بدأت صالات "السورية للتجارة" التابعة لوزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك في حكومة الأسد منذ بداية العام الجاري بالترويج لزيت القطن كبديل للزيوت النباتية بعد صعوبة تأمينها لتغطية احتياج السوق المحلية سواء من زيوت الذرة أم دوار الشمس وغيرها على أنه الخيار الأفضل بين الزيوت الغذائية.
واللافت للنظر ثبوت عدم تنقية زيت القطن من مركب الجوسيبول السام في الدفعة التي طرحتها "السورية للتجارة" في صالاتها خلال شهر شباط الماضي، حيث تبين أنه لا يوجد في مخابر "مديرية التموين" مواصفات خاصة تتضمن التقصي عن الجوسيبول لكي تحدد صلاحيته للاستعمال البشري من عدمه، بحسب صحيفة "الوطن" الموالية.
قضية زيت القطن في سوريا
وأثيرت قضية زيت بذور القطن الذي أعلنت "وزارة التجارة الداخلية" عن تأمينه ضمن "صالات السورية للتجارة"، بعد تحليل الزيت من قبل عدد من الأكاديميين المهتمين بالسلامة الغذائية.
وكشف الأكاديميون أن الزيوت غير صحية ولا تصلح للاستهلاك البشري، نظراً لاحتوائها على مركب الجوسيبول الذي يعتبر مركباً ساماً، حيث يوجد المركب في جميع أعضاء نبات القطن وتتركز وظيفته في حماية النبات من الحشرات.
وبحسب الأكاديميين، فإن لمركب الجوسيبول دورا مهما كمبيد حشري ويستخدم بين مبيدات الآفات، ويعد ذا تأثيرات سمية في حال الاستهلاك البشري لزيت القطن غير المعالج بسحب الجوسيبول منه.
وهذا الاكتشاف دفع الأكاديميين إلى إرسال كتاب لـ"وزير التجارة الداخلية" السابق طلال برازي بتاريخ 21 شباط الماضي، بينوا خلاله سمية تلك الزيوت وأخطارها في حال وجدت طريقها إلى الاستهلاك البشري.
وأكد الأكاديميون أن الوزارة تفاعلت حينها مع جميع الطروحات التي قدمت ضمن اجتماع جمعها مع الوزير في نهاية شهر حزيران الماضي، إلا أن الملف لم ينجز وجاء التغير الوزاري بوزير جديد ليتفاجأ أصحاب الشأن بامتلاء رفوف السورية للتجارة بزيت القطن، متجاوزين ذلك الملف الذي يهدف إلى معالجة الزيوت وتحليلها في مخابر التموين وفق مواصفات خاصة بزيت القطن حصراً قبل تقديمها للمواطنين.
المواصفات المعتمدة للزيوت لا تتضمن اختبار الجوسيبول
والمفاجئ في القضية أن المواصفات المعتمدة للزيوت هي 3770 لعام 2019 لا تتضمن اختبار وجود الجوسيبول، بحسب دليل المواصفات السورية، حيث أكد الأكاديميون أن استهلاك زيت القطن قبل تنقيته من الجوسيبول مرفوض تماماً نظراً للمخاطر والمحاذير المرتبطة به ومن أهمها تدهور في وظائف الكبد والإصابة بالعقم ومشكلات في الحمل حيث يؤثر في التطور المبكر للجنين.
ولفت الأكاديميون إلى أنه يفترض بمصانع الزيوت أن تجد حلا لسحب هذا المركب من زيوت القطن المعدة لديها للبيع وذلك بإشراف علمي تجنباً للخسائر المادية أو أن تحال تلك الزيوت إلى صناعة الصابون والمنظفات المنزلية.
لا علم لنا بتلك الدراسات ولا بمخاطر الزيت على البشر
وقالت صحيفة "الوطن" إنها تواصلت مع "وزير التجارة الداخلية" في حكومة الأسد الجديدة عمرو سالم ووضعته في صورة الموضوع، ليدعي أن لا علم له بتلك الدراسات والاجتماعات السابقة حول مادة زيت القطن كما أبدى تجاوبه مع الصحيفة بأن أرسل عينة من الزيوت لتحليلها في مخابر هيئة الطاقة الذرية للتأكد من وجود مادة الجوسيبول ومدى صلاحية تلك الزيوت للاستهلاك البشري.
وبعد انتظار تواصل مدير حماية المستهلك في الوزارة محمد باغ مع "الوطن"، موضحاً أن الوزارة اعتمدت في تسويقها لمادة الزيت في صالات السورية للتجارة على كتب رسمية من هيئة المواصفات والمقاييس، تؤكد إمكانية استخدام تلك الزيوت وأنها صالحة للاستهلاك البشري.
حكومة الأسد تناقض نفسها
وذكرت الصحيفة أن "مدير حماية المستهلك" أرسل لها كتاب رسمي يؤكد عدم وجود مواصفات معتمدة ودقيقة من قبل هيئة المواصفات حول المادة ومدى سميتها، واعتمادها تلك الزيوت رغم علمها بعدم تكرير زيت القطن بالطريقة المناسبة التي تضمن عدم وجود الجوسيبول، حيث أشارت الهيئة في تقريرها إلى أن لون الزيت المائل للاحمرار يدل على انخفاض في نوعية المنتج نتيجة ضعف في تقنيات التكرير المستخدمة وبالتالي انخفاض الدرجة التصنيفية للزيت إلى الدرجة الأدنى من حيث الخواص الحسية الفيزيائية.
لكن في الكتاب ذاته أكدوا أن الزيت صالح للاستهلاك بسبب معالجته بالحرارة العالية التي تفكك مادة الجوسيبول، أما المضحك المبكي، بحسب الصحيفة، أن تنهي الهيئة كتابها بأن المراجع الدولية للمواصفات للزيوت النباتية لم تذكر أي قيمة للحد الأقصى المسموح به للجوسيبول ما يشير إلى إمكانية إزالتها كلياً باستخدام تقنيات تكرير حديثة وهو طبعاً ما لم يحدث.
ووفقاً للصحيفة، فإن الهيئة عادت في كتاب آخر لتناقض نفسها بالقول: "إن تقدير الجوسيبول باستخدام تقنية HPLC من أكثر الطرق دقة واستخداما لهذا الغرض ولكن لا تتوافر لدى الهيئة مواصفات قياسية دولية بتقنية HPLC بالكشف عن الجوسيبول في الزيوت المعدة للطعام".