تفاقمت أزمة المياه في مدينة إدلب مع بداية العام الحالي، عقب توقف منظمة غول - GOAL الداعمة عن ضخ المياه إلى المدينة بعد انتهاء العقد المبرم وعدم تجديده، ما أدّى لازدياد الطلب على صهاريج الماء وارتفاع سعرها. وتشهد مدينة إدلب كثافة سكانية عالية، حيث تمثل الغالبية في المدينة من المهجرين والنازحين من مناطق سورية أخرى.
وتقر "حكومة الإنقاذ" بعجزها عن إيجاد أي حلول بديلة، وترمي الكرة بملعب المنظمات الإنسانية للبدء بمشاريع جديدة من شأنها استئناف إيصال المياه إلى أحياء المدينة، وإلا ستضطر إلى خطوة العدادات وجباية الفواتير من الأهالي، وهو ما استبقه ناشطون قالوا إن الإنقاذ تسعى لخصخصة المياه ضمن مشروع مربح وإن هذه الأزمة مفتعلة بالأساس.
وكانت منظمة "غول" تتكفل عبر مشروعها بضخ المياه إلى مدينة إدلب منذ 7 سنوات، عبر محطتين غربي المدينة، لكن المنظمة أبلغت بإيقاف المشروع مع نهاية عام 2023 بسبب توقف دعمها.
والدعم الذي بدأ، منذ تسع سنوات، كان يشمل توريد المياه الصالحة للشرب بشكل مجاني تماماً إلى السكّان، بالإضافة إلى تنفيذ العديد من مشاريع إعادة تأهيل البنية التحتية لتحسين واقع شبكة المياه في المناطق التي تغذيها المحطات.
أزمة لم تكن في الحسبان
يقول محمد الياسين، أحد المهجرين من حمص إلى مدينة إدلب، لموقع تلفزيون سوريا: منذ 6 ساعات وحتى الآن أنتظر للحصول على دور بتعبئة المياه للمنزل من خلال صهاريج تعبئة المياه الخاصة في المدينة، ومنذ بداية الشهر وحتى الآن هذه هي المرة الثالثة التي أحتاج من خلالها إلى التعبئة بهذه الطريقة، بعد توقّف ضخ المياه من قبل مؤسسة المياه إلى المنازل في المدينة.
وارتفعت كلفة تعبئة الألف ليتر بحسب الياسين من 55 ليرة تركية إلى 75 ليرة تركية، حيث تحتاج عائلته لألف ليتر كل خمسة أيام مع التقنين والتوفير في الاستهلاك، وبذلك تبلغ كلفة المياه الشهرية 450 ليرة تركية في حال استمر الوضع على هذا الحال.
ووصف عبد القادر كردي وهو أحد أهالي مدينة إدلب، توقف ضخ المياه للمدينة بـ الأزمة الحقيقية، فالنسبة الكبرى من خزانات المياه الموجودة في منازل المدينة صغيرة، وبالتالي طلبهم للتعبئة من خلال الصهاريج سيكون مضاعفاً.
ومن العقبات التي شكلها التزود بالمياه عبر الصهاريج أن الأمر متعب للغاية، خاصة مع وجود خزانات المياه على أسطح الأبنية.
وكشف مصدر مطّلع على ملف المياه لموقع تلفزيون سوريا أن مؤسسة المياه التابعة لحكومة الإنقاذ لم تكن متعاونة مع منظمة "غول"، وكانت المنظمة بصدد إيقاف المشروع منذ بداية العام الفائت لكن مع كارثة الزلزال جددت المشروع إلى نهاية العام، وحالياً تعمل على مشروع مشابه بريف حلب الشمالي بعد إيقاف مشروعها في إدلب.
وحدد فريق "منسقو استجابة سوريا" قبل أيام حد الفقر في شمال غربي سوريا بـ 9314 ليرة تركية، وحد الفقر المدقع بـ 6981 ليرة تركية، وقال الفريق إن المنطقة تشهد انهياراً اقتصادياً بالتزامن مع ارتفاع الأسعار إلى مستويات قياسية وعدم قدرة المدنيين على تأمين احتياجاتهم اليومية ضمن الحد الأدنى، وزيادة ملحوظة في معدلات التضخم وانخفاض القوة الشرائية للمدنيين في المنطقة.
وأصبحت أغلب العائلات في المنطقة بشكل عام ونازحو المخيمات بشكل خاص غيرَ قادرين على تأمين المستلزمات الأساسية وفي مقدمتها مواد التغذية والتدفئة لضمان بقاء واستمرار تلك العائلات على قيد الحياة.
كيف علّقت شركة المياه؟
تواصل موقع "تلفزيون سوريا" مع مدير مؤسسة مياه إدلب المهندس جمال ديبان، للاستفسار عن أسباب توقف ضخ المياه والحلول البديلة، وقال ديبان: "استمرت منظمة غول بدعم ضخ المياه في المدينة وبعض القرى المجاورة لعدة سنوات، واستفاد من المشروع أكثر من 400 ألف نسمة، حيث كانت تجدد العقد بعد انتهائه في كل مرة، لكن آخر عقد أخبرتنا بأنه الأخير ولا يوجد إمكانية للتجديد".
وأجرت مؤسسة مياه إدلب دراسة حول موضوع ضخ المياه في المدينة تم تقديمها لجميع المنظمات وأبلغوها بترحيبهم بأي منظمة تسهم في ضخ المياه للمدينة إن كان بشكل كلي أو جزئي، وما زالت المؤسسة بانتظار ردود، بحسب ديبان.
وفيما يتعلق بما نقله المصدر أنّ مؤسسة المياه أهملت الرد على المنظمة الداعمة، نفى المسؤول ذلك وقال:"هذا لا يعقل، خاصة ونحن بأمس الحاجة لضخ المياه إلى المدينة، لكن على اعتبار كلفة الضخ للمدينة كبيرة، فإنّ المنظمة وغيرها ساروا وفق أولوياتهم بتغطية مشاريع أكثر، بنفس الكلفة".
"عدادات المياه هي الحل"
وحول الحلول المقترحة، أوضح ديبان أن مؤسسة مياه الشرب أجرت كل الترتيبات الإدارية والفنية والمالية، وبدأت بضخ المياه لأحياء المدينة بشكل تدريجي مشيراً إلى أنه خلال يومين يكتمل الضخ لجميع الأحياء، ويكون ذلك بالتعاون مع الأهالي على استرداد جزء من الكلفة حتى استمرار الضخ، بحيث يتحمل الأهالي جزءاً من الكلفة والمؤسسة كذلك، حتى لا تبقى المدينة من دون مياه، آملين أن تتبنى أي منظمة هذا المشروع وتحمل العبء عنّا وعن الأهالي خاصة مع الظروف المعيشية الصعبة".
وختم بأن فكرة تركيب عدادات مياه "هي المشروع الأنسب لنا وللأهالي ويتم إنجاز دراسة عنه، لكنه متعب ويحتاج إلى المزيد من الوقت للعمل عليه.
تحدّث موقع تلفزيون سوريا إلى عدد من سكان مدينة إدلب واستطلع آراءهم حول عزم مؤسسة مياه إدلب التابعة لـ"الإنقاذ" تركيب عدّادات لجباية المياه في حال توقّف الدعم عن محطات الضخ.
وعلى الرغم من أن معظم من استُطلعت آراؤهم أيّدوا فكرة العدّادات لكونها ترشّد استخدام مياه الشرب، وتقضي على ظاهرة الهدر المنتشرة بكثرة في المدينة لكون المياه مجانية، لكنّهم أعربوا في الوقتِ نفسه، عن مخاوفهم من رفع "الإنقاذ" سعر المتر المكعب من المياه وتحويل عملية ضخّها من عملية خدمية إلى عملية ربحية، فضلاً عن مرابح "الإنقاذ" في العدّادات المسبقة الدفع التي ستطرحها في الأسواق بأسعار مرتفعة، كما طرحت عدّادات الكهرباء بسعر 50 دولاراً أميركياً للعدّاد الواحد.