icon
التغطية الحية

أهي بداية النهاية بالنسبة للقوات الأميركية في سوريا والعراق؟

2024.01.26 | 15:33 دمشق

آخر تحديث: 26.01.2024 | 15:33 دمشق

القوات الأميركية في شمال شرقي سوريا وهي تستعد للخروج في دورية في المنطقة - المصدر: فوربس
القوات الأميركية في شمال شرقي سوريا وهي تستعد للخروج في دورية في المنطقة - المصدر: فوربس
Forbes - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

خلال الفترة الماضية، أثارت مجموعة من التقارير قضية إنهاء الوجود العسكري الأميركي في سوريا والعراق والذي بدأ خلال الفترة الواقعة ما بين 2014-2015 وهدفه محاربة تنظيم الدولة الإسلامية.

إذ في يوم الأربعاء الماضي، تحدثت مجلة فورين بوليسي مستشهدة بمصادر من وزارتي الدفاع والخارجية الأميركيتين بأن البيت الأبيض بات قلقلاً بشأن الوجود الأميركي في سوريا، حيث يقوم نحو 900 جندي بالتعاون مع قوات قسد بمحاربة تنظيم الدولة، وأوضح التقرير بأن الإدارة الأميركية لم تتخذ أي قرار محدد بخصوص مسألة الانسحاب من هناك.

واقع القوات الأميركية في سوريا والعراق

في حين ذكر مسؤول أميركي رفيع لشبكة سي إن إن بأن البيت الأبيض لا يفكر بسحب القوات من سوريا، وأتى ذلك مباشرة عقب تقرير سابق نشرته صحيفة المونيتور يوم الإثنين الماضي، وكشفت من خلاله بأن البنتاغون يخطط لإقامة شراكة بين قسد ونظام الأسد لمحاربة تنظيم الدولة، وألمح التقرير بأن الولايات المتحدة تخطط للانسحاب في نهاية المطاف.

وفي تقرير آخر نشرته رويترز يوم الأربعاء الماضي تبين بأن الولايات المتحدة والعراق يعتزمان البدء بمحادثات عن إنهاء الوجود العسكري للتحالف الذي تترأسه أميركا في العراق، وبأنه جرى نقل هذا المضمون في رسالة وجهت إلى وزير الخارجية العراقي، وذكر التقرير بأنه يرجح لتلك المحادثات أن تمتد لبضعة أشهر، كما أن احتمال انسحاب الولايات المتحدة من العراق ليس بوشيك.

لدى الولايات المتحدة 2500 جندي في العراق، وقد انتهت مهمتهم الرسمية المعنية بمحاربة تنظيم الدولة في كانون الأول من عام 2021، لكنهم ظلوا في العراق ضمن مهمة استشارية صاروا يقدمونها لقوات الأمن العراقية والكردية.

عادت القوات الأميركية إلى العراق في عام 2014 بعدما انسحبت الولايات المتحدة بشكل كامل في عام 2011، وأتت تلك العودة بدعوة من الحكومة العراقية التي كانت تحاول صد تنظيم الدولة المدمر ومنعه من الاستيلاء على ثلث البلد. وخلال العام التالي، نشرت الولايات المتحدة قواتها في سوريا لمساعدة تنظيم قسد الوليد على هزيمة تنظيم الدولة نفسه.

هذا وقد هُزم تنظيم الدولة في العراق عام 2017 وفي سوريا عام 2019، ولكن ما تزال فلول تنتمي لهذا التنظيم في كلا البلدين، ولهذا يقوم هؤلاء المقاتلون بشن هجمات تعتمد على الكر والفر السريع بين الفينة والأخرى.

بداية التصعيد

منذ 19 تشرين الأول، أضحت القوات الأميركية تحت مرمى نيران أكثر من 150 هجمة شنتها ميليشيات مدعومة إيرانياً في كل من العراق وسوريا بما أن كلتا الدولتين تقفان ضد الحرب الإسرائيلية المستمرة على غزة.

وفي الوقت الذي تحدثت فيه التقارير التي نشرت يوم الأربعاء عن نهاية وشيكة للوجود العسكري الأميركي، شكك محللون بالأمر، إذ على الرغم من التصعيد، لن تحزم القوات الأميركية أمتعتها وتغادر البلدين في القريب العاجل.

ولهذا يعتقد ريان بول وهو محلل مهم متخصص بشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لدى شركة  RANE المتخصصة باستخبارات المخاطر، بأن الخطة المزعومة حول إقامة تعاون بين قسد والأسد ما تزال دون المستوى المطلوب، وما تزال تحاول الخروج من مكاتب وزارة الخارجية الأميركية، وأضاف: "لا أتوقع من الإدارة الأميركية أن تتخذ قراراً مهماً خلال موسم الانتخابات، لأنه من المحتمل أن يفضي ذلك إلى قرار يصدر مع الولاية الثانية للرئيس، وليس للولايات المتحدة أي مصلحة في البقاء في سوريا على الدوام، ولكني أعتقد بأننا سنحتاج لمزيد من الوقت قبل أن تؤتي هذه العملية ثمارها".

أما جوشوا لانديز مدير مركز دراسات الشرق الأوسط ومركز عائلة فارزانه للدراسات الإيرانية بجامعة أوكلاهوما، فقد شكك هو أيضاً بالانسحاب الأميركي من سوريا قبل الانتخابات، وقال: "سيكون أي انسحاب فوضوياً للغاية وسيثير موجة انتقادات كبيرة ضد إدارة بايدن كونها سبق أن انسحبت من أفغانستان".

وذكر لانديز بأن قيادة قسد في شمال شرقي سوريا حاولت عدة مرات أن تتفاوض لتصل إلى اتفاق مع نظام الأسد، بينما تعرضت الولايات المتحدة لضغوط متزايدة حتى تخرج من سوريا والعراق خلال الأشهر القليلة الماضية، وذلك بسبب الحرب على غزة وما رافق ذلك من تشديد للحملة الجوية التركية التي تستهدف مقاتلي قسد في شمال شرقي سوريا فضلاً عن استهدافها للبنية التحتية.

مصالح مشتركة تجمع بين الأسد وقسد

بيد أن لانديز شكك بقدرة البنتاغون على تمويل ورعاية أمور التعاون بين قسد والنظام السوري، وقال: "لا أظن أن الأسد سيوافق على التعاون مع قسد بوصفها تمثل قوة عسكرية مستقلة تحكم شمال شرقي سوريا، وذلك لأن كل ما يشبه الحكم الذاتي الكردي أو حالة شبه الاستقلال هناك يعتبر لعنة على حزب البعث، وكذلك على المعارضة السورية العربية".

ومع ذلك يخبرنا لانديز بأن الأسد بحاجة للتعاون مع الكرد بما أنهم يشكلون 10% من سكان سوريا، وأضاف: "إنهم يمثلون أقلية أيضاً في سوريا، وحليفاً طبيعياً للعلويين في مساعيهم لخلق توازن مضاد للأغلبية العربية السنية، وذلك لأن الكرد سيكونون المفتاح لإدارة القبائل العربية في شمال شرقي سوريا، بما أن معظمها انضم إلى المعارضة أو تعاون عن قرب مع تنظيم القاعدة أو الدولة الإسلامية في السابق".

ونتيجة لذلك، قد يرغب الأسد في ترويض القادة الكرد من أجل التعاون معهم مستقبلاً، ويستثنى منهم من تعاون عن قرب مع الأميركيين خلال الحملة المناهضة لتنظيم الدولة، وهذا ما عبر عنه لانديز بقوله: "ثمة مصلحة مشتركة تجمع بين الكرد وحكومة الأسد بالنسبة لهزيمة تنظيم الدولة وغيره من الميليشيات العربية السنية التي تعتبر عدواً مشتركاً لكلا الطرفين".

بيد أن القوات الأميركية الموجودة في سوريا ألفت نفسها اليوم في وضع متقلقل بما أن إيران وغيرها الكثير من الميليشيات المتحالفة معها جعلت من إخراج الأميركيين أهم هدف وضعته نصب عينيها منذ بدء الحرب على غزة، إذ في الوقت الذي لا يمكن لتلك الميليشيات أن تهاجم إسرائيل مباشرة، يمكنها أن تستهدف القواعد الأميركية في المنطقة، كما فعلت منذ 19 تشرين الأول.

وتعقيباً على ذلك يقول لانديز: "تدخلت تركيا في المعمعة هي أيضاً لأنها تتمنى أن توقف الدعم الأميركي لقسد وللكرد عموماً، وذلك لأن إنهاء التعاون العسكري بين الكرد والولايات المتحدة يعتبر الهدف الأمني الأول لتركيا".

حكومة عراقية مرتهنة لإيران تطالب بجلاء أميركي

هذا ويمكن للأحداث في الجار العراق أن تؤثر بشكل مباشر على مستقبل الوجود العسكري الأميركي في سوريا، إذ خلال الشهور الماضية، طالب رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني أكثر من مرة بانسحاب كامل للقوات الأميركية، على الرغم من عدم وجود أي جدول زمني محدد لذلك بين يديه.

يذكر أن الولايات المتحدة اغتالت قائداً بارزاً لدى ميليشيا عراقية مدعومة إيرانياً في بغداد في الرابع من الشهر الجاري، كما استهدفت يوم الثلاثاء ثلاثة مقار للميليشيات عقب هجوم صاروخي واسع النطاق استهدف قاعدة عين الأسد الأميركية في غربي العراق، ما أسفر عن جرح جنديين أميركيين.

وفي بيان صادر عن مكتب السوداني، وصفت الضربة الأولى بالتصعيد والعدوان الخطير، كما انتقد الناطق الرسمي باسم رئيس الوزراء الضربات التي شنت يوم الثلاثاء وقال إن هدفها هو ضرب الأمن والاستقرار في العراق والمساهمة في تصعيد لامسؤول للأمور.

وعن ذلك يقول لانديز: "إن كان بوسع الإيرانيين استفزاز القوات الأميركية عبر قتل مزيد من القادة العراقيين، فإن السوداني قد يضطر إلى تنفيذ تهديده بطرد القوات الأميركية، ثم إن القواعد الأميركية في العراق تعتبر مفتاح الدعم للموقف الأميركي في سوريا، ولهذا إن رحلت القوات الأميركية عن العراق، فلن تتخلف القوات الموجودة في سوريا كثيراً عنها".

وصف بول الوضع بالعراق بأنه بات أصعب منذ أن نجحت القوات المحلية وخاصة تلك المتحالفة مع القوميين وإيران بإقناع الولايات المتحدة بالرحيل عن البلد منذ فترة طويلة، وأضاف: "تتحرق الولايات المتحدة شوقاً لتحافظ على مكتسباتها الاستراتيجية التي حصلتها من الاحتلال والحرب ضد تنظيم الدولة ولهذا فهي لا تريد بكل تأكيد أن تتنازل عن البلد بكامله وتتركه لإيران، ولهذا السبب نفسه، لا يريد السياسيون المناهضون لإيران في العراق من أميركا أن تتخلى عنهم، وذلك لأنهم يعرفون بأن سلطتهم ستصبح أضعف أمام إيران، في حال خلو المشهد من الولايات المتحدة التي تقف ضد النفوذ الإيراني في المنطقة".

في حين يرى جويل وينغ مؤلف كتاب: (تأملات في مدونة العراق)، بأن السوداني يتلاعب بالسياسة قطعاً فيما يتعلق بالانسحاب الأميركي، ويقول: "إنه يحاول أن يقول ما يكفي لاسترضاء العناصر الموالية لإيران في حكومته، وذلك لأن الحاجة للأميركيين لم تعد تشبه ما كانت عليه عندما كانت حركة التمرد مزدهرة في العراق، بيد أن الأحزاب الحاكمة ما تزال تدرك الحاجة إليهم، وإلا لدفعت الحكومة على طرح مشروع قانون يفرض عليهم الرحيل، ولهذا السبب نفسه تتسم أي تحركات في البرلمان بالبطء نظراً لأنه لا يتمتع بالسلطة التي تخوله طرح مسودات للقوانين".

كما أن إجبار التحالف الذي تترأسه الولايات المتحدة على الرحيل في ظل هذه الظروف سيكون محرجاً بالنسبة لبغداد بما أنها لا تريد أن تظهر للعالم بأنها لا تسيطر على الجماعات المسلحة التي يمكنها فرض ما تريده من خلال العنف.

ويعتقد وينغ بأنه لا أحد يرجح للتوقعات بشأن الانسحاب أن تتوقع خلال هذا العام، ما لم يحدث تصعيد كبير للأمور من خلال مناوشات قائمة على مبدأ العين بالعين بين الولايات المتحدة والميليشيات، بيد أنه لا يراهن على ذلك.

في حين يذهب بول إلى الاعتقاد بأن الانسحاب الأميركي لن يحدث إلا عندما تقرر واشنطن القيام بذلك من جانب واحد بدلاً من أن تضطر إلى الرحيل على يد بغداد، ويضيف: "بل حتى ذلك يتوقف على اعتقاد واشنطن بأن ذلك لن يؤدي إلى عودة تنظيم الدولة إلى الظهور أو سقوط البلد بشكل كامل ضمن المحور الإيراني".

ثم إنه لا أحد يشك في أن الانسحاب الأميركي من شأنه تقوية النفوذ الإيراني في العراق، وهذا ما عبر عنه وينغ بقوله: "إن الحكومة الحالية هي واحدة من أكثر الحكومات الموالية لإيران منذ الغزو الأميركي، ولذلك لن يكون هنالك الكثير لنفعله حتى نخلق حالة توازن مضاد أمام النفوذ الإيراني".

 

المصدر: Forbes