بدأ تنفيذ الاتفاق الإيراني – السعودي في المنطقة يدخل مرحلة الاختبارات الجدية بين الطرفين، وهي اختبارات مؤلمة تتطلَّب تنازلات و"تكيُّفاً" مع المستجدات في الإقليم، خصوصاً من الجانب الإيراني الذي عزل نفسه عن محيطه ما يزيد على العشرين عاماً، في تخندقات داخلية تتعلَّق بالتخصيب النووي، ومحاولات مستمرة لقمع الشعب ولحرية الرأي والتعبير، مع بناء خطوط دفاع عسكرية متقدمة في بلدان عربية، جهَّزها ورصد لها المال والسلاح وبنية إيديولوجية دينية تتقدم المسرح السياسي والعسكري.
أصاب هذا الاتفاق حرب اليمن فتوقفت، وبدأ الفرقاء السياسيون الحوار الذي يرسم مستقبل أبنائه. لكن ثمة صعوبات بل عقبات بدأت تلوح في غير موضع وبلد، لا سيما وأنَّ عربة المصالحات بين إيران ودول عربية أخرى لم تنجز، بل هي في مرحلة التمهيد للقاءات سياسية ودبلوماسية، خاصة مع مصر التي تشكِّل الوزن الأثقل بعد المملكة العربية السعودية، ومن دون تجاهل الدور التركي الفاعل على الساحة السورية، والتي هي فعلاً تشكِّل الاختبار الأهم والأخطر لتنفيذ مفاعيل التوافق بين الرياض وطهران لصعوبة وتداخل المِلفات وتعقيدها في الداخل السوري.
اللافت هو الزيارة الدينية التي قام بها الرئيس الإيراني وارتفاع حدة الخطاب المذهبي والطائفي أثناء الترحيب به، وهو ما يُعيد الشعب السوري إلى مربعه الأول من الأزمة
لكن اللافت، أنه في الوقت الذي بدأنا نشهد فيه حراكاً عربياً عماده السعودية تجاه سوريا لإعادتها إلى الحضن العربي، واستخدام سياسة الانزياح السياسي ومحاولة ترطيب الأجواء مع النظام السوري، في مِلفات حساسة تتعلَّق بعودة اللاجئين إلى بلادهم ووقف عمليات تصنيع وتصدير المخدرات، والبَدء بتنفيذ القرار الأممي 2254 المتعلِّق بالتسوية السياسية السورية. جاء الرد الإيراني سريعاً بزيارة مفاجئة في توقيتها وهي موضوعة مسبقاً على جدول الأعمال للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، وإعلانه توقيع 15 اتفاقاً اقتصادياً وتنموياً مع دمشق، يتعلق بتطوير البنى التحتية وإنشاء محطات لتوليد الكهرباء، لكن اللافت هو الزيارة الدينية التي قام بها الرئيس الإيراني وارتفاع حدة الخطاب المذهبي والطائفي أثناء الترحيب به، وهو ما يُعيد الشعب السوري إلى مربعه الأول من الأزمة، كذلك الإعلان عن الشراكات الاستراتيجية بين سوريا وإيران، وهو يأتي بمثابة ردٍّ أو قطعٍ للطريق على دور المملكة العربية السعودية والمجموعة العربية التي ستلتقي قريباً في القمة العربية في الرياض، وكأنما طهران تعمل على تخفيف هذه الاندفاعة العربية ومنع أو عرقلة أي تقدم عربي لاحتضان سوريا لسلخها عن ثقافة أسلوب الميليشيات الدينية المعتمدة في المنطقة، والتي فكَّكت سيادة الدولة ومؤسساتها ورفعت من حدَّة الخطاب الفئوي في بلاد الشام كلها.
رسْم طهران للخطوط الحمراء في سوريا بعد زيارة رئيسي لدمشق، وما حملته هذه الزيارة وما تضمَّنته من تصريحات وخطابات، ربَّما سيعطِّل "مرحلياً" الوساطة في إعادة النظام السوري إلى مقعده في الجامعة العربية التي ستنعقد الشهر الجاري في الرياض، من دون قطع أي علاقة ثنائية مع دمشق، بل سيبقى التنسيق قائماً لحلحلة العديد من الملفات الشائكة، خاصة ما يتعلَّق باللاجئين وعودتهم إلى بلادهم، رغم تعنُّت رئيس النظام ورفضه لهذه العودة، فهو المستفيد من الأموال والمساعدات بالعملة الأجنبية من الاتحاد الأوروبي، ويريد إبقاءهم كمادة ابتزاز وضغط من أجل تسوية سياسية تريح النظام وحواشيه.
بناء عليه، ستعمد الجامعة العربية على عقد اجتماعين غير عاديين في القاهرة على مستوى وزراء الخارجية، الأول يتعلَّق بالبحث في عودة سوريا إلى الجامعة العربية، والثاني يتعلق بالحرب الدائرة في السودان، بحسب ما أورده دبلوماسي رفيع المستوى طلب عدم نشر اسمه، لوكالة الصحافة الفرنسية.
النظام السوري أمام تحديات صعبة هذه الأيام، وخياراته يمكن أن تضعه في حلبة تقاذف إقليمية إذا لم يحسن القراءة والاختيار
وهذا ما عاد وأكده وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي في تصريحات له لمحطة سي إن إن، إلى أنّ سوريا ستتمكن قريباً من العودة إلى جامعة الدول العربية، لكن هناك العديد من التحديات التي تنتظرها في حل الصراع المستمر منذ أكثر من عقد في البلاد. واعتبر الصفدي أن هذه مجرد بداية متواضعة جداً لعملية ستكون طويلة جداً وصعبة وتنطوي على تحديات نظراً لتعقيدات الأزمة بعد 12 عاماً من الصراع.
النظام السوري أمام تحديات صعبة هذه الأيام، وخياراته يمكن أن تضعه في حلبة تقاذف إقليمية إذا لم يحسن القراءة والاختيار، ويهدم كل ما حاولت بناءه المملكة العربية السعودية والاجتماع العربي الخماسي في عمان، ناهيك عن أزمة لبنان لم تنبئ ولم تبشر بالخير لناحية انتخاب رئيس للجمهورية وإعادة ترتيب الوضع المالي والاقتصادي، وهو المرتبط بأكثر من مكان بالأزمة السورية، خاصة أن عودة سفير المملكة العربية السعودية في بيروت لم تسفر عن حزْمٍ أو ضرورة أو دعوة نواب البرلمان لانتخاب رئيس، بل اكتفى بكلام عمومي بضرورة أن يتوافق اللبنانيون على انتخاب رئيس فيما بينهم. فهذا إشارات غامضة ومبهمة، أو أن هناك تريُّث صار لزاماً بعد الكشف عن أوراق اللاعبين واحدة بواحدة، أو "خطوة بخطوة".