ما زال عشرات المصابين في إثر الزلزال، في الشمال السوري، يعانون من "متلازمة الهرس" من جراء مكوثهم لساعات وأيام تحت ركام منازلهم المدمّرة، ولم تكن النجاةُ من تحت الأنقاض خلاصهم من المحنة الإنسانية، التي مروا بها، بسبب رحلة علاج قاسية بدؤوا فيها ضمن المستشفيات.
وتمضي رحلة العلاج المضنية للناجين المصابين بـ "الهرس"، ضمن قطاع طبي منهك ويعاني من قبل الزلزال من ضعف في الدعم، في ظل استنزاف المعدات والإمكانية والضغط الشديد الذي تتعرض له المنشآت الطبية منذ وقوع الزلزال، وحتى ما قبل وقوعه، على اعتبار أنّ المنح الدولي للقطاع تراجع خلال السنوات القليلة الماضية.
وتوثّق مديرية صحة إدلب، إصابة نحو 80 ناجياً بـ"متلازمة الهرس"، معظمهم في غرف العناية المشددة.
حالات بالجملة
هزار وسوزان عرنوس، ووالدتهما، أصبنَ جميعاً بـ"متلازمة الهرس"، وأودت بهم الحالة الصحية الحرجة، إلى غرفة العناية المشددة في مستشفى المحافظة (سامز) في مدينة إدلب.
تعرضت هزار وسوزان لحالات هرس في الطرفين السفليين والعلويين، مع تنازل حجرات في الأطراف العلوية والسفلية، وتعيشان اليوم على الضمادات والمسكّنات، بحسب مريض متابع لحالتهما في المستشفى.
وكانت الحالات الثلاث في البداية، مهددة ببتر أحد الأطراف، إلا أنهن الآن يخضعن للمراقبة، للبت في أحوالهنّ الصحية.
وأوضح جراح الأوعية الطبيب حسن حمود والمشرف على حالات "متلازمة الهرس" في مستشفى المحافظة، أن المتلازمة هي من الحالات الطبية الصعبة والتي تحتاج لمتابعة دقيقة لأنها تؤدي إلى موت العضل، ومن الممكن في البداية أن يكون شكل العضل طبيعي، لكن بعد التنظير يتم اكتشاف الحالة، وغالباً ما يرافق متلازمة الهرس، تنازل الحجرات.
ويضيف لموقع تلفزيون سوريا: "أجري لمعظم مصابي المتلازمة خزع الحجرات، وبنسبة 15 إلى 20 في المئة، ممن خضعوا للخزع، يحتاجون لبتر في الأطراف، كما أن نسبة كبيرة من المصابين يحتاجون لغسيل كلى".
عجز كبير في القطاع الصحي
يقول زهير القراط، وهو مدير صحة إدلب لموقع تلفزيون سوريا: إنّ معظم الناجين الذين بقوا لمدة 24 ساعة تحت الأنقاض، تعرضوا لمتلازمة الهرس الشديد، التي تؤدي إلى تدمير العضلات، وقصور كلوي حاد.
ويوضح أن مرضى متلازمة الهرس، يجرى لهم يومياً جلسة غسيل كلى أو أكثر، وهي تصنّف كحالات طبية خطيرة، لأن نسبة الوفيات فيها عالية.
ويلفت القراط إلى أن عجزاً كبيراً يعاني منه القطاع الطبي، اليوم، في الاستجابة لمرضى متلازمة الهرس، على اعتبار أن مستشفى واحدا وهو مستشفى الزراعة في إدلب، يجمع بين العناية الجراحية وأجهزة غسيل الكلى، في حين أنّ جميع مراكز غسيل الكلى خارج المستشفيات".
ويتابع في هذا السياق: "نقل مريض المتلازمة من المستشفى الذي يخضع فيه للعلاج إلى مركز غسيل الكلى، يهدد حياته، ويزيد من نسبة الوفيات، في حين نحتاج إلى رفد المستشفيات بأجهزة غسيل كلى بالسرعة القصوى".
وتعاني مراكز غسيل الكلى البالغ عددها 8 مراكز فقط من الضغط الشديد، وهي تعاني بالأصل من شحّ في المستلزمات والمعدّات والكيتات، بحسب "القرّاط"، حتى ما قبل وقوع الزلزال.
المرافق الصحية في الشمال السوري بعد الزلزال
وبحسب تقرير صادر عن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية الأممي "أوتشا" يوم أمس الإثنين، تضرر بفعل الزلزال في شمال غربي سوريا ما لا يقل عن 53 مرفقاً صحياً جزئياً، ومرفقان صحيان بالكامل، وخرج عن الخدمة 12 منشأة صحية توقف العمل بها.
وأوقف الجانب التركي منذ وقوع الزلزال في السادس من شباط الجاري، دخول المرضى السوريين من ذوي الإصابات والأمراض الخطيرة، حيث كان يدخل قبل الزلزال عادة مئات المرضى عبر المعابر الحدودية لتلقي العلاج داخل تركيا.
وتحدث الطبيب الفلسطيني هاشم درويش، وهو متطوع ضمن وفد الهلال الأحمر القطري، الذي دخل الشمال السوري خلال أزمة الزلزال، لموقع تلفزيون سوريا، عن حجم الضغط الذي تشهده مراكز غسيل الكلى ونقص كبير في الخدمات، وفقاً لما عاينه، نتيجة تسجيل إصابات بـ"متلازمة الهرس"، موضحاً أنّ معاناة المراكز مع النقص في المستلزمات موجودة حتى وقوع الزلزال.
وقال: "هناك نسبة إضافية من المصابين بالفشل الكلوي، للأعداد السابقة التي تجاوزت 860 إصابة في الشمال السوري، نتيجة إصابات المتلازمة".
وشدد على ضرورة وجود مراكز غسيل كلى في المستشفيات الكبيرة، معتبراً أنها أجهزة إنقاذ حياة، ويجب توافرها بالحالة الطبيعية، فضلا عن ضرورة وجود باقي الأجهزة الإشعاعية وغيرها.
وأشار في ختام حديثه إلى "تلقّيهم دراسات لحجم الاحتياج للقطاع الطبي في المنطقة، والعمل على تأمينها بأسرع وقت".