كان ضخّ المياه إلى قناة الري الإسمنتية في سهل "الروج" بريف إدلب الغربي، لساعات قليلة قبل أيام، محبطاً لدى مزارعي السهل، في وقتٍ عقدوا آمالهم على عودة ضخ المياه لتنشيط نشاطهم الزراعي وإحياء المحاصيل النوعية، التي عرفت بها المنطقة على مر السنوات.
ويعتبر الضخّ هو الثاني منذ إعادة تأهيل جزء من محطة "عين الزرقاء" في العام الماضي، إذ جرى ضخّ المياه للمرة الأولى في العام 2021، لإنقاذ موسم البندورة، بحسب مديرية الموارد المائية.
ويأتي إعادة تأهيل جزء من محطة "عين الزرقاء"، بعد نحو 9 سنوات من تعطيلها، لكن تبقى الكلفة التشغيلية عائقاً أمام عودة ضخ المياه بشكل دوري إلى القنوات الإسمنتية والترابية لإعادة النشاط الزراعي إلى منطقة سهل الروج، السلة الغذائية لمنطقة شمالي غربي سوريا، فضلاً عن زراعته الاستراتيجية والتكثيفية.
وفي وقتٍ تدعو فيه مديرية الموارد المائية ومن خلفها وزارة الزراعة والري في حكومة "الإنقاذ" العاملة بمناطق سيطرة "هيئة تحرير الشام"، المزارعين إلى تحمّل نفقات الكلفة التشغيلية لإعادة الضخّ، يعتبر المزارعون أنّ الكلفة مرتفعة جداً ولا تناسب مردود محاصيلهم الزراعية، خاصةً مع التراجع الكبير في أسعار الأصناف الزراعية هذا العام.
"إعادة الضخ تجريبية"
يوضح محمد نعمة آمهان - رئيس دائرة الاستثمار في مديرية الموارد المائية التابعة لـ"حكومة الإنقاذ" السورية - أنّ "الضخ قبل أيام، إلى قناة الري كان تجريبياً لعرضه على مزارعي مشروع سهل الروج وتشجيعهم على الزراعة".
وأوضح المهندس "آمهان" أنّ الضخّ التجريبي من محطة "عين الزرقاء" قرب مدينة دركوش غربي إدلب، والتي أعيد تأهيل ثلاث مضخّات فيها فقط من أصل سبع مضخّات، كان إلى القناة الإسمنتية الجنوبية في مشروع سهل الروج الزراعي البالغِ طولها نحو 7.5 كيلومترات، بناءً على طلب المزارعين المستفيدين من هذه القناة، كتشجيع لهم للبدء في زراعاتهم التكثيفية".
ويشير "آمهان" في حديثٍ لموقع تلفزيون سوريا إلى أن المضخات التي أعيد تأهيلها قادرة على إيصال المياه لنحو 3500 هكتار في منطقة سهل الروج، من مساحة عامة لـ"مشروع السهل" تبلغ نحو 10 آلاف و600 هكتار.
وفي وقتٍ ما زالت أربع مضخات في محطة "عين الزرقاء" بحاجة إلى إعادة تأهيل وصيانة، يوضح محدثنا أنّ "المحطات السبعة قادرة على ري نحو 7 آلاف هكتار من أراضي سهل الروج في حال أُعيد تأهيلهنّ جميعاً".
وبحسب "آمهان" فإنّ "الضخ التجريبي استمرّ مدة 18 ساعة، 6 ساعات لكل مضخّة عبر نفق "عين الزرقاء"، بقيمة تشغيلية بلغت نحو 4680 دولاراً أميركياً.
"ضخّ متأخر"
أجمع مزارعون في محيط القناة الإسمنتية الجنوبية في منطقة سهل الروج أنّ "الضخّ جاء متأخراً جداً إذ إنّ المواسم الصيفية على وشك الانتهاء"، فضلاً عن كونه ـ أي الضخّ ـ مؤقتاً ومشروطاً بدفع رسوم وضرائب.
"أبو فيصل" من قرية البالعة، دأب خلال الموسم الحالي على زراعة محاصيل صيفية في نحو 17 دونماً، معتمداً على "الطاقة الشمسية" في ظل توقف الضخ عن الأقنية المائية التي تحيط في أرضه الزراعية ضمن السهل.
وفي حديث لموقع تلفزيون سوريا اعتبر "أبو فيصل" أنّ "تجربة الضخ التي استمرت لنحو 3 ساعات تقديراً، كانت متأخرة لأن المحاصيل الصيفية التي زرعها كانت تحتاج إلى مياه في وقتٍ مبكر من الموسم".
وعلى الرغم من تأخر الضخّ، يرحّب أبو فيصل في استمرار عملية الضخّ، إلا أنّ "توقّفها في هذا الشكل كان محبطاً له، لأنّ كثيراً من المزارعين ـ وهو منهم ـ أبدوا استعدادهم لزراعات واسعة هذا العام عندما وصلتهم أنباء عن إعادة ضخ المياه إلى أقنية سهل الروج".
جمعة الدخيل، كان واحداً من المزارعين، استأجر نحو 200 دونم في منطقة سهل الروج، لهذا العام، استعداداً لقدوم المياه، وقبيل فلاحتها بوقت قصير جداً تراجع عن هذه الخطوة التي كانت ستعود عليه بخسائر كبيرة على حدّ قوله، بعد أن اتضحت طبيعة الضخ".
اقرأ أيضاً.. سوريون مهجّرون ينجحون بزراعة الموز في إدلب |صور
يقول لموقع تلفزيون سوريا: "كنت مقرراً زراعة محصول فول الصويا، وبعد انتظار طويل لضخ المياه في الموسم الصيفي الحالي، تبين أنه لا يوجد ضخ للمياه، وعليه تراجعت عن قرار الزراعة".
أما المزارع عبد المطلب الدخيل، يقول إنّ "حياتي الزراعية انقلبت رأساً على عقب بعد توقف ضخ المياه خلال السنوات القليلة الماضية، تحولت من مزارع يزرع 70 دونماً على مدار العام، إلى مزارع لدونمات قليلة ومديون بأكثر من 5 آلاف دولار بسبب تراجع المواسم مع غياب مصدر المياه للري".
ويوضح أنّ الضخ علاوةً عن كونه جاء متأخراً، فإنه أيضاً "محدود جداً ولم يسقِ لكل مزارع أكثر من دونم واحد أو أكثر بقليل".
ويقدّر المزارعون مدى الضخّ على طول القناة بنحو 3 كيلومترات فقط، من طولها الكامل الذي يصل لـ7.5 كيلومترات.
فيصل الشامي مزارع من قرية "البالعة" أيضاً، يقول لموقع تلفزيون سوريا، إنّ "بديلهم عن مياه الأقنية هي مياه السماء خلال الشتاء ومياه المجارير، المجمّعة في السدّ التجميعي، في ظل توقف الضخّ عن القناة وارتفاع تكاليف تشغيل الآبار بالديزل".
وأوضح "الشامي" الذي يملك نحو 12 دونماً أنّ "الكلفة اليومية للديزل من أجل تشغيل الآبار الارتوازية تقدر بـ 70 دولاراً وهذه كلفة لا يمكن عليه تحمّلها على الإطلاق"، مشيراً إلى أنّ "خياره الوحيد هو التوقف عن الزراعة الصيفية والاقتصار على الشتوية فقط".
"ضرائب مرتفعة"
تدرس مديرية الموارد المائية تسمية رسوم للري من القنوات المائية مقابل ضخ المياه إليها من "عين الزرقاء"، وفقاً لـ"آمهان"، الذي كشف عن كلفة الري لمرة واحدة تتراوح من 7 إلى 9 دولارات عن كل دونم.
وأمام هذه الكلفة التي كشف عنها محدثّنا، قال المزارع عبد المطلب، إنّ "بعض المحاصيل ومنها الفليفلة، تحتاج لريّ لأكثر من 25 مرةً، وبالتالي نحكي عن كلفة باهظة جداً ترتب خسائر على المزارع بدل الأرباح".
ويضيف لموقع تلفزيون سوريا أنّ "البدائل لري المحاصيل الصيفية تكاد تكون معدومة بسبب ارتفاع تكاليفها مثل الديزل.. ما زلنا على أمل استمرار الضخّ عبر الأقنية من عين الزرقاء".
ويلفت إلى أنّ "هذه الكلفة ممكن أن يحتملها المزارع شريطة ضبط أسعار المحاصيل الصيفية في السوق ورفع سعرها بما يتوافق مع التكاليف، إذ تراجع سعر المحاصيل إلى حدّ الخسارة هذا العام".
ويوضح في هذا السياق، رئيس دائرة الاستثمار، أن المديرية وضعت المزارعين بصورة الكلفة الكلية لضخ المياه للأقنية، والكرة في ملعبهم، مبيناً أنّ "مسألة البتّ في رسوم ضخ المياه قرارها عند وزير الزراعة وليس مديرية الموارد المائية، والخطة حالياً تحمّل المزارع هذه الكلفة لتتم عملية الضخّ وفقاً للكلفة المدروسة".
"إنقاذ محاصيل"
لا يقتصر الضرر على المزارعين المستفيدين من القنوات الإسمنتية في سهل الروج، إنما مزارعو القنوات الترابية هم أيضاً بانتظار الضخّ لإنقاذ محاصيلهم الصيفية ولو لمرة واحدة، على حدّ تعبيرهم.
فاضل أبو أحمد وهو مزارع ضمن ما يعرف بـ"المقسم الخامس" في سهل الروج، يوضح أنّ "محصوله من القثاء مهدد بالفناء إذا لم يصل إليه الريّ لمرة واحدة على الأقل خلال الأيام القليلة القادمة".
ويوضح "أبو أحمد" في حديث لموقع تلفزيون سوريا، أنّ "الضخّ للقناة الترابية في سهل الروج من محطّة عين الزرقاء عبر سدّ البالعة، هو السبيل الوحيد لإنقاذ محصولي مع مجموعة من المزارعين، لكن الكلفة مرتفعة جداً إذ تصل في الساعة الواحدة إلى 300 دولار أميركي (بحسب دراسة مديرية الموارد المائية) وهي قيمة خارج قدرتنا كمزارعين".
ويشير محدثنا "أبو أحمد" أن "بدائل ضخ المياه عبر قنوات الري الترابية، هي عبارة عن آبار ارتوازية تبعد نحو 15 كيلومتراً، وذات كلفة مرتفعة جداً على اعتبار أنّ عملها بـ"الديزل" حصراً، بينما المضخّة في سد البالغة تعمل على الكهرباء، ويتراوح بُعدها من كيلو ونصف إلى كيلومترين فقط، وهي أقل كلفةً".
وتقل خيارات الري أمام مزارعي "المقاسم الخامسة والسادسة والسابعة والثامنة" في سهل الروج، على اعتبارها ذات تربة رخوة ولا يمكن حفر الآبار الارتوازية فيها، ما يحرم المزارعين من فرصة زراعتها صيفاً.
ويمكن ملاحظة تراجع المساحات الخضراء في سهل الروج خلال موسم الصيف على خلاف المواسم السابقة، بسبب توقف الضخّ عن الأقنية الإسمنتية والترابية.