن انقطاع التيار الكهربائي، فضلاً عن توفيرها ـ أي الطاقة الشمسية ـ مبالغ تشغيلية ضخمة على المزارعين مقارنة باستخدام "الديزل" أو استجرار التيار الكهربائي عبر شركة (GREEN ENERGY) الخاصة.
مبالغ كبيرة لطاقة أكثر استدامة
يعود المزارعون بحماسة في أرياف إدلب إلى إعادة تشغيل آبار مشاريعهم الإرتوازية، بعد انقطاع لسنوات، كما هو الحال لدى عبد الله كيالي وهو مزارع من بلدة حزانو شمالي إدلب، زوّد مشروعه الزراعي بطاقة شمسية منذ سنتين وبدأ العمل عليه لري محاصيله الصيفية والشتوية.
يقول كيالي لموقع تلفزيون سوريا إن النشاط الزراعي المروي، بين عامي 2013 و2018 تراجع بشكل كبير بسبب الكلفة المرتفعة جداً للتشغيل، لكن مع ظهور الطاقة الشمسية وكلفتها التشغيلية المعدومة شجّع كثيراً من المزارعين على اقتنائها بعد عام 2018 وعادوا لنشاطهم الزراعي.
ويجد فادي أبو محمود، وهو مزارع مهجّر من بلدة كفرعويد جنوبي إدلب، أن "الطاقة الشمسية صارت العماد الرئيسي للمزارعين بعد أن استغنوا تماماً عن أنواع الطاقة الأخرى نظراً لكلفتها اليومية المرتفعة".
وجهّز "أبو محمود" طاقة شمسية بكلفة تجاوزت الـ 18 ألف دولار أميركي بين ألواح طاقة وبطاريات، لمضخة مياه (غاطسة) بقوة 40 حصاناً، في حين أن القاعدة الحديدية المتحركة للطاقة الشمسية وصلت كلفتها إلى نحو 10 آلاف دولار".
وأوضح في حديثه لموقع تلفزيون سوريا أنّ القاعدة المتحرّكة التي تقوم عليها الطاقة الشمسية، تساهم في تتبع الشمس إضافة إلى الاستفادة من كميات أكبر من الطاقة الشمسية على خلاف الألواح المثبتة على الأرض التي تبدي أداءً أقل.
عودة بعد سنوات
منذ عام 2004 توقّف "أبو سهيل" وهو مزارع ينحدر من بلدة "معارة الإخوان" شمالي إدلب، عن العمل في الزراعات الصيفية ليعود قبل ثلاث سنوات إلى تفعيل مشروعه الزراعي المحيط في بلدته، لكن عبر الطاقة الشمسية.
يؤكد "أبو سهيل" في حديث لموقع تلفزيون سوريا أنه "لولا الطاقة الشمسية لما وجدت مشاريع زراعية اليوم في إدلب.. فترة انقطاعي الطويلة عن الزراعة كانت بسبب ارتفاع سعر المازوت في سوريا منذ أن ارتفع إلى 25 ليرة سورية منذ سنوات طويلة، فكيف اليوم بعد أن صار البرميل بـ 160 دولاراً تقريباً".
ويضيف: "رتبت مواسمي الصيفية على قدر استطاعة الطاقة الشمسية التي اقتنيتها.. لأنه لا يمكن العمل في الزراعة إلا عبر الطاقة الشمسية في هذا التوقيت".
وتشغّل الطاقة الشمسية آبار المشاريع الزراعية من 8 ساعات إلى 10 ساعات في اليوم، تبدأ تقريباً من الساعة السابعة صباحاً وحتى الخامسة مساءً، وتتراوح الساعات وفقاً لقاعدة الألواح، سواء كانت متحركة أم ثابتة.
لا مجال للمقارنة
يعتبر مزارعون أنّه "لا مجال للمقارنة" بين استخدام الطاقة الشمسية لضخ المياه في المشاريع الزراعية، وغيرها من أنواع الطاقة سواء "الديزل" أو الكهرباء من الناحية الماديّة، إذ إنّ "الطاقة الشمسية" معدومة المصاريف على خلاف مصاريف أنواع الطاقة تلك.
يقول في هذا السياق محدّثنا "أبو محمود"، إن "تشغيل المشاريع الزراعية على مادة الديزل هو مشروع خاسر وحتى إن بعنا كيلو البندورة بـ 10 ليرات تركية، لأنّ التكلفة مرتفعة جداً بعد ارتفاع سعر ليتر الديزل".
ويستهلك "أبو محمود" ضمن مشروعه الزراعي قرب بلدة كللي شمالي إدلب في اليوم الواحد برميلاً من المازوت أي كلفة تصل إلى 160 دولاراً أميركياً، لكن يكون اللجوء إليه ضمن مواسم محددة ولظروف اضطرارية مثل البندورة التي تحتاج إلى ري ليلاً نهاراً.
ويضع "أبو محمود" كلاً من "الديزل" والكهرباء في خانة واحدة من الناحية المادية، إلا أنّ التيار الكهربائي يوفّر أعمال الصيانة والجهد على المزارع، فالمولّدة كثيرة الأعطال وتحتاج إلى عامل يشرف على تشغيلها.
ونظراً للكلفة المرتفعة للكهرباء أو "الديزل"، فإنّ المزارعين عزفوا عن استخدامهما، وطوّعوا مواسمهم للتناسب مع قدرات الطاقة الشمسية فقط.
ووضعت شركة الكهرباء في محافظة إدلب، تسعيرة كيلو واط الكهرباء "الصناعي" بـ 22 سنتاً، وهو سعر مرتفع جداً على المزارعين، وفقاً لما أفادوا.
المشكلة في تأمين ثمن المنظومة
تعتبر كلفة تجهيز الطاقة الشمسية المرتفعة التي تبلغ آلاف الدولارات هي العائق الأساسي أمام المزارعين في استخدامها، وهي تختلف بحسب القدرة التشغيلية.
يلفت "كيالي" إلى أنّ أرقام التكاليف الغالية جداً التي تبدأ من 13 ألف دولار وتصل إلى 20 ألف دولار وأحياناً أكثر من هذا الرقم بحسب التجهيز، هي ثروة بحدّ ذاتها ولا يملكها بعض مزارعي الشمال السوري، ولهذا السبب لا يستفيد جميع المزارعين من الطاقة الشمسية في تشغيل مشاريعهم الزراعية".
ويؤكد أنّ "العقبة الرئيسية تكمن في شراء وتجهيز الطاقة الشمسية، وأما بعد التشغيل والإقلاع فتنعدم المصاريف التشغيلية تماماً ويغدو العمل عليها شبه مجاني".
الألواح المستعملة أكثر طلباً
تغزو ألواح الطاقة الشمسية المستعملة الأسواق في محافظة إدلب، وهي الأكثر طلباً في المشاريع الزراعية على اعتبار أنها أقل كلفة قياساً بـ"الألواح الجديدة".
في هذا السياق، يشير يوسف زكور وهو بائع وفنيّ "ألواح طاقة شمسية" في ريف إدلب، إلى أنّ "الألواح الأوروبية وهي غالبيتها ذات منشأ ألماني وإيطالي، مطلوبة من قبل أصحاب المشاريع الزراعية لأنها أثبتت فاعلية وعملاً من خلال التجربة، رغم أنها مستعملة، لكنها الأرخص في السوق".
ويضيف لموقع تلفزيون سوريا أنّ "المُزارع يرغب في الدرجة الأولى بالسعر الأقل نظراً للكلفة العالية والكمية الكبيرة التي يحتاج إليها مشروعه الزراعي، إذ يستخدم على الأقل 50 لوحاً ويصل ببعض المزارعين إلى استخدام 400 لوح للمشروع الواحد".
وتتراوح أسعار الألواح المستعملة من 35 إلى 55 دولاراً، وهذا الأرقام تعود لـ"نظافة وجودة اللوح" إلى جانب مقاسه، في حين يتراوح عمرها من السنة الواحدة إلى 5 سنوات من التشغيل.
وأشار زكور إلى أنّ "اللوح المستعمل المعروف بـ المُشقق (ألواح متفسّخة)، هو الأكثر رداءةً والأقل سعراً بين أنواع الألواح المستعملة (نحو 35 دولاراً)، إلا أنها مطلوبة للمشاريع الزراعية لأنها الأرخص، لكن أحياناً يولد طاقةً أقل ـ خاصةً في الأجواء الصيفية ـ من الألواح الجديدة".
ووصل سعر الألواح المستعملة في وقتٍ سابق إلى نحو 20 دولاراً فقط، وأخيراً ارتفعت إلى سعرها الحالي، وذلك يعود لعدة أسباب أبرزها التهريب خارج مناطق الشمال السوري، وتراجع كمياتها في السوق المحلية بسبب الشحّ في الاستيراد.
في حين أن الألواح الجديدة، يتراوح سعرها من 45 إلى 180 دولاراً أميركياً وفقاً لنوعية اللوح وبلد المنشأ والمقاس، لكنها قليلة الاستعمال في المشاريع الزراعية.