تعتبر خطط حزب العمال الساعية لزيادة عمليات ترحيل المهاجرين وتوظيف مزيد من الضباط ليستهدفوا عصابات تهريب البشر مجرد "خطوات طفولية" لا تقدم أي حل لمنع وصول القوارب إلى بريطانيا، وذلك برأي قائد حرس الحدود البريطانية السابق.
وفي هذا السياق، تعرضت وزيرة الداخلية البريطانية إيفيت كوبر لانتقادات حادة من المنظمات والجمعيات المهتمة بشؤون اللاجئين وذلك بسبب تعهدها بترحيل أكثر من 14500 شخص ممن لم تقبل طلبات لجوئهم إلى جانب المجرمين الأجانب إلى بلدانهم الأصلية حتى نهاية هذا العام، وذلك لتصل أعداد عمليات الترحيل إلى أعلى مستوى لها منذ عام 2017. فقد اتهمت منظمة العفو الدولية كوبر بالترويج "لرسالة قديمة تنطوي على تخوف وعدائية" تجاه طالبي اللجوء.
كما أعلنت الوزيرة عن مخططات تسعى من خلالها لتوظيف 100 ضابط متخصص في مجال الاستخبارات والتحقيق لصالح الوكالة الوطنية لمكافحة الجريمة، وذلك لاستهداف عصابات تهريب البشر التي تعتبر السبب الرئيس خلف عمليات العبور بالقوارب الصغيرة.
"خطوات طفولية"
بيد أن طوني سميث، المدير العام السابق لأمن الحدود في المملكة المتحدة، ذكر أنه في الوقت الذي يمكن لذلك أن يرفد الجهود الساعية للتعرف إلى هوية تلك العصابات ووقف نشاطاتها، لن يؤدي ذلك إلى "حل المشكلة" نظراً لوجود عصابات أخرى "تتربص حتى يأتي دورها لتحل محل العصابات السابقة".
كما ذكر سميث بأن التعهد بزيادة عمليات الترحيل لأعلى مستوى خلال السنوات الخمس المقبلة "خطوة في الاتجاه الصحيح"، لكن ذلك لن يؤدي إلا إلى زيادة تصل إلى 3000 عملية ترحيل بالسنة، أي أن العملية ستحتاج إلى مجهود أكبر بكثير لإعادة عدد حالات الترحيل السنوية إلى العدد الذي كان خلال العقد الماضي، عندما تجاوز عدد المرحلين إلى أوطانهم 45 ألفاً بالسنة.
أطل سميث عبر شاشة توك تي في ليقول: "أجرينا 45 ألف عملية ترحيل تحت رقابتي في عام 2013، ولهذا أعتقد بأن هذه مجرد خطوات طفولية في الاتجاه الصحيح ولقول ما هو صحيح، ولكننا لم نتوصل إلى حل يوقف وصول القوارب.. وتلك هي المشكلة، وهذا لن يحل المشكلة".
في السياق ذاته، ذكر سميث أن حزب العمال يفتقر إلى مخطط لترحيل من لم يوافق على طلب لجوئهم والذين أتوا من بلدان لا تنعم بالأمان مثل أفغانستان وإيران وسوريا، وبرأيه كان ترحيل هذه الفئة من الناس الميزة التي اتسمت بها خطة رواندا التي وضعتها الحكومة البريطانية السابقة.
خطة رواندا أم الخطط
ومن خلال مداخلة على راديو بي بي سي في برنامج "اليوم"، قال سميث: "علينا أن نتذكر بأنه من الأسهل علينا ترحيل جنسيات معينة مقارنة بجنسيات أخرى، كما أشك بوجود تركيز على تلك الدول التي تربطنا بها علاقات جيدة بحيث يمكننا تأمين الوثائق والتجهيز لرحلات جوية إلى البلدان التي يسهل علينا إعادة المهاجرين إليها".
وبالحديث عن خطة رواندا قال سميث: "لعلها كانت مخرجاً لتلك الجنسيات التي يصعب علينا ترحيلها، بما أن الخطة لا تنطوي على إعادة المهاجرين إلى بلدهم الأصلي، بل ترحيلهم إلى دولة ثالثة آمنة".
وبالمقابل، وفي مداخلة في برنامج "اليوم"، علق الدكتور بيتر وولش من مرصد الهجرة بجامعة أوكسفورد بأن الخطة الساعية لزيادة نسبة عمليات الترحيل إلى أعلى نسبة منذ عام 2018 "لا تعتبر مقياساً عالياً بشكل حصري"، وقال: "إذا نظرنا إلى عمليات الترحيل القسرية، فقد تمت ستة آلاف عملية ترحيل قسري خلال العام الفائت، وتسعة آلاف عملية في عام 2018، أي أن الأمر يستدعي زيادة تعادل ثلاثة آلاف عملية، بنسبة زيادة تعادل 50%، وتبدو هذه النسبة قابلة للتحقيق".
"طموحات متواضعة"
وتعقيباً على ذلك يقول داني شو الذي عمل مستشاراً لدى إيفيت كوبر قبل الانتخابات، إن طموحات مخططاتها متواضعة للغاية، وإنها قابلة للتحقيق، إلا أنها تمثل تغييراً في الخطوات التي اتخذتها الحكومة السابقة التي صرفت موارد كثيرة على مخططات غير واقعية مثل سياسة الترحيل إلى رواندا، وحذر هذا الرجل من أنه في الوقت الذي بوسع هذه الخطة أن تخفض أعداد القوارب الواصلة إلى بريطانيا، قد يحتاج الأمر لأشهر طويلة، بل لسنوات حتى تكف تلك القوارب عن الوصول إلى المملكة المتحدة، كما ذكر شو أن التفاوض على توقيع اتفاق مع فرنسا أو الاتحاد الأوروبي يقضي بإعادة المهاجرين القادمين بقوارب صغيرة قد يغير قواعد اللعبة، وأضاف: "إن الجزء الأخير من اللغز برأيي يتمثل بالسعي للتوقيع على اتفاقية مع فرنسا أو مع الاتحاد الأوروبي وذلك لإعادة من يصل إلى هنا بشكل غير قانوني إلى فرنسا على متن عبارة، إذ يعتبر ذلك الجزء الحاسم في كل هذه العملية، وسيحتاج الأمر إلى كثير من المفاوضات ولإبرام اتفاق مع الاتحاد الأوروبي ومع فرنسا، وأنا على يقين من أن العمل على هذا الأمر قد بدأ منذ مدة".
زيادة ملحوظة في أعداد المهاجرين والقوارب
يخبرنا مات كوكر وهو صياد سمك يعمل قبالة سواحل بلدية كينت البريطانية بأنه شهد زيادة في أعداد القوارب التي تعبر من دوفر، كما أصبح كل قارب يحمل عدداً أكبر من الناس.
إذ يوم الإثنين الماضي، عبر 206 مهاجرين إلى بريطانيا على متن ثلاثة قوارب، أي بمتوسط يعادل 69 راكباً في كل قارب، وفي ذلك ما يشير إلى زيادة في متوسط عدد المهاجرين الذي وصل إلى 54 مهاجراً في كل قارب وذلك خلال فترات سابقة من هذا العام.
يُذكر أن الوزيرة كوبر تعرضت لانتقادات لاذعة من منظمات تعنى باللاجئين وذلك بسبب خططها الساعية لزيادة عمليات الترحيل إلى جانب خططها الأخرى التي تسعى من خلالها لإعادة افتتاح مركزين لترحيل المهاجرين، وذلك لزيادة عدد أماكن الاحتجاز المخصصة للمهاجرين، إذ سيُزود المركزان والذي يقع أحدهما في منطقة كامبفيلد بمقاطعة أوكسفوردشاير، والثاني في منطقة هازلار في مقاطعة هامبشاير، بـ290 سريراً إضافياً حتى نهاية هذا العام بحسب ما أعلنته وزارة الداخلية البريطانية.
بيد أن منظمة Detention Action التي تدعم المهاجرين المحتجزين حذرت من هذا النهج الذي تبناه حزب العمال، لأنه قد يغذي اليمين المتطرف، إذ يقول جيمس ويلسون مدير المنظمة: "يعتبر مقترح الحكومة الذي يقضي باحتجاز مزيد من الأشخاص في المملكة المتحدة خطوة مخيبة للآمال وبعيدة كل البعد عن نظام هجرة يتسم بعدالة وإنسانية أكبر. إذ عقب الأحداث الأخيرة، بات من الضروري أن تعترف سياسة الحكومة واللغة التي تستخدمها بكرامة المهاجرين وإنسانيتهم".
في حين رأت منظمة العفو الدولية بأن "نهج حفظ الأمن والأمان" الذي ينتهجه حزب العمال تجاه اللجوء والهجرة قد يدفع بمزيد من المهاجرين نحو من يستغلونهم بشكل إجرامي وذلك خلال سعيهم لتجنب إلقاء القبض عليهم.
أما ستيف فالديز-سيموندز، وهو مدير برنامج يعنى بحقوق المهاجرين واللاجئين، فقد قال: "من المرعب مشاهدة الحكومة الجديدة وهي تكرر خطاب الحكومة السابقة عن "أمن الحدود" وعن "سحق العصابات" في الوقت الذي تتجاهل الحاجة الملحة لتأمين طرق لجوء آمنة وتقديم ضمانة واضحة للجوء أمام اللاجئين الذين يصلون إلى هنا".
في حين اتهم إينفر سولومون وهو المدير التنفيذي لمنظمة مجلس اللاجئين حزب العمال بتبديد أموال دافعي الضرائب عبر صرفها على توسيع مراكز الاحتجاز، وقال إن السبيل الوحيد لمنع وصول القوارب يتمثل بتأمين طرق آمنة للوصول إلى المملكة المتحدة.
المصدر: The Times