يُعتبر التنبؤ بالزلازل أحد فروع علم الزلازل، ويهتم بتحديد توقيت وموقع وحجم الزلازل المستقبلية ضمن حدود واضحة، بخلاف التكهن الذي يعتمد على تقدير احتمالي للمخاطر العامة المرتبطة بالزلازل.
وفي سبعينيات القرن الماضي، ساد تفاؤل بين العلماء بشأن إمكانية التوصل إلى طريقة فعّالة للتنبؤ بالزلازل في المستقبل القريب، لكن بعض الادعاءات التي زعمت تحقيق تقدم في هذا المجال أثارت جدلاً كبيراً.
وتوجد عدة طرق تم استخدامها في محاولة للتنبؤ بالزلازل، مثل مراقبة السلوك غير المعتاد للحيوانات، وقياس التغيرات في مستوى المياه الجوفية، وضغط الزيت في آبار النفط، إلى جانب مراقبة التغيرات في درجة حرارة الأرض، وتسرب غاز الرادون من التشققات الأرضية.
ورغم كل هذه المحاولات، لم تثبت أي من هذه الأساليب القدرة على التنبؤ بدقة بموعد وموقع وشدة الزلازل.
وبحسب ما نقلت صحيفة "نيويورك بوست" الأميركية، يرى العديد من الباحثين في جامعة كاليفورنيا بيركلي الأميركية اليوم أن الذكاء الاصطناعي قد يكون المفتاح لتطوير أساليب مستقبلية أكثر دقة وموثوقية في التنبؤ بالزلازل على مستوى العالم.
ففي الثالث عشر من أغسطس/آب الماضي، ضرب زلزال بقوة 4.4 درجات مدينة لوس أنجلس الأميركية، ومع ذلك، لم يكن الأمر مفاجئاً للجميع، حيث تلقى نحو مليون شخص من سكان كاليفورنيا تنبيهات مبكرة عبر هواتفهم الذكية، بفضل تطبيق "MyShake" الذي طوره باحثون في جامعة كاليفورنيا بيركلي، بالتعاون مع "مكتب خدمات الطوارئ" في الولاية.
ويشير الدكتور ريتشارد ألين، مدير "مختبر الزلازل" بجامعة كاليفورنيا بيركلي، إلى أن الثواني التي تسبق الزلزال قد تبدو قليلة، لكنها تظل حاسمة، حيث تمنح الأفراد فرصة للاحتماء واتخاذ التدابير اللازمة.
الذكاء الاصطناعي.. هل يتمكن من التنبؤ بالزلازل وما مدى دقته؟
رغم التطورات التكنولوجية، يستمر التنبؤ بالزلازل في كونه واحداً من أصعب التحديات العلمية. فعلى مدى عقود، ظلت فكرة التنبؤ بالزلازل تُعتبر غير واقعية، كما أشارت عالمة الزلازل آلي هاتشيسون في مجلة "إم آي تي تكنولوجي ريفيو".
ويعزز هذا الرأي العديد من العلماء، من بينهم توم هيتون من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، الذي أشار إلى أنه رغم عقود من البحث، لم يتمكن العلماء من تطوير نظام فعّال للتنبؤ بالزلازل.
ومع ذلك، يرى بعض العلماء أن الذكاء الاصطناعي قد يغير هذا المفهوم، ففي تجربة حديثة قادها الدكتور سيرغي فوميل في الصين، تم الجمع بين الفيزياء التقليدية للزلازل وأدوات التعلم الآلي الحديثة. وكانت النتائج مذهلة، حيث تمكنت خوارزمية الذكاء الاصطناعي من التنبؤ بـ70% من الزلازل بشكل صحيح قبل أسبوع من حدوثها وفي غضون 200 ميل من مراكزها. (أخطأت الخوارزمية زلزالاً واحداً، وتنبّأت بثمانية زلازل لم تحدث قط).
تطوير نموذج "ريكاست" للتنبؤ بالزلازل
ويسعى الباحثون في جامعة كاليفورنيا بيركلي إلى تطوير نموذج جديد يُسمى "ريكاست" (RECAST)، يعتمد على تقنيات التعلم العميق للتنبؤ بالزلازل.
ويعمل "ريكاست" بطريقة مشابهة لنماذج اللغة، حيث يتم استخدام كميات كبيرة من النصوص المكتوبة لتوقع الكلمة التالية، كما يوضح كيليان داشر كوزينو، الباحث الذي قاد الدراسة في جامعة كاليفورنيا بيركلي.
وأضاف كوزينو أن "ريكاست" يعتمد على بيانات تاريخية وصور متعددة للزلازل لتقديم أفضل تخمين ممكن لتوقيت الزلزال القادم.
ويعتقد العلماء أن هذا النهج، المستند إلى البيانات والذكاء الاصطناعي، قد يكون هو المستقبل في مجال علم الزلازل، حيث يواصلون استكشاف جميع السبل الممكنة التي يمكن من خلالها لتقنيات التعلم الآلي أن تحسن دقة التنبؤ بالزلازل بنسبة تصل إلى 100%.