هنالك دول في العالم يظهر فيها مراهقون يحملون سواطير لترويع الناخبين خلال فترة الانتخابات، وليس من المعهود بالنسبة للولايات المتحدة أن تصنف بين تلك الدول، ولكن في 29 تشرين الأول، ألقي القبض على شاب يبلغ من العمر 18 عاماً بولاية فلوريدا وذلك لقيامه بالشيء نفسه بالضبط، فبحسب ما أوردته الشرطة المحلية، تبين بأن كاليب جيمس ويليامز عضو في زمرة مؤلفة من ثمانية شبان يتسكعون في أحد مرائب السيارات التي جرى تحويلها إلى مركز اقتراع للانتخابات التمهيدية في ضاحية جاكسونفيل، ويلوحون برايات عليها صورة دونالد ترامب وهم يهتفون بشعاراته. بيد أن ويليام أخذ يلوح فوق رأسه بساطور بطريقة تنم عن تهديد عدواني عندما ظهرت امرأتان تؤيدان كامالا هاريس.
وفي أواخر شهر تشرين الأول، أحرق صندوقان انتخابيان أحدهما بولاية واشنطن والآخر بأوريغون، وفي 24 من تشرين الأول وفي ولاية أريزونا، ألقي القبض على رجل ستيني على صلة بثلاثة حوادث جرى خلالها إطلاق النار على مكتب اللجنة الوطنية الديمقراطية، إحداها برشاش من نوع ب ب، والبقية برشقات رصاص حقيقية. وفي ولاية ميتشيغان، وتحديداً في الثاني من تشرين الثاني، وجهت اتهامات لرجل يبلغ من العمر 55 عاماً بقيادة سيارته بسرعة جنونية، في محاولة منه لدعس مندوبي حملة هاريس الانتخابية، إلى جانب المطالبة بإبادتهم، وفي شهر تموز الماضي، تعرض أحد المرشحين، أي دونالد ترامب، لمحاولة اغتيال.
احتمال "الحرب الأهلية" قائم
يخشى كثير من الأميركيين أن تسوء الأمور أكثر، فثلاثة أرباع الشعب الأميركي أعربوا عن قلقهم حيال العنف الذي يمكن أن يظهر إثر الانتخابات. كما قامت بعض الشركات بالعاصمة واشنطن بوضع ألواح خشبية فوق نوافذها خوفاً من حدوث أعمال شغب على ما يبدو. فيما تتجهز شركات أكبر بالسر لفترة انقطاع محتملة عن العمل وذلك عبر إلغاء اجتماعاتها، وتوجيه موظفيها نحو العمل من المنزل. واستعداداً لقيام حالة فوضى محتملة، أتت بعض المؤسسات الإعلامية بمراسليها من مناطق الحروب ونشرتهم في الداخل الأميركي. كما حذرت بعض المؤسسات الإعلامية بطريقة سوداوية من وقوع "حرب أهلية"، ولكن إلى أي مدى يمكن للأمور أن تسوء بُعيد الانتخابات الأميركية؟
موسم "العنف السياسي"
من بين 200 مسؤول من أبرز المسؤولين عن حفظ النظام أجرى معهم الأكاديمي روبيرت بيب مقابلات في أثناء دراسته للعنف السياسي في جامعة شيكاغو، قال توم دارت وهو عمدة مقاطعة كوك بولاية إيلنوي: "لست من مروجي الخوف، بل كل ما أفعله هو الاعتماد على البيانات التي لا يمكن لأحد أن يدحضها.. فرأيت بأننا لم نشهد مثل هذا العدد من الناس الذين يرون بأن العنف السياسي أمر مقبول". كما أجرى بيب استطلاعات رأي شملت الناخبين، وأجراها إما عن بعد أو بشكل شخصي خلال المسيرات والتجمعات المؤيدة للمرشحين. وبناء على هذه الأدلة، قال بملء فمه: "إننا مقبلون على موسم العنف السياسي".
وما يؤكد هذه النتائج والأدلة بيانات تظهر بأن جاليات كبيرة تمثل خمس الشعب الأميركي ذكرت بأنها تؤيد الاستعانة بالعنف إما لإعادة دونالد ترامب لمنصب الرئاسة أو لمنعه من الوصول إليه. ويرى بيب بأن هذه النتيجة تشبه إلى حد بعيد اكتشاف وجود كم كبير من الحطب في إحدى الغابات، بيد أن هذا لا يعني بالضرورة بأن حريقاً كبيراً سوف يندلع في تلك الغابة، كما لا يدلنا على نوع الشرر الذي بوسعه إشعال تلك النيران، بل يعني بأن على المرء أن يكون مستعداً لهكذا احتمال.
ولكن كيف سيكون شكل العنف الذي من المتوقع أن يحدث؟ يعتمد قدر كبير من ذلك على النتائج، إذ في حال فوز هاريس بفارق ضئيل، فتتمثل إحدى الاحتمالات بخروج احتجاجات في الأماكن التي جرى فيها فرز الأصوات وعدها (كما حدث في عام 2020)، وذلك بسبب نظريات المؤامرة المتعلقة بحدوث عملية تزوير. وفي حال فوزها بفارق كبير، فمن المحتمل أن تتصاعد أحداث العنف التي جرت في أماكن متفرقة خلال الفترة الراهنة ضد الديمقراطيين والتي قام بها متعصبون أو عصابيون. وبالمقابل، في حال فوز ترامب، فثمة مخاوف من خروج احتجاجات كبيرة في المدن الكبرى، ومن الممكن أن يتحول بعضها إلى أعمال شغب عنيفة. ويؤكد بيب على أن بياناته تشير إلى أن مؤيدي كلا طرفي الانقسام السياسي يؤيدون العنف ويدعمونه.
غير أن الخطر ليس على قدم التساوي، إذ يشير استطلاع أجراه المعهد العام لأبحاث الدين بأنه من المرجح للجمهوريين أن يتفوقوا بأكثر من ثلاثة أضعاف على الديمقراطيين من حيث الاعتقاد بأن "الوطنيين الأميركيين الحقيقيين قد يلجؤون للعنف من أجل إنقاذ البلد"، ويمكن للتحريض أن يحول فكرة تؤيد تحول العنف إلى فعل، إذ خلال الأسابيع الأخيرة من الحملة، شارف ترامب على الوصول إلى تلك المرحلة. ففي خضم إحدى التجمعات النهائية لمؤيديه في ولاية بنسلفانيا والتي احتشدت في الثالث من تشرين الثاني، بدا هذا الرجل كمن يلقي نكتة مفادها بأنه لن يكترث في حال أطلق أحدهم النار على صحفيي "الأخبار المغرضة" الذين يغطون تحركاته، وألمح إلى أن الديمقراطيين "الشياطين" يحاربون بضراوة لسرقة هذا الشيء اللعين.
أثر التدخل الروسي بالانتخابات
ومن الأمور المثيرة للقلق هنا هي تلك المنشورات التي تنتشر عبر الإنترنت وتزعم بأنها تقدم دليلاً على حدوث تزوير للانتخابات أو وقوع مخالفات، لأنها قد تدفع الناس للخروج إلى الشوارع في مظاهرات. وثمة مثال ظهر مؤخراً على مدى سرعة خروج "الطُعم الذي يعتمد على إثارة الحنق" عن السيطرة بسبب مزاعم كاذبة ذكرت بأن الهاييتيين يأكلون الكلاب بمقاطعة سبيرنغفيلد بولاية أوهايو، ثم ضخم ترامب تلك المزاعم وكذلك فعل زميله جي. دي. فانس، ونجم عن ذلك ظهور أكثر من 30 تهديدا بوجود قنابل في المدارس والمباني الحكومية. وقبل ذلك، زعمت مئات المنشورات بكشف أدلة تثبت وقوع تزوير وتحايل في الانتخابات، ومن المؤكد أن منشورات كثيرة أخرى ستنتشر حول هذا الموضوع قبل الانتخابات بيوم وبعدها بيوم. وثمة خصوم أجانب يروجون لتلك المزاعم الكاذبة، إذ تبين بأن الفيديو الذي انتشر انتشار النار في الهشيم والذي يزعم بأنه يظهر مهاجرين هاييتيين يصوتون بشكل مخالف للقانون في ولاية جورجيا بأنه أسلوب من أساليب التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية، وذلك بحسب ما أعلنته وكالات الاستخبارات الأميركية خلال الأسبوع الماضي.
ولكن ثمة أسباب للتفاؤل بانتقال للسلطة أسلس مما كان عليه في عام 2020، وذلك لأن المسؤولين الأميركيين باتوا على جاهزية أكبر، ففي ميتشيغان، منح العاملون على صناديق الاقتراع أرقام هواتف خاصة للتواصل مع سلطات فرض القانون في حال تعرضهم لأي تهديد، وفي فيلاديلفيا، نقلت عملية فرز الأصوات من مستودع يقع بمركز المدينة حيث أخذ مؤيدو ترامب يطرقون على النوافذ في عام 2020 ويطالبون بوقف العد والفرز، ونقل إلى منطقة في الضواحي، وسور هذا المقر الجديد بأسلاك شائكة، وعن ذلك يقول أدريان فونتيس، الوزير الديمقراطي الممثل لولاية أريزونا: "هل نعتقد أنه من الممكن خروج احتجاجات في مستودعات مخصصة للانتخابات؟ سبق أن شهدنا ذلك، إذن أجل، ولهذا فإننا نضع خططاً لذلك، وهل نعتقد بأن الناس سيتعرضون للتهديد؟ أجل، ولهذا نضع خططاً لذلك". وبحسب مركز برينان للعدالة، فإن 92% من المسؤولين عن الانتخابات في عموم أميركا اتخذوا إجراءات لتحسين وضع تأمين الانتخابات وسلامة العاملين عليها.
هل هذا كاف؟ من الواضح أن التوقعات بشأن حدوث حرب أهلية وشيكة في أميركا مبالغ بها، إذ حتى انتشار العنف وتفشيه يبدو أمراً غير مرجح، ولكن لا مفر من وقوع مخالفات مع بعض الحوادث السيئة (وهذا ما يحدث مع كل دورة انتخابية)، بيد أن دارت وهو عمدة أحد المقاطعات في إيلنوي عبر عن ذلك بقلق عندما قال: "إن الفكرة القائلة بأن جميع مخافر الشرطة ستكون على اطلاع بقانون الانتخابات فكرة ساذجة للغاية"، إذ هنالك 18 ألف مخفر للشرطة في عموم أميركا، ثم إن تلك القوات ليست مدربة على اتخاذ رد فعل نشط ينطوي على إطلاق النار، أو على أفضل الممارسات لضبط الحشود أو على المعدات والأسلحة التي تستخدم في حالات الشغب، وذلك بحسب رأي برايان هيجينز وهو شرطي سابق يعمل حالياً خبيراً في شؤون ضبط الحشود بكلية جون جاي للعدالة الجنائية.
وعموماً يبدو جهاز الشرطة على استعداد تام، كما أن المسؤولين عن سير العملية الانتخابية اتخذوا إجراءات مهمة لوضع الأمور في نصابها الصحيح، ويشتمل ذلك على نشر بث مباشر لما يحدث عند صناديق الاقتراع، في محاولة لخلق حالة من الثقة بسير العملية. كما أنه من المفيد توجيه رسالة مفادها بأن أي عنف سياسي سيقابل بعقاب قاس، ولكن ترامب للأسف وجه رسالة معاكسة لمؤيديه، وذلك عندما تعهد بالصفح عن مثيري أعمال الشغب التي قامت في السادس من كانون الثاني في حال انتخابه مرة أخرى، لأنه في حال عدم إدانة العنف بشكل قاطع، عندئذ سيصبح من المستحيل إخراجه من قائمة الأمور التي لا بد أن تؤخذ في الحسبان.
المصدر: The Economist