تتفاقم التحديات الطبية التي تواجه اللاجئين السوريين الموجودين على الأراضي الأردنية، نتيجة تراجع تمويل الدول المانحة. وثمة مؤشرات على تخفيض المنظمات الإنسانية المعنية وجودها في البلدان المجاورة لسوريا وتحويل اهتمامها إلى الداخل.
في الوقت الحالي يعتبر "صندوق الخير"، الذي أنشئ من قبل مركز الحسين للسرطان، المصدر الوحيد الذي يمكن أن يكون سندا لأولئك المرضى تقريبا، ورغم أن كل مصادر الصندوق تعتمد على التبرعات، إلا أن هناك معاناة حقيقية في قبول الحالات التي تشملها تغطية الصندوق، إذ لا وجود لأي مذكرة تفاهم بين إدارته ومفوضية اللاجئين في الأردن، ويعتمد القبول والرفض على وجود لجنة اجتماعية تقرر ذلك بعد تشخيص الحالة في المركز نفسه، كما أن التبرعات عموماً لا تكفي الحاجة.
تبرعات للعلاج
تعددت اتفاقيات التفاهم حول تلك التبرعات مع عدة دول، كان آخرها منذ أسبوعين نتج عنها توقيع مذكرة تفاهم بين الصندوق السعودي للتنمية ومؤسسة الحسين للسرطان للإسهام في تمويل علاج مرضى السرطان من اللاجئين السوريين.
سبق ذلك اتفاقية تم توقيعها مع الهلال الأحمر الإماراتي في أبوظبي إذ يخصص نصف المبلغ لعلاج المرضى الفلسطينيين الذين لا يستطيعون توفير كلفة العلاج داخل مركز الحسين للسرطان التابع للمؤسسة في العاصمة عمان، والنصف الآخر لمرضى السرطان من اللاجئين السوريين الموجودين حالياً في الأردن.
البنك الدولي أعلن سابقا، بحسب بيان صادر عنه، إقراره مشروعا بقيمة 200 مليون دولار أميركي لدعم استمرار تقديم الخدمات الصحية الأولية والثانوية المهمة في مرافق وزارة الصحة، لكل من الأردنيين غير المؤمنين واللاجئين السوريين.
دفع 80% من قيمة العلاج
فراس نصر، ابن مدينة حمص، والمقيم في حي نزال بالعاصمة عمان، يتحدث عن وضعه الصحي فائق الصعوبة، إذ يعاني من وجود شحنات زائدة في الدماغ تؤدي إلى نوبات صرع بالإضافة لأمراض الغدة المتعلقة بالسمنة ، كما يعاني من مشكلات الضغط والسكر والربو، ولديه عجز شبه تام في العمود الفقري وذلك بسبب التعذيب الذي تعرض له في معتقلات الأسد في مدينة حمص قبل مغادرة البلاد .
ويقول نصر لـ موقع تلفزيون سوريا: "اختلف الأمر بشكل كبير جدا فيما يخص المساعدات الطبية في الأردن في الأعوام الثلاثة الأخيرة، فالمركز الصحي الخاص باللاجئين السوريين في مشفى البشير كان مجانياً قبل ثلاثة أعوام أما اليوم فعليك دفع 80% من قيمة كلفة العلاج أو قيمة العبوة الدوائية التي تحتاجها".
وكانت وزارة الصحة الأردنية قد أصدرت، في نيسان 2019، قراراً يقضي بمعاملة اللاجئين السوريين المراجعين للمستشفيات والمراكز الصحية الحكومية معاملة المواطنين الأردنيين غير المؤمّنين.
ويضيف نصر: "من الممكن أن تحصل على الدواء اللازم لحالتك الصحية عبر {منظمة كاريتاس} إلا أنه في معظم الأوقات لايتوفر العيار المناسب فتحصل على عيار أقل أو على دواء بديل".
العائلة بحاجة للعلاج
نصر، صاحب الـ41 عاما والتي تبدو ملاحمه على أنه تجاوز الستين من عمره "بحسب وصفه" لن تتوقف مشكلته عند مرضه وحده، فهو لديه ثلاثة أولاد، يعانون جميعا من مشكلة السمنة التي تم تشخيصها بأن لديهم فرطاً في الدم وغدة كسولة "بحسب وصفه"، فالابن الأكبر وصل وزنه إلى 160كغ، وهو في عمر الثانية عشرة، وابنته 150 كغ وهي في عمر العاشرة وكذلك بدت ملامح السمنة تظهر على طفله الثالث، وكلهم بحاجة إلى عملية تكميم معدة بما فيهم الأب بالإضافة إلى حاجته إلى الأدوية بشكل مستمر.
تخصص زوجة نصر، راتبها الذي يبلغ 200 دينار/ مايعادل 280 دولاراً، لتأمين الأدوية المتعددة لزوجها وأولادها، فهي المعيلة الوحيدة للعائلة بسبب الوضع الصحي الذي لايسمح لنصر بممارسة أي مهنة بسبب عجزه وتنقله على كرسي متحرك في الفترة الأخيرة، أما بالنسبة لأجرة السكن التي تبلغ 140 ديناراً/ التي تعادلها 200 دولار، وماتبقى من مصاريف فهي تعتمد على المساعدات المادية التي يتصدق بها أهل الخير وبعض المعارف والجيران "بحسب نصر"، حيث تم مؤخراً إيقاف مبلغ الإعانة الشهرية الذي كانت تمنحه المفوضية لبعض اللاجئين.
ويتابع نصر : "بعض المنظمات تساعدنا في الحصول على جلسات للعلاج الفيزيائي إلا أن تلك الجلسات محدودة وتفتقد للاستمرارية التي هي أساس العلاج وخاصة لحالتي فيما يخص موضوع الشحنات، وهذا ماينطبق على الكثير من الحالات المرضية التي تحتاج إلى الاستمرارية في العلاج، فيتثنى للمريض الحصول على المساعدات المالية التي تؤمن له كلفة الجرعات الكيماوية الأولى بالنسبة لمرضى السرطان أو لعدد جلسات محدودة لمن هم بحاجة إلى غسيل الكلى".
السوريون والأردنيون سواء
يختم نصر حديثه :"اقتصر عمل الكثير من المنظمات في الفترة الأخيرة على جلسات الدعم النفسي والتوعية الأسرية والصحية والاجتماعية، تلك الجلسات لم تقدم لنا المنفعة الصحية أو المادية الحقيقية من أجل العلاج الذي نحتاجه بشكل واقعي ملموس وهذا مايعاني منه الكثير من اللاجئين السوريين وحتى المواطنين الأردنيين".
ويؤكد ما ذهب إليه نصر عدد من الناشطين الأردنيين العاملين في مجال المساعدات الغذائية والطبية لـ موقع تلفزيون سوريا ، إذ يقول أحدهم:"الأمر لا يقتصر على اللاجئين، وإنما يمس المواطنين الأردنيين أيضاً، فهناك الكثير من العمليات وتكاليف العلاج مرهقة للأردنيين والسوريين على حدّ سواء، فمثلا تصل كلفة جلسة الغسيل الواحدة إلى ٥٠ ديناراً أردنياً أي ما يعادل الـ 35 دولاراً، إلا أن البعض يحظى على مساعدات عبر منظمات أو مبادرات فردية". كما أن معظم المنظمات لا تقدم دعماً للعمليات الجراحية، ولا يوجد مانحون يغطون ذلك".
حالات مختلفة ومعاناة مستمرة
محمد دحان، المنحدر من جنوب دمشق، والمقيم مع عائلته في العاصمة عمان، يروي لـ موقع تلفزيون سوريا، قصة والدته المتوفاة نهاية عام 2020، حيث يقول: "استطاع والدي منذ مطلع عام 2019 من الحصول على مساعدة مالية من صندوق الخير في مركز الحسين للسرطان لعلاج والدتي من سرطان الفك، وكانت المساعدة عبارة عن بطاقة مالية تدفع في قسم المحاسبة داخل المركز، وهي مشحونة برصيد 10 آلاف دينار / 14 ألف دولار أمريكي ، قابلة للتجديد، استطعنا من خلالها الاستمرار في رحلة علاج والدتي تلقت خلالها جلسات متكررة يحددها الطبيب المشرف لإعطاء الجرعات الكيماوية وغيرها من أنواع العلاج لمدةعامين كاملين حتى وفاتها".
لايمتك دحان أي معلومة عن الجهة الممولة لصندوق الخير ويقول إن "كل ما أعرفه أن علاقتنا المباشرة كانت مع صندوق الخير داخل مركز الحسين للسرطان، وينطبق الأمر ذاته على خالتي التي مازالت تتلقى العلاج، لكن هناك الكثير من السوريين لا يتسنى لهم الحصول على تلك المساعدة ".
ويؤكد أحد الناشطين العاملين في مجال المساعدات الطبية، أن صندوق الخير قادر على تغطية النفقات لعدد لا بأس به لمن هم بحاجة إلى مساعدات مادية عالية الكلفة، وهذا لاينطبق على جنسية محددة فالجهات الممولة تمنح صندوق الخير التبرعات لعلاج الأردنيين وغير الأردنيين و كان للسورين النصيب الأكبر منذ بدء حركة النزوح حتى اليوم.
ويضيف: "تلك التبرعات والمساعدات الطبية الباهظة الكلفة لايمكن للجمعيات الخيرية في الأردن تغطيتها لأنها بحاجة لمبالغ كبيرة جدا".
رغم وجود بعض التسهيلات القانونية للسوريين للحصول على عمل، فإن اللاجئ السوري في الأردن لا يزال إلى يومنا هذا غير قادر على تقديم إعالة كريمة لأسرته وتغطية النفقات الصحية.
محمد بكداش، سوري يعمل في مجال المطاعم، يحاول تأمين مبلغ 2000 دينار لإجراء عمل جراحي في القدم لوالدته يقول لـ "تلفزيون سوريا": "أحاول يوميا بشتى الوسائل الوصول لبعض مديري الجمعيات الخيرية أو عبر مجموعات السوريين على مواقع التواصل الاجتماعي للحصول على طريقة تساعدني في إجراء العمل الجراحي لوالدتي التي بدأ وضعها الصحي يزداد سوءاً". لايتجاوز راتب بكداش 400 دينار أردني شهريا وهو المعيل الوحيد لعائلته بعد وفاة والده بسبب كوفيد 19.
وتركت جائحة كورونا أضراراً متعددة في الجسم الاقتصادي للدول المستضيفة ومجتمعات اللاجئين، هناك إصابة أكثر من 2260 لاجئاً داخل مخيمات اللاجئين السوريين في الأردن بفيروس كورونا المستجد ووفاة أكثر من 15 شخصاً من بين المصابين بحسب ما قاله محمد حواري "الناطق باسم المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في الأردن" لقناة "المملكة