من منا لم يسمع أو يقرأ في طفولته بقصة الشاطر حسن، الفتى الفقير الذي كان يعتاش من صيد الأسماك، وذات صدفة في يوم من الأيام والشاطر حسن يبحث عن رزقه في البحر، مرت به فتاة جميلة، حسنة الهيئة والمظهر، تبدو عليها مظاهر النعمة كانت تتنزه على شاطئ البحر، هذه الفتاة كانت ابنة الملك، وقد تبادلت النظرات مع حسن، ويبدو أن الاثنين وقعا في حب بعضهما، و بعد تجربة خبرت الأميرة فيها ذكاء وشجاعة الشاطر حسن قررت الزواج منه رغم فقره وتواضع منبته؛ فعرضت الفكرة على أبيها الملك إلا أنه رفض وبشدة إلا أن الملك وأمام إصرار ابنته الوحيدة ولكي يفشل الأمر وضع أمام حسن شرطاً تعجيزياً أملاً منه بأن يفشل الفتى بتحقيق الشرط، ومن ثم يفشل مشروع زواج الأميرة بالفتى الفقير، لكنَّ شجاعة الشاطر حسن ومثابرته أثبتت للملك أن خيار ابنته كان صائباً، وأن الشاطر حسن جدير بابنة الملك وبحبها، وكان للملك ما أراد بعد أن أحضر له الفتى حسن الدرة الثمينة التي طلبها، بعد أن ظن أن الفتى حسن سيعجز عن تحقيق الشرط، ولما لم يبق للملك عذر وافق على زواج ابنته الأميرة من حبيبها "الشاطر حسن".
هذه القصة من قصص التراث الشعبي، وتروى لتمجيد الشجاعة والبطولة، وعادة ما تؤطر ضمن مثيولوجيا شعوب منطقتنا، إلا أنها خرجت مؤخراً من إطارها الميثيولوجي، وتجسدت رمزية الشجاعة فيها في قصة واقعية هي قصة الطفل السوري" حسن الخلف" الذي سافر بمفرده نحو ألف وخمسمئة كم قطعها من مدينة زابورجيا في شرق أوكرانيا حتى الحدود الغربية لأوكرانيا مع سلوفاكيا؛ هرباً من جحيم حرب روسيا على أوكرانيا، وكان متاعه في رحلته كيساً بلاستيكياً وحقيبة ظهر وجواز سفر ورقم هاتف كتبته والدته على ظاهر يد الطفل ذي الأحد عشر ربيعاً شجعته والدته على السفر وحيداً خوفاً عليه وطلبا لسلامته، واضطرت هي للبقاء في مدينة "زابورحيا" للعناية بوالدتها المريضة، وزبورجبا يوجد فيها أكبر مفاعل نووي في أوروبا لتوليد الطاقة الكهربائية لم توفره الصواريخ الروسية الغازية، مما رفع عوامل الخطر في المدينة وآثرت الأم أن يلتحق ولدها حسن بأقارب له في سلوفاكيا، هذا في رواية، وفي رواية أخرى لينضم إلى إخوة ثلاثة له كانوا قد سبقوه على ما يبدو إلى هناك بحثاً عن الأمن والسلامة، بعد أن ارتفع منسوب الخطر في "زابورجيا".
حسن أطلق عليه متطوعون من المنظمات الإغاثية المرابطة على الحدود الأوكرانية السلوفاكية وحرس الحدود السلوفاكيون "بطل الليل"؛ ربما لفرط إعجابهم على ما بيدو بشجاعته.
قصة حسن ومثلها الكثير من القصص الإنسانية التي تنتجها الحروب عادة ما تتحول إلى تقارير صحفية تتنافس عليها وسائل الأعلام المختلفة مرئية ومكتوبة ومواقع إلكترونية لما تتوفر عليه من عناصر التشويق التي تجذب المتلقي، وبالتأكيد قصة حسن لا تشذ عن هذه القاعدة لما تمتلكه من عناصر القصة الصحفية المشوقة.
في قصة حسن خلف الطفل السوري، أمران يسترعيان الانتباه والوقوف عندهما، الأول: أن المواقع الإلكترونية الأجنبية التي تحدثت عن مغامرة حسن أغفلت جنسيته، ولم تأت على ذكرها من قريب أو بعيد
في قصة حسن خلف الطفل السوري، أمران يسترعيان الانتباه والوقوف عندهما، الأول: أن المواقع الإلكترونية الأجنبية التي تحدثت عن مغامرة حسن أغفلت جنسيته، ولم تأت على ذكرها من قريب أو بعيد إلى أن كشف موقع إلكتروني عربي لاحقاً وبعد نحو ثلاثة أيام تقريباً من نشر القصة على أحد المواقع الأجنبية، أن جنسية الفتى سورية، وأن رحلته إلى سلوفاكيا كانت رحلة لجوئه الثانية.
إغفال جنسية الفتى أثار العديد من التساؤلات وربما الشكوك في مصداقية وموضوعية المواقع الأجنبية التي تحدثت عن تغريبة حسن الثانية، وللإنصاف كانت تلك المواقع وفي طليعتها كان موقع (سي إن إن) باللغة العربية هي أول من سلط الضوء على حكاية الفتى السوري، لكن لماذا أغفلت جنسيته؟ هل كان الأمر مقصوداً، أو أن الصحفي الذي نقل القصة لم يهتم بجنسية حسن بهذا الجانب واعتقد أنه أوكراني مثله مثل معظم الفارين من هول حرب بوتين على أوكرانيا، لاسيما وأنه طفل، وأن جميع الأطفال الذين فروا بمفردهم يفترض أنهم من الجنسية الأوكرانية، ربما كان الأمر كذلك، وإذا سلمنا بهذا التفسير المستند إلى حسن نية الصحفي الذي نقل القصة، يمكن اعتبار الأمر هفوة، لكنها هفوة لا يمكن أن يقع فيها صحفي محترف وإنما ناشط إعلامي ما يزال في طور التدرب على كتابة القصة الصحفية، وربما يعود السبب أيضاً إلى مزاج عنصري ظهر لدى بعض الصحفيين أو بعض من رجال أمن الحدود، وكنا قد سمعنا عن مواقف تمييزية وقعت على المعابر الحدودية مع دول جوار أوكرانيا وبالتحديد على الحدود مع بولندا والجديد بنسخته الواقعية هو:" حسن الشاطر".
الأمر الثاني: في قصة المراسلين العرب الذين تعج بهم الحدود الأوكرانية في هذه الأيام، أين هم من هذه القصة ومن غيرها من القصص الشبيهة التي من شأنها أن تغني تغطيتهم للحرب بلمسات إبداعية وإنسانية، وتنقل نشاطهم من جمود التغطية الخبرية إلى فضاء متابعة الجوانب الإنسانية، ثم أما كان من الأولى أن يتابع الحكاية أحد المراسلين العرب ويصل بنا وبحسن إلى محطته النهائية في سلوفاكيا، بدل أن تنقلها وسائل الإعلام العربية عن المواقع الأجنبية؟