ما علاقة النظام السوري بالرد الإيراني على إسرائيل؟

2024.08.27 | 06:31 دمشق

آخر تحديث: 27.08.2024 | 06:31 دمشق

4444444444
+A
حجم الخط
-A

يخطئ من يعتقد أن العلاقة بين إيران وسوريا وروسيا تسير على خير ما يرام. سبق هذه العلاقة اتهامات متبادلة، إذ اتهمت إيران النظام السوري بتسريب أسماء ومواقع قادة إيرانيين موجودين على أراضيها، بينما اتُهمت موسكو بفتح داتا المعلومات الروسية في قاعدة حميميم أمام الإسرائيليين.

هذه المعلومات تضمنت أسماء مجموعات لقادة عسكريين كبار في إيران والحرس الثوري وحزب الله، مما سهّل استهداف العديد منهم داخل سوريا وفي إيران وعلى الأراضي اللبنانية.

بناءً على ذلك، تم تبرير وتسويغ الرد الإيراني على اغتيال إسماعيل هنية في قلب طهران، وكذلك عملية الرد الإسرائيلي بما سمَّوه التروي والهدوء.

بعض الحسابات في هذا التمهل في الرد تتعلق بواقع العلاقة المعقدة بين الأطراف الثلاثة: الإيراني، والسوري، والروسي، وأيضًا بحسابات تتعلق بردّ حزب الله على اغتيال القائد العسكري فؤاد شكر في ضاحية بيروت الجنوبية وما سيتبعه.

كما يتعين على هذه الأطراف مراعاة الرفض الروسي الذي أبلغته موسكو لطهران بضرورة عدم إقحام النظام السوري في مواجهة عسكرية مع إسرائيل وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، والتداعيات المحتملة، بما في ذلك إمكانية تدخل الولايات المتحدة في هذه الحرب المتوسعة في الشرق الأوسط.

دمشق منذ 7 من أكتوبر نأت بنفسها عن الطوفان وعن جبهات المساندة، بناءً على نصائح وتحذيرات شديدة من سلطنة عمان والإمارات العربية المتحدة، وبالطبع من موسكو.

الحذر الروسي

تحت سقف التحالف الإيراني السوري، ساد شعور بالريبة والحذر منذ فترة، وهذا يشمل أيضًا العلاقة القائمة بين روسيا وإيران. يدرك بوتين أن حجم الرد الإيراني على اغتيال إسماعيل هنية لن يمر بخير، خاصة أن هذا الرد ستتبعه ردود أميركية وإسرائيلية يمكن أن تُضعف طهران كحليف تحتاج إليه موسكو في أيامها الصعبة مع الغرب وأوكرانيا.

كما استمعت موسكو إلى الهمس الإسرائيلي الذي تناقلته العديد من الصحف العبرية، والتي تدعو فيه القيادة العسكرية في إسرائيل إلى ضرب سوريا وإسقاط نظامها، بعد نقاشات طويلة ومعمقة. هذا الطرح أقلق الطرفين الروسي والسوري، حيث تعاملت القيادة الروسية بجدية مع هذه الاحتمالات. موسكو حذرة ومتيقظة دائمًا بشأن النظام السوري، فهو الساحة الحيوية المتبقية لها، والتي أعادت لها نفوذها في شرق المتوسط. تغيير الملعب الاستراتيجي الذي تريده تل أبيب يكمن في النظام السوري كملعب واسع بمساحاته العسكرية والميدانية والتسليحية، وبطريق مفتوح من طهران إلى جنوبي لبنان وجنوبي سوريا.

وفي إسرائيل، بدأت تلوح على السطح بوادر معادلة عسكرية جديدة، تتعلق بالرد الإسرائيلي على استهدافات حزب الله وإيران في العمق السوري، عند كل هجوم يشنه الحزب على الأراضي الفلسطينية. الهدف من هذه المعادلة هو إجبار الحزب على التوقف عن الردود من خلال سلسلة ضربات ضد مواقع النظام السوري والمؤسسات التابعة له، والابتعاد عن قصف البنى التحتية في لبنان. تعمل إسرائيل أيضًا على زيادة الضغوط الاقتصادية والمالية عبر واشنطن، التي تتكفل بذلك، مما أدى إلى وقوع لبنان في ظلام دامس بسبب تعطل شبكات خطوط الطاقة الكهربائية. النظام السوري على علم بكل هذه الإجراءات، ولذلك لم يوفر الذرائع لإسرائيل للقيام بأي أعمال عسكرية. فدمشق منذ 7 من تشرين الأول / أكتوبر نأت بنفسها عن الطوفان وعن جبهات المساندة، بناءً على نصائح وتحذيرات شديدة من سلطنة عمان والإمارات العربية المتحدة، وبالطبع من موسكو.

تل أبيب تريد ضمان ابتعاد الحزب وأسلحته إلى شمال نهر الليطاني، وبقاء الجنوب السوري بعيدًا عن أية تأثيرات عسكرية ومساحات مفتوحة لإيران ونشاطات الحرس الثوري.

ضبط السلوك الإيراني

الانشغال الرئيسي للروس اليوم هو محاولة إسرائيل تغيير لعبة توازن الردع لديها، وتوسيعها في إيران والعمق اللبناني والسوري، وهذا ما استنفر موسكو. روسيا تشعر بتهديد من كثافة العمليات العسكرية الإسرائيلية على الأراضي السورية، مما قد يقحم النظام السوري في مواجهة عسكرية غير قادر على تحملها. التهديدات التي أعلنتها تل أبيب طالت التلويح بضرب قيادات النظام أينما وُجدوا، مما زاد من مخاوف النظام السوري. هذه المخاوف نقلَها بشار الأسد إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مشيرًا إلى السلوك الإيراني على الأراضي السورية، خاصة قوة الدفع الإيراني والحرس الثوري، الذي يعتبر أنَّ الخروقَ الأمنية التي طالت قيادات وضباطًا إيرانيين على الأرض السورية سببُها تسريباتٌ تجسسية قام بها ضباط لدى النظام لصالح إسرائيل. هذه الخروقُ أدت إلى استهداف قيادات عسكرية كبرى، ناهيك عن الريبة الإيرانية التي تتعلق بالجانب الروسي الذي يسهم في تمرير المعلومات لإسرائيل عن المواقع القيادية الإيرانية. لذلك، أصبح الأمن الإيراني مستقلاً عن الأمن السوري، ويعمل بمفرده بشكل كامل، مما يجعل تل أبيب تبحث عن قواعد ردع جديدة بعيدًا عن حدودها.

أما بوتين، فهو محقّ في طلبه من طهران، عبر زيارة مستشار الأمن القومي الروسي سيرغي شويغو، الأخذ بعين الاعتبار هشاشة الوضع العسكري للنظام السوري وشلّ قدرة دمشق على ضبط التحركات الإيرانية والحرس الثوري، فالأخيرُ يدير عمليات قصف الميليشيات المنتشرة على الأراضي السورية، في استهداف الوجود الأميركي في شمال شرقي سوريا، من دون تنسيق مع النظام في دمشق. كما يتولى تحريك جبهات للعشائر العربية ضد مناطق سيطرة الأكراد، بما يشكل حربًا بالوكالة ضد النفوذ الأميركي. النظام السوري يتضرر من هذه الضربات الأميركية التي ترد بها على القوات العسكرية الموالية لطهران.

أما إسرائيل، فهي تتصرف دبلوماسيًا بشأن مفاوضات الهدنة في غزة على أساس الفصل بينها وبين الجبهة الشمالية مع لبنان. لكن هذه الجبهة ستبقى مفتوحة على كل الاحتمالات بالنسبة إلى سوريا، رغم تأكيد حكومة لبنان وحزب الله أن وقف القتال في القطاع سيوقف المواجهات بين الجنوب والشمال الإسرائيلي. تل أبيب تريد ضمان ابتعاد الحزب وأسلحته إلى شمال نهر الليطاني، وبقاء الجنوب السوري بعيدًا عن أية تأثيرات عسكرية ومساحات مفتوحة لإيران ونشاطات الحرس الثوري. لكن هذا يتطلب صفقة سياسية كبيرة تتجاوز التهدئة جنوبًا. إذا تعذرت، تبقى المخاطر قائمة على سوريا بشدة، بينما يؤخر الانشغال الأميركي بالانتخابات الرئاسية أي صفقة سياسية كبرى في المنطقة. عوامل الريبة وانخفاض الثقة بين سوريا وروسيا وإيران لا تلغي الواقع القائل بأن الدول الثلاث تحتاج إلى إبقاء التحالف والتعاون رغم مرارته. إيران وحزب الله يحتاجان إلى النظام السوري كممر للتسليح والإمداد العسكري الاستراتيجي، في حين يحتاج النظام السوري إلى طهران اقتصاديًا لتزويده بالنفط واستخدام قواته العسكرية كأدوات صلبة وعصا غليظة لمشاغلة المعارضين للنظام. ويعلم النظام أنه الممر الوحيد المتبقي لإيران نحو لبنان. أما روسيا، فهي ليست اليوم في وارد التخلي عن حليف براغماتي كطهران بسبب التطورات الحاصلة على جبهة الحرب في أوكرانيا، مع حفاظها وقلقها الدائم على وضع النظام المهترئ في دمشق.