أعلن المعلمون في معظم مدن ريف حلب الشمالي والشرقي يوم الخميس الماضي 14 تشرين الأول، إضرابهم عن العمل حتى تحقيق مطالبهم المتمثلة بزيادة الرواتب وتحسين العملية التعليمية ووضع المدارس وزيادة عدد الصفوف الدراسية، وطالبوا بمعاملتهم بطرق لائقة، بعيداً عن الأساليب الفوقية و"التشبيحية" بحسب وصفهم.
وبينما كان المعلمون ينتظرون الاستجابة لمطالبهم، أصدرت المجالس المحلية في مدينة الباب، وبلدتي قباسين وبزاعة بياناً موحداً يوم الثلاثاء الماضي، هددت فيه المعلمين بالفصل إذا لم يتراجعوا عن مطالبهم ويعودوا إلى العمل، الأمر الذي عقّد الملف أكثر، وزاد من إصرار المعلمين على مواصلة الإضراب حتى تحصيل حقوقهم.
إضراب 2000 معلم وإغلاق 100 مدرسة
تركز إضراب المعلمين بدايةً في الباب وقباسين وبزاعة في ريف حلب الشرقي، ترافق مع وقفات احتجاجية ومظاهرات سلمية مدعومة من الأهالي والناشطين المحليين، تضامناً مع المعلمين، ثم توسع الإضراب لاحقاً ليصل إلى مدينة اعزاز وريفها.
وذكر المعلم في مدينة الباب، ماهر مخلع، أن أكثر من 2000 مدرّس أضربوا عن العمل، وقال لموقع تلفزيون سوريا إن الإضراب تركز في الباب وقباسين وأريافهما، ثم شمل كافة مناطق ريف حلب الشمالي والشرقي، حيث "التحق بالركب معلمو بزاعة ومارع وصوران وأخترين واعزاز".
وأضاف "مخلع" أن نحو 100 مدرسة أغلقت أبوابها بسبب الإضراب، ويدرس فيها أكثر من 60 ألف طالب، مشيراً إلى أن مطالب المعلمين كانت بسيطة، وهي زيادة الرواتب لما لا يقل عن 2000 ليرة تركية، بما ينعكس إيجاباً على المنطقة بالكامل، وإصلاح الواقع التعليمي بكافة جوانبه، في ظل نقص المدارس والكتب، وعدم وجود وسائل تعليمية، وحل مشكلة الأعداد الكبيرة في الشعبة الواحدة، حيث يوجد 60 طالباً في كل شعبة، ووضع نظام داخلي ينظّم العلاقة بين المعلمين والمؤسسة التعليمية.
"لا يوجد أي تجاوب"
تتكفل مديريات التربية والتعليم في المجالس المحلية بإدارة الملف التعليمي والمدارس في ريف حلب، والتي تنسق بدورها مع وزارة التربية التركية، وحاولنا معرفة وجهة نظر تلك المديريات - وخاصة في مدينة الباب - حيال مسألة الإضراب، لكن لم تتم الإجابة على الاستفسارات.
بدورها أخلت الحكومة السورية المؤقتة مسؤوليتها حيال الملف، حيث قال المكلف بتسيير أعمال وزارة التربية والتعليم في الحكومة، عبد الله عبد السلام، لموقع تلفزيون سوريا، إن الحكومة ليس لديها أي مدرسة، ويشمل ذلك المنطقة الممتدة من عفرين بريف حلب، حتى رأس العين بريف الحسكة، مؤكداً أنهم غير مسؤولين عن أي مدرسة أو معلم أو مديرية، لكونها تتبع بالمجمل للمجالس المحلية.
وأفاد محمد طباش، أحد ممثلي مدارس الباب، بأنهم لم يتلقوا أي تجاوب من المجالس المحلية أو الجانب التركي، مضيفاً: "على العكس تماماً، فوجئنا بقرار صادم صادر عن المجلس المحلي في مدينة الباب، يهدد فيه بفصل كل معلم لا يستأنف العمل".
وهدّدت مجالس الباب وقباسين وبزاعة المعلمين الذين أضربوا عن العمل، بقطع رواتبهم عن الأيام التي تغيّبوا فيها، والفصل في حال استمرار الإضراب، وجاء في البيان الموحد للمجالس أنه "سيقتطع من رواتب المعلمين بعدد الأيام التي تغيّبوا فيها، في حال لم يعد إلى دوامه حتى يوم الأربعاء (20 تشرين الأول 2021)".
ولفت البيان إلى أنّ المعلمين الذين يستمرون بعد هذا التاريخ بالتغيّب، سيتم إنهاء وظيفتهم وذلك بموجب النظام الداخلي للمجلس المحلي"، داعياً المعلمين إلى العودة لمدارسهم "حتى لا يتعرّضوا إلى أي عقوبة أو فصل من عملهم".
"طلبنا موجه إلى الجانب التركي"
ذكر المعلم "مخلع" أنهم عندما بدؤوا الإضراب، وكتبوا بيانهم الأول، كانت المطالب موجهة إلى أصحاب القرار، والمقصود هنا، الجانب التركي ومديري ملف التعليم في المنطقة (الأتراك)، لأن قرار زيادة الرواتب ليس بيد المجلس أو التربية.
وأضاف: "لم نجتمع مع المجلس المحلي في مدينة الباب أو مديرية التربية، فطلبنا ليس عندهم، وقد اجتمعنا مع ممثلي فصائل الجيش الوطني السوري والفعاليات المحلية الأهلية على أمل حل المشكلات العالقة".
ووفقاً لـ "مخلع" فإن المجالس المحلية لجأت للتهديد بالفصل، لأنها لا تملك أي حلول للمشكلة، فالمدارس مغلقة، والمعلمون يطالبون بزيادة الراتب وتحسين الواقع التعليمي، لذلك ظنوا أن الأمر يمكن أن يحل بالتهديد، وهو شيء مرفوض بشكل قاطع، لذلك سيستمر الإضراب حتى تحقيق كافة المطالب مهما كانت ردود الأفعال.
"تعجرف وتعامل بفوقية"
يؤكد المعلمون أن إضرابهم عن العمل، لم يكن بسبب ضعف الرواتب فقط، بل لكثير من الأسباب، وعلى رأسها فشل مديريات التربية في إدارة الملف التعليمي، فضلاً عن التعامل مع المعلم "بشكل تشبيحي وفوقية وعجرفة".
وأشار المعلم في مدينة الباب "محمود المصطو" إلى أن سبب إضراب معظم المعلمين يعود إلى فشل مديريات التربية، وضرب "المصطو" مثالاً على ذلك، حيث قال: "بداية العام الدراسي 2021 / 2022 لم نجد كتباً بالمدارس، وعندما سألنا مدير التربية، أجاب بأن على الأطفال شراء الكتب".
وتابع: "الراتب قليل جداً، وحقوقنا مهضومة، وفوق ذلك، نحن مطالبون بزيادة عدد ساعات الدوام، وهناك فوقية بالتعامل معنا، وحتى عندما استدعونا لمعرفة سبب الإضراب، كان ذلك بطريقة سيئة جداً، وعندما نوجه سؤالاً للإداريين المحليين سواء في التربية أو المجلس، على الفور يلقونه على عاتق الجانب التركي".
تشكيل نقابة للمعلمين
في 19 تشرين الأول، أعلن معلّمون في مدينة الباب وبلدة قباسين شرقي حلب، مواصلتهم الإضراب وتشكيل نقابة للمعلمين، بعد تهديد المجلس المحلي في الباب بقطع رواتبهم وفصلهم، في حال لم يُنهوا إضرابهم، مؤكدين أن النقابة ستكون الممثل الشرعي الوحيد لحراك المعلمين السلمي في سبيل تحقيق أهدافهم.
وأعرب المعلم "المصطو" عن أسفه بسبب تأخير تشكيل نقابة للمعلمين إلى هذا الوقت، لكنه بارك الخطوة، وذكر لموقع تلفزيون سوريا، أن الهدف من النقابة هو ضمان الحقوق، وجعلها منبراً للتحدث باسم المعلمين، ووضع نظام داخلي، لأجل معرفة "ما لنا وما علينا".
من جانبه ذكر "مخلع"، أنه سيتم خلال الأيام القادمة وضع الآليات المناسبة لانتخاب مسؤول للنقابة من قبل جميع المعلمين، لتشكل جسماً شرعياً وحيداً يمثل المعلمين ومطالبهم، ويحاول حل مشكلاتهم، ويحدد الحقوق والواجبات، والحد الأدنى للرواتب.
ما خيارات المعلمين؟
بحسب "المصطو"، إن خيار المعلمين الوحيد إذا لم تتم الاستجابة لمطالبهم، هو الاستقالة الجماعية، والذهاب للعمل في أي مجال آخر، لكون ذلك فيه حفظ للكرامة، بعد أن صدر "تصرف تشبيحي من بعض المجالس المحلية" يتمثل بتهديد المعلمين بالفصل.
أما "مخلع" فقد قال: "وضعنا خططاً وخيارات بديلة إذا لم يتم الاستجابة لمطالبنا، معظمها تصعيدية، تهدف إلى زيادة الضغط حتى تحقيق المطالب".
وشدد المعلم "طباش" على مواصلة إضرابهم عن العمل، وأن لديهم خططاً "تصعيدية" كثيرة، منها النزول إلى الشارع وتنظيم وقفات احتجاجية واعتصامات، ومناشدة كل من يستطيع حل القضية، سواء في الداخل السوري أو الخارج، موضحاً أن خطواتهم القادمة ستكون على مراحل وبشكل حضاري، بحيث لا تمس الأمن أو تتسبب بالفوضى في البلد.
المسألة ليست متعلقة بالرواتب
حاول المعلمون التأكيد أكثر من مرة، على أن مطالبهم لا تقتصر على الرواتب، وهو ما أشاروا إليه خلال الوقفات الاحتجاجية التي نظموها خلال الأيام الماضية في مدن وبلدات ريف حلب الشمالي والشرقي.
الناشط الداعم لحراك المعلمين، محمد أبو النصر، قال إن البعض يتوهم بأنّ الحراك الأخير للمعلمين والناشطين حول ملف التعليم يهدف إلى رفع رواتب المعلمين، وهذا خطأ كبير جداً، مع أن تحسين أحوال المعلمين أمر مهم وأساسي، ولا يمكن أن تنصلح العملية التربوية دون أن يعيش المعلم بكرامة، ولكن في الحقيقة هناك "مصائب وطامّات لا تقل أهمية عن ذلك".
ومن الأمور التي تحدث عنها "أبو النصر"، عقلية التعاطي مع المعلمين، مستدلاً على ذلك بقرارات المجالس المحلية، التي "نشرت ما أُرسِل لها، وهو مثال على العقلية الأمنية التي تدير الملف التعليمي، وتتعامل مع المعلمين كأعداء، وتمنعهم من أبسط حقوقهم، ولو حتى إقامة صندوق تكافل اجتماعي للمساعدة عند المرض والوفاة، وليس نقابة، فكل من حاولوا إقامة هكذا مشاريع تم تهديدهم بالفصل والملاحقة ومنعهم والتضييق عليهم".
وأضاف: "من المشكلات، إفشال مركزية التعليم وامتحانات البكالوريا التي نجحت في المناطق المحررة ومثال ذلك: ما يحصل من عملية تفشيل ممنهجة لمركزية التعليم، فسابقاً استطاع الشرفاء في قطاع التربية المحافظة على جودة ومركزية وتوحيد امتحانات الثانوية العامة، حتى أتت الإدارة التركية وحولتها لامتحان يتبع المجلس المحلي في كل بلدة، علماً أن المجالس المحلية لا تمتلك نظاما داخليا للتعليم ما قبل الجامعي، وفي الحقيقة الأمر يندرج في إطار سياسة تهميش أي مشروع مركزي وطني للسوريين، ولهذا لم يعد عندنا قاعدة بيانات مشتركة لشهادات البكالوريا، لأنه صار عندنا أكثر من شهادة بكالوريا، ولم يعد عندنا إدارة جيدة لملف الامتحانات، وهذا نلمسه جلياً واضحاً بين الطلاب في السنة الأولى للجامعة، بين من درس بكالوريا الائتلاف وبين من درس بكالوريا المجالس المحليّة".
وأردف: "بالعموم امتحانات بكالوريا المجالس ضعيفة لا يمكن أن تقارن بجودة وتنظيم ما أقامته مديريات التربية الحرة طيلة السنوات الماضية من الحرب، ثم بعد كل ذلك، يمنعون حتى إقامة امتحانات بكالوريا الائتلاف، فيضطر طالب عفرين للقدوم إلى اعزاز ليقدم الامتحانات، ولولا أن جامعة حلب الحرّة قدمت مبانيها لم تكن امتحانات البكالوريا لتتم، إذ منعوا إقامتها في المدارس".
إحدى المشكلات.. شغل المدارس بأمور غير تعليمية
تطرق "أبو النصر" إلى "اختصار الكوادر الإدارية بشكل مخل"، حيث قال: "يكفي أن تتخيلوا بأن هذه المدارس الضخمة المكتظة بالطلاب ليس فيها سوى مدير ومعه معاون، (لكل 300 طالب يضاف معاون آخر!)، ولا وجود للموجهين ولا لأمانة السر ولا لأمين مكتبة".
وأكد على الغياب الكامل لدور الإشراف التربوي، إذ إن وظيفة موجه اختصاصي ومشرف تربوي غير موجودة، رغم الحاجة الكبيرة لها، خاصة أنه ونتيجة ظروف الثورة تخرّج الكثير من المعلمين والمعلمات بمستوى يحتاج الكثير من المتابعة والتوجيه لتطوير مستوى وأداء المعلمين حديثي التخرج.
وطرح "أبو النصر" مشكلة أخرى، قائلاً: "شغل المدارس بأمور غير تعليمية، وهنا عندما نتحدث عن أهمية تسليم المدارس المشغولة كمقرات، فنحن لا نتحدث عن فصائل الجيش الوطني الحر، لأن المدارس تشغلها جهات مدنية وعسكرية تتبع الإدارة التركية، فمثلاً، في مدينة تكتظ مدارسها بالطلاب كمدينة الباب، هناك إشغال لتسعة أبنية مدرسية ضخمة (الشرطة المدنية مدرستين، السجن مدرسة، العدلية مدرسة، الشرطة العسكرية ودوائر المجلس المحلي، يشغلون مدرسة الصناعة، وهي مدرسة ضخمة مؤلفة من 5 كتل أبنية كبيرة)".
وتابع: "في مدينة عفرين: الجهات غير التعليمية تشغل الكثير من المدارس منها مثلاً (مدرسة أمير الغباري وهي مدرسة ضخمة جداً تتسع لـ 4500 طالب، ومدرسة التجارة، مكاتب التربية، مدارس مدينة جنديرس وعددها 3)، كما يوجد في مدينة اعزاز أيضاً مدرستان مشغولتان لصالح الشرطة المدنية والعسكرية".
تعليق رسمي.. نتحمل مسؤولية معالجة المشكلة ومخاطبة المعنيين
في أول تعليق رسمي من المجالس المحلية على الملف، نشر رئيس المجلس المحلي في مدينة أخترين بريف حلب، خالد ديبو، منشوراً على صفحته في فيسبوك، قال فيه: "نثمن ونقدّر الحراك الذي يقوده المعلمون في سبيل تحسين الواقع المعيشي ونفتخر بهذا الحراك الذي يعبّر عن مدى الحريات في مناطقنا ونحيي نضالهم النبيل، كما نحترم حقوقهم في المطالب وإصرارهم على تحقيق مطالبهم وهذا ما نراه ثمرة من ثمار ثورتنا ونضال شعبنا".
وأوضح "ديبو" أن رواتب الموظفين العاملين في القطاع العام سواء عمال المجالس أو الأوقاف والشرطة والجيش الوطني لا تتجاوز رواتب المعلمين في "المناطق المحررة" بل بعضها لا يتجاوز النصف، مضيفاً أن "هذا ليس تبريراً ولكن توضيح، ونعلم أنه غير كافٍ لكن قلة الموارد هي الفيصل في تحديد مستوى وحجم الرواتب وإننا سنسعى جاهدين لتحسين الواقع المعيشي للمعلمين ولجميع الموظفين في المناطق المحررة بما يتناسب مع الوضع الاقتصادي".
واستطرد "قامت الجهات الرسمية في منطقة درع الفرات بمخاطبة المسؤولين عن منح الرواتب بالوسائل الممكنة في كل وقت مناسب، وتم أخذ الوعد من المعنيين بالممكن خلال فترة قصيرة، وللتأكيد على الحق في زيادة الرواتب للمعلمين نرى أن الاحتجاجات تطوّرت إلى درجة وجود أزمة تقتضي منا جميعاً حلها، حيث تمت الدعوة إلى إغلاق المدارس لإيصال الرسالة عبر هذا الإجراء".
واعتبر أن "إغلاق المدارس وحرمان الطلاب من الحصص الدراسية وحق التعليم هو تصرف متسرّع نتيجة ردة فعل ما، فلا يمكن أن تكون الوسيلة إغلاق المدارس لأجل غاية زيادة الرواتب والأجور، كما أن الردّ القاسي على المطالب المشروعة أيضاً غير مبرر دون وجود حوار ووعود قابلة للتحقيق من قبل المعنيين، كذلك فإن استصغار أي مطلب يخلق خلافاً في المجتمع وبؤرة توتر بين المعلمين وأولياء أمور التلاميذ وتحميل المعلم مسؤولية التقصير وهو أمر لا نريده ولا نتمناه".
وختم "ديبو" منشوره قائلاً: "باسمي وباسم مجلسنا المحلي نتمنى على الإخوة المعلمين في مدينة أخترين وريفها خاصة، ومنطقة درع الفرات عامة، متابعة عملهم وأداء واجبهم نحو الجيل، وعلينا في مواقع المسؤولية معالجة المشكلة ومتابعتها ومخاطبة المعنيين لزيادة الرواتب والأجور ككل، وتحسين الوضع المعيشي للموظفين والمعلمين والتأكيد على حق الحياة الكريمة للجميع".