يدخل الاجتياح الروسي لأوكرانيا أسبوعه الرابع، وسط تصاعد في حدة القصف الذي يستهدف المدن الأوكرانية الرئيسية "كييف وخاركيف وماريوبول وأوديسا" وتحول استراتيجية الجيش الروسي من حصار المدن وانتظار إفراغها من أهلها تمهيدا لقصفها وتدمير البنى التحتية الأوكرانية، وسط صمت غربي يكتفي بفرض مزيد من العقوبات الاقتصادية، التي باتت تهدد الأمن الغذائي العالمي لا سيما في أفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط بحسب تصريحات الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، فالحرب بين أوكرانيا وروسيا، وهما من أكبر منتجي المحاصيل الزراعية عالمياً، ستؤدي على الأرجح إلى أزمة غذاء خلال الأشهر الاثني عشر إلى الثمانية عشر المقبلة.
وعلى الرغم من تزايد وتيرة القصف الروسي على المدن الأوكرانية، واستمرار المفاوضات بين الجانبين بشكل مباشر، وتسرب مزيد من الأحاديث حول قرب التوصل إلى حل ووقف إطلاق للنار يكون دائما، لكن تفاصيل الاتفاق الذي يعكف عليه كلا الطرفين يبدو بحاجة إلى دفعة دبلوماسية وضمانات سياسية من قبل وسيط يعد الأقرب إلى البلدين جغرافيا وسياسيا وهو تركيا.
فعلى الرغم من المساعدات العسكرية والإنسانية "المهولة" المقدمة من الولايات المتحدة والغرب لأوكرانيا، لكن كييف ترى أن هذه العقوبات لن تردع موسكو عن المضي قدما في اجتياحها لأراضيها، لذلك توجهت إلى عقد مفاوضات مباشرة معها بعيدا عن تدخل أي دولة في المرحلة الأولى، بعد شعورها بالخذلان الغربي إزاء إمكانية دعمها في الدفاع عن أراضيها ورفض الناتو إرسال طائرات سوفييتية الصنع إليها أو حتى فرض منطقة حظر طيران جوي ولو في المنطقة الغربية من البلاد لحماية تدفق سلاسل اللاجئين الهاربين من جحيم الموت والقتل.
وزير الخارجية الأوكراني ديمترو كوليبا، لم ير بدا من التصريح للمرة الأولى بعد لقائه نظيره التركي في مدينة لفيف أن بلاده تريد أن تكون تركيا من ضمن الدول التي تقدم ضمانات أمنية لأوكرانيا في إطار أي اتفاق مع روسيا لإنهاء الحرب، كاشفا عن تقديم تركيا المساعدة في بدء محادثات مباشرة بين الرئيسين الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والروسي فلاديمير بوتين. في حين أكد وزير الخارجية التركي أنّ أوكرانيا قدّمت عرضاً لاتفاق أمني جماعي يضم الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، إضافة إلى تركيا وألمانيا، وأن روسيا لم ترَ أي مانع لذلك.
منذ بدء الحرب الروسية على أوكرانيا قبل ما يزيد على 3 أسابيع، ظلت أنقرة في حالة تنسيق مع الغرب وحلف شمال الأطلسي، لكنها في الوقت ذاته لم تغامر بالمخاطرة في علاقاتها مع روسيا
أما مكتب الرئيس التركي فأكد أنّه عرض في اتصال هاتفي مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين استضافته هو والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لإجراء محادثات لتحقيق وقف إطلاق نار دائم قد يفضي إلى حلّ طويل الأمد.
منذ بدء الحرب الروسية على أوكرانيا قبل ما يزيد على 3 أسابيع، ظلت أنقرة في حالة تنسيق مع الغرب وحلف شمال الأطلسي، لكنها في الوقت ذاته لم تغامر بالمخاطرة في علاقاتها مع روسيا، من خلال إبداء أي نوع من الاصطفاف الكامل مع أوكرانيا. كما طبقت أنقرة اتفاقية "مونترو" ومنعت المزيد من السفن الروسية من العبور إلى البحر الأسود، لكنها بالمقابل قالت إنها لا تنوي فرض عقوبات على موسكو، ولن تغلق مجالها الجوي أمام طائراتها. ولعل علاقات أنقرة السياسية والاقتصادية بكل من كييف وموسكو، ومواقفها المعلنة حتى الآن تمسك بالعصا من المنتصف، وتؤيد التوصل إلى حل سلمي تفاوضي للأزمة في أوكرانيا، لا سيما أن البلد الأكثر تضررا مما يجري حاليا بعد روسيا وأوكرانيا هي تركيا بحكم القرب الجغرافي.
ورغم حضور الصين كوسيط مقترح من قبل الدول الغربية تحديدا في محاولة لتوريطها في النزاع السلافي شرقي أوروبا إلا أن الطرف الذي ترغب موسكو بمنحه وتمكينه من "الرصيد" المعنوي والسياسي لإنجاز مثل هذا الاتفاق، يظل أنقرة، ولنا في الحرب الأرمنية الأذربيجانية الأخيرة وما تم في إقليم ناغورني قره باغ نموذجا يحتذى، عندما انضمت تركيا إلى باكو في حربها ضد يريفان، ثم تم إيلاء موسكو مسؤولية و"رصيد" قرار إنهاء الحرب ووقف الأعمال القتالية، وهو نموذج يمكن القياس عليه، في ظل العلاقات الاستراتيجية القائمة بين موسكو وأنقرة، وعدم اعتراض كييف على الدور التركي بل والترحيب به تحديدا.