يواصل أنصار حزب التحرير-ولاية سوريا نشاطهم الاحتجاجي في إدلب شمال غربي سوريا وذلك ضمن حملة "لا لجريمة الحل السياسي.. نعم لإسقاط النظام وإقامة الخلافة"، والتي أطلقها الحزب منتصف آب/أغسطس الجاري، وتركزت فعاليات الحزب في 15 بلدة وقرية وتجمعاً للنازحين في ريفي إدلب الشمالي والغربي وبشكل أقل جنوباً في أريحا وريفها وفي ريف حلب الغربي.
وتنوعت الفعاليات بين وقفات احتجاجية وأخرى جوالة وشاركت النساء في بعضها، وألقى أعضاء في الحزب في عدد من مساجد المنطقة خطباً تحذر من الحل السياسي بالإضافة إلى النشاط المعتاد لأعضاء الحزب في توزيع ولصق المنشورات على الجدران في المناطق المستهدفة بالحملة.
وبرغم التضييق الذي تمارسه "هيئة تحرير الشام" على أنصار "حزب التحرير" في مناطق نفوذها إلا أن نشاطهم خلال الحملة الحالية بدا مكثفاً وأكثر تنظيماً وشمل مناطق بعيدة عن المراكز التقليدية التي يتجمع فيها أنصاره، وهذا يؤشر إلى أن الحزب ما يزال مؤثراً ولديه انتشاره الواسع في مناطق المعارضة السورية ولم تفلح ملاحقة "تحرير الشام" في إضعافه وحشر أنصاره في منطقة جغرافية معينة، أو على الأقل هذا ما تريد قيادة الحزب إيصاله كتحرك مضاد لحملة التضييق التي تمارسها "تحرير الشام" ضده.
حملة حزب التحرير
تتلخص الحملة التي أطقلها (حزب التحرير-ولاية سوريا) في رفض أي حل سياسي قد تفرضه الولايات المتحدة الأميركية في سوريا، كما ينادي أنصار الحزب بإسقاط كل الاتفاقات والتفاهمات التي تم التوصل اليها في سوتشي وأستانا برعاية روسيا وتركيا متهمين فصائل المعارضة و "تحرير الشام" بالتواطؤ والخيانة لأنهم يسهلون تطبيق بنود التفاهمات المفترضة في إدلب، ويرفع أنصار الحزب أيضاً شعارات تعبر عن رفضهم لمقررات مؤتمر جنيف 2012 والذي يرى الحزب في بنوده "فرضاَ للرؤية الأميركية والتي تتضمن الحفاظ على النظام وسحق الثورة السورية" بحسب تفسيرهم.
نظم أنصار "حزب التحرير" في أريحا جنوبي إدلب وقفة احتجاجية وسط المدينة، وتجول أنصاره المحتجين في بعض شوارع المدينة رافعين لافتات كتب على بعضها "الحل السياسي الأميركي سيعيد لنا الدستور الوضعي الذي يرضي الغرب ويسخط الرب" و "الحل السياسي الأميركي مكر دولي لإنقاذ النظام ومعاقبة كل من خرج في ثورة الشام" و "أهم بنود الحل السياسي الأميركي المحافظة على أجهزة القتل..الأمن والجيش" و"الثورة تعني إسقاط النظام والحل السياسي يعني إسقاط الثورة".
فعاليات مماثلة للحزب شهدتها بلدات الفوعة وكللي والدانا وتفتناز وكفر تخاريم والهباط وعين شيب وأرمناز ومعرة مصرين وفي منطقة المخيمات (الكرامة ودير حسان وأطمة) شمالي إدلب، وفي مناطق حلب تركزت فعاليات أنصار الحزب في بلدة السحارة ومدينة الأتارب، وتعتبر السحارة مركز ثقل كبير لأنصار "حزب التحرير" في ريف حلب، وتشهد بين الحين والآخر فعاليات وأنشطة تنظمها قيادة الحزب-ولاية سوريا. والقادة والأعضاء الأكثر نشاطاً في صفوف الحزب شمال غربي سوريا، رضوان الخولي، ومنير ناصر، وسامر عيد، ومرعي الحسن، ومدير المكتب الإعلامي أحمد الوهاب، وعامر السالم.
اللافتات هي النشاط الأبرز في الحملة، كتب على بعضها، "الحل السياسي الأميركي هو استبدال عميل بعميل آخر" و"من يرتجي من الغرب الكافر حلاً كمن يرتجي من الشوك العنب"و "أميركا هي سبب مآسينا فكيف نرضى بحلها السياسي" و"إسقاط نظام الإجرام وإقامة حكم الإسلام مرضاة للربنا وحفظ لتضحياتنا وغيظ لأعدائنا" و"الحل السياسي الأميركي حل قاتل ينضح بسمومه" و"جريمة الحل السياسي الأميركي مكر الليل والنهار للقضاء على ثورة الشام" و"الحل السياسي أخطر ما نتج عن المؤتمرات والاتفاقات فهو خيانة وتسليم للمناطق وبيع للتضحيات" و"إلى هيئة تحرير الشام هل اعتقال أعضاء حزب التحرير هو لرفضهم الحل السياسي الأميركي".
هيئة تحرير الشام تلاحق أعضاء حزب التحرير
اعتقل الجهاز الأمني التابع لـ"تحرير الشام" عدداً من أعضاء "حزب التحرير" أثناء عملهم في لصق المنشورات الورقية على الجدران في مدينة إدلب، وقال المكتب الإعلامي في حزب التحرير، إن "تحرير الشام اعتقلت خمسة من شباب حزب التحرير في 20 آب/أغسطس، أثناء وضعهم لملصقات ترفض الححل السياسي"، وذكرت جريدة الراية التابعة للحزب أن " أمنية هيئة تحرير الشام اعتقلت خمسة من شباب حزب التحرير بسبب وضعهم ملصقات ترفض الحل السياسي الأمريكي وتحذر منه، في وقت سمحت بإقامة معرض عرض رسومات لذوات أرواح محرمة شرعا، لقد بلغ طغيان أمنيات هيئة تحرير الشام مبلغا عظيما؛ جعلها تستخف بأحكام الله، فلم تترك موبقة من الموبقات إلا وفعلتها، ابتداء من قتل النفس مرورا بحماية الدوريات الروسية، وليس انتهاء باعتقال حملة الدعوة الذين يرفضون الحل السياسي الأميركي، ويدعون لحل يرضي الله، خلافة راشدة على منهاج النبوة".
الحملة الأمنية شملت أيضاَ مخيم أطمة، ومدينة بنش، وخرج أهالي المعتقلين والمختطفين لدى "تحرير الشام" في بيانات مصورة تطالب قيادتها بالإفراج عن آبائهم، كان آخرها بيان لأهالي المعتقلين في مخيم أطمة في 27 آب/أغسطس، وسبقه بيان آخر لأهالي بلدة عين شيب، جاء في البيانات المصورة "نحن أهالي المعتقلين نرفض العملية الأمنية التي تقوم بها تحرير الشام ونتساءل لصالح من هذه الحملة، وهل رفض الحل السياسي جريمة يستحق من ينادي بها الاعتقال"، وحذر الأهالي قيادة "تحرير الشام"، قالوا " نحذركم من غضب الأمة وأبلغوا سيدكم التركي أن من ثار على طاغية الشام قادر على أن يثور مابقي الطغيان".
صدام مستمر
بدأت حملة "تحرير الشام" الأمنية ضد "حزب التحرير" في إدلب بشكل أوضح منتصف العام 2019، بعد أن كثف أنصار الحزب من نشاطهم المناهض والعدائي اتجاه "تحرير الشام" والفصائل المعارضة وذلك في الوقت الذي كانت فيه مناطق جنوبي إدلب تشهد أعنف المعارك بين قوات النظام من جهة، والمعارضة من جهة ثانية، كانت المعارضة حينها تعيش أزمة حقيقية بسبب خسائرها الكبيرة أمام توغل قوات النظام المدعومة بالميليشيات الروسية والإيرانية، الخسائر التي اعتبرها "حزب التحرير" بمثابة تمثيلية تخفي الفصائل وراءها خيانتها وتسليمها للمناطق تباعاً وذلك تطبيقاً للتفاهمات الروسية-التركية، اتهم دعاة وأعضاء الحزب "تحرير الشام" والفصائل بالعمالة لتركيا، والارتهان للخارج، وإيقاف جبهات قتال وإشغال أخرى مع قوات النظام. هذا بالطبع بحسب اتهامات أنصار الحزب للمعارضة السورية المسلحة.
منتصف العام 2019، وفي الحملة الأمنية الأكبر للهيئة، اعتقلت أكثر من 11 شخصاً من أعضاء الحزب، وصادرت معدات وأجهزة من أحد مراكز البث الإذاعي التابعة للحزب، المداهمات شملت مدينة سلقين شمال غربي إدلب، و قرية خربة الجوز في ريف جسر الشغور وتمت مصادرة أجهزة ومعدات البث إذاعي من مقر الحزب في المنطقة الحدودية والمخصص لتغطية منطقة الساحل في ريف اللاذقية الشمالي، وأعتقل 4 أعضاء داخل المقر.
واعتقلت "تحرير الشام" في حزيران/يونيو من نفس العام، إمام جامع الشهداء في مدينة الأتارب أحمد القاصر، وهو أحد أعضاء الحزب النشطين، وشهدت المدينة تظاهرات شارك فيها العشرات مطالبين بإطلاق سراحه وحصلت صدامات وإطلاق نار لتفريق المتظاهرين، وأغلقت "تحرير الشام" في ذلك الوقت مركز بث إذاعي للحزب في كفر عويد جنوبي إدلب وصادرت معداته ووسائل اتصال وأموالاً مخصصة للأنشطة الدعوية. وسبق أن نظم الحزب مؤتمراً في ريف إدلب تحت عنوان "السلطان للأمة"، طالب فيه فصائل المعارضة العمل وبذل المزيد لأجل الوصول إلى "الخلافة الإسلامية" التي ينشدها الحزب.
يقول قادة ومنظرون في "تحرير الشام" في الرد على اتهامات أنصار الحزب، بأن "الخروج بالمظاهرات الفلكلورية هل سيحمي ولايتهم الورقية، وهل حفلات التهريج التي يقومون بها ستحرض المؤمنين على القتال، وبعد كل هذا الفصام الفكري والعبث الأخلاقي يخرجون ليوزعوا صكوك الخيانة والعمالة على المجاهدين، ويصوروا أنفسهم على أنهم الطائفة المنصورة وهنا يحق لنا أيضاً أن نتساءل لصالح من يعمل هؤلاء إذا علمنا أن أميرهم المسردب يقبع في بريطانيا".
يؤخذ على "حزب التحرير" وأنصاره أنهم لم يشاركوا مطلقاً في المعارك ضد قوات النظام منذ انطلاقة الثورة السورية، وهذا أبرز ما تتضمنه الردود المنتقدة للحزب، وبأن "شغلهم الشاغل المزاودة والطعن وتوزيع القصاصات الورقية المليئة فلسفة وتثبيطاً"، الإدريسي، وهو أحد منظري "تحرير الشام" قال على قناته في "تلغرام" إن "حزب التحرير واحد من الأحزاب المهترئة كالحذف لاتصيدُ صيدا ولاتنكأ عدوًّا ، و شخصيات مصابة بالترف الفكري لا تعرف من مٱسي الأمة إلا صورها من وراء الشاشات، وأقصى ما بإمكانه تقديمه هو التنظيرُ وبيعُ الكلام، ارجعوا للوراء فالكلمة اليوم للمجاهدين في الميدان".
من جهته قال القيادي في "تحرير الشام"، أبو عمر الفلسطيني، إن "أفضل حل لجماعة حزب التحرير إلباسهم الجعب وإعطاؤهم السلاح ورميهم في نقاط الرباط يوم وليلة ولنرى تطبيق لأفعالهم ولو مرة، ونفس الفعل مع أهل المزاودات وجماعة باعوها علهم يذوقون ما يذوق المجاهد"، أما الشيخ أبو بصير الطرطوسي، فيقول في جماعة حزب التحرير أنهم " الدواعش النَّواعِم، فالحزب منذ الأيام الأولى للثورة السورية، وهو يلعب دور المرجف، والمفرق، والطاعن والمخون، وكحاطب ليل، لا يبالي لمآلات أقواله وأفعاله، ومن المستفيد منها، فالكل ــ ما سوى حزب التحرير ــ في نظره متهم، وخائن وعميل ومرتبط وهذه إطلاقات من مرادفات التكفير لو كانوا يعلمون فهم من هذا الوجه الدواعش النواعم". ويضيف الطرطوسي "وهم كثيرو الثرثرة والجدال والكلام، والخربشة على الجدران وعديمو الفعل ويتشبعون بما لم يُعطَوا وبما ليس فيهم، خلاصة أفكارهم مجموعة من شذوذات وسَقَط أقوال المذاهب والفرق، ونصيحة مجرب ومشفق ومحب لأهلنا في سوريا أن لا يلتفتوا لهؤلاء المرجفين، وأن لا ينشغلوا بهم وبخرابيشهم، وأقاويلهم فهم حيثما حلوا، حلت معهم الفتن، والفرقة، والقال والقيل".
الكتائب المستقلة
تأسست الكتائب المستقلة مطلع العام 2020 في ريف حلب الغربي بعد أن خسرت المعارضة السورية الكثير من مواقعها في المنطقة لحساب قوات النظام، وغالبية عناصر الكتائب المفترضة هم من أبناء المنطقة في ريف الاتارب، لم يعلن حينها عن تبيعة الكتائب لكنها في الغالب أول ذراع عسكرية ل"حزب التحرير" بقيادة وليد غيبة القائد العسكري لغرفة عمليات الكتائب، وهو أحد منظري الحزب الذي لم يعلن رسمياً تبعية الكتائب له.
منتصف تموز/يوليو الماضي، استولت "تحرير الشام" (على مواقع للكتائب المستقلة في منطقة قريبة من خطوط المواجهة مع قوات النظام في ريف حلب الغربي، وهذه خطوة وصفتها الكتائب بأنها "تخدم مصالح النظام السوري"، وأوضحت في بيانها في ذلك الوقت بأن "تحرير الشام" استولت بقوة السلاح على نقاط رباطها في ريف حلب الغربي، بعد تهديد عناصرها، وأضافت أن ذلك جاء بعد أن أعطت الهيئة عناصر الغرفة مهلة لخروجهم، وأنها اضطرت لـ"تسليم نقاطها حقناً للدماء، ومنعاً لوقوع اقتتال لا يخدم سوى النظام وأعوانه والدول المتآمرة"، وأن ما حصل يندرج ضمن تنفيذ التفاهمات الدولية واتفاق "سوتشي".
تحرك "تحرير الشام" ضد "الكتائب المستقلة" جاء بعد أيام من إصدارها لقرار يمنع إنشاء أي تشكيل مسلح أو غرفة عمليات خارج غرفة عمليات "الفتح المبين" التي تجمعها مع فصائل المعارضة السورية "الجيش الوطني" و "الجبهة الوطنية للتحرير"، وكان المستهدف من القرار إلى جانب "الكتائب المستقلة"، تحالف تشكيلات "فاثبتوا" الذي يضم عدداً من التشكيلات الجهادية من بينها "حراس الدين".