لم يكن مشهد الممثلة "أمل عرفة" ضمن مسلسل "كونتاك" والذي أظهر عناصر يرتدون زياً مشابهاً لعناصر الدفاع المدني السوري، وصورهم على أنهم يفبكرون مشاهد الأطفال الجرحى والدمار، سوى محطة صغيرة في رحلة الآلة الإعلامية لنظام الأسد وروسيا التي تعمل على تشويه صورة مؤسسة الدفاع المدني العاملة خارج مناطق سيطرة النظام والمعروفة باسم "الخوذ البيضاء".
وسبق هذا المشهد أن نشرت وكالة "سبوتنيك" الرسمية الروسية تقارير عديدة ادعت فيها امتلاك "الدفاع المدني" لمواد كيماوية، واتهمتها بتلفيق الهجمات التي نفذها النظام مستخدماً الغازات السامة في الغوطة الشرقية بريف دمشق وخان شيخون، كما ادعت الوكالة في تقارير عديدة لها أن المؤسسة مرتبطة بتنظيمات إرهابية كـ "جبهة النصرة"، بل ذهبت موسكو أبعد من ذلك عندما طالبه مندوبها بمجلس الأمن خلال جلسة مغلقة شهر تشرين الأول / أكتوبر 2018 الدول الغربية بإخراج عناصر "الدفاع المدني" من سوريا، معتبراً أنهم يشكلون خطراً.
ومن الملاحظ أن تركيز النظام من خلال وسائل إعلامه وصناعة الدراما التي تتم في أقبية المخابرات، يستهدف "الخوذ البيضاء" بشكل منظّم، وأكثر من أي فصيل عسكري أو كيان سياسي من معارضيه.
الخوف من تأثير "الخوذ البيضاء" على الرأي الداخلي
إن الخاصية البارزة التي ميزت عمل الدفاع المدني أو "الخوذ البيضاء" تركيزه على الجانب الإنساني وعدم اقتحام العمل السياسي، وقد عبر في أكثر من مناسبة عن استعداده لإنقاذ حياة الأبرياء في أية منطقة من سوريا، لكن النظام هو من يمنعه من تقديم الخدمات في مناطقه.
وبسبب اختصاص الدفاع المدني في الشق الإنساني والمواقف المتكررة التي ظهر فيها من إسعاف الأطفال والنساء والموثقة بعدسة الكاميرات، والتي يتم تداولها على نطاق واسع، تسربت إلى النظام خشية من تأثير هذه المواقف في آراء ومعتقدات شرائح الشعب السوري حتى مؤيديه، فعمل على نسف مصداقية تلك المشاهد من خلال تكريس فكرة مفادها أن ما تنشره مؤسسة الدفاع المدني مفبرك، في مشهد يعيد إلى الأذهان تعاطي النظام مع وسائل الإعلام العربية والعالمية التي عملت على تغطية المظاهرات السلمية في مطلع عام 2011، واتهاماته لقناة الجزيرة بفبركة مقاطع للمظاهرات في قطر، وتوزيعها المال وحبوب المخدر على المتظاهرين وغيرها من الدعايات الهادفة للتأثير على مصداقية تلك الوسائل لمنعها من التأثير بأفراد الشعب.
المهام التوثيقية للدفاع المدني
منذ تأسيس "الدفاع المدني" في عام 2013، عمل على توثيق الجرائم والانتهاكات التي ارتكبها النظام بحق الشعب، سواء عن طريق الأسلحة التقليدية أو المحرمة دولياً، وقد امتلكت المؤسسة خبرة جيدة في هذا المجال، كما استفادت في ذلك من بعض التجهيزات التي حصلت عليها من المانحين الدوليين، الأمر الذي أدى لتنامي خشية النظام السوري وروسيا من هذه المؤسسة المدنية.
ورأى مدير الدفاع المدني "رائد الصالح" خلال حديثه مع موقع تلفزيون سوريا أن النظام وروسيا من خلال تشويه صورة الدفاع المدني يسعون لطمس معالم جريمتهم.
وأضاف قائلاً: "السبب الرئيسي لما نتعرض له من تشويه أن الجريمة دائماً ما يكون فيها مجرم وضحية وشاهد، والمجرم الذي يريد أن يتخلص من العقاب يسعى لقتل الشاهد، وعملية تشويه سمعتنا هي بمثابة قتل للشاهد الذي شهد على كل الجرائم التي ارتكبها النظام وحلفاؤه".
وأكد "الصالح" أن عناصر المؤسسة كانوا شهوداً ووثوقوا الكثير من حالات استخدام الأسلحة الكيماوية، والكثير من المجازر منذ تأسيس الفريق عام 2013 وحتى يومنا هذا.
المصداقية الدولية
اعتبر "رائد الصالح" أن السبب الثاني الذي يدفع روسيا والنظام السوري لتشويه صورة "الدفاع المدني" هو المصداقية الدولية التي حازت عليها المؤسسة، حيث تتمتع بتواصل جيد مع العديد من الدول ومنظمات الأمم المتحدة المختلفة، وسبق بأن زودتها بأدلة على الانتهاكات المرتكبة.
وسبق لمدير الدفاع المدني أن حضر جلسة مجلس الأمن في شهر أيلول / سبتمبر عام 2015 وقدم شهادته حول الانتهاكات والجرائم التي ارتكبها النظام في سوريا، بما فيها استخدام الغازات السامة ضد المدنيين، كما زار مدير المؤسسة العديد من الدول وأبرزها بريطانيا عندما التقى وزير خارجيتها "جيرمي هينت" في شهر تشرين الثاني / نوفمبر عام 2011.
المؤسساتية
ظهرت منظمة الدفاع المدني طيلة السنوات الست التي عملت فيها على الأراضي السورية بمظهر المؤسسة المتماسكة، حيث لها هيكل هرمي على رأسه مدير، ولديها مدراء أفرع في المحافظات، وقادة فرق منتشرين بمختلف المدن والبلدات، ولديهم زي رسمي موحد، وأظهروا قدرات فاقت قدرة فرق الدفاع المدني التابعين للنظام الذين من المفترض أن أجهزة دولة تشرف عليهم وتسخر لهم كافة الإمكانيات.
ولم تعرف المنظمة منذ تأسيسها أي عملية تصدع أو خلافات أو انقسامات كما حصل مع كثير من الفصائل والأحزاب والأجسام السياسية المعارضة لنظام الأسد، الأمر الذي أكسبها شرعية وموثوقية كبيرة، دفعت المتظاهرين لإطلاق تظاهرات تحت شعار"الدفاع المدني ينقذنا" في شهر تشرين الأول / أكتوبر 2018.
وتظهر عملية استهداف النظام وروسيا لسمعة الدفاع المدني وقبلها المجلس الوطني السوري عند تأسيسه ومحاولة إلصاق صفة العمالة والخيانة به، وكذلك سعيه لتشويه صورة هيئة الأركان التابعة للجيش السوري الحر، أن نظام الأسد يخشى بشكل كبيرمن أي مؤسسة قادرة على العمل بشكل منظم، وتمتلك مقومات لتقدم نفسها كبديل عن مؤسساته في المحافل الدولية.