icon
التغطية الحية

مدينة الباب.. "مَن لم يمت بالقصف والسيف.. مات بغيره"

2021.01.01 | 07:57 دمشق

albab_2.jpg
مدينة الباب شرقي حلب (إنترنت)
تلفزيون سوريا - سعيد غزّول
+A
حجم الخط
-A

ما يزال شبح الموت بأنواعهِ يُخيّم على مدينة الباب شرقي حلب - إحدى أكبر مدن الشمال السوري "المُحرّر" - التي دخلت في قبضة الفصائل العسكرية والجيش التركي بعملية "درع الفرات" قبل سنوات، ومنذ ذلك الوقت والموت ما يزال يتفنّن في اختيار العديد مِن الطرق والأسباب لـ قتلِ ضحاياه في المدينة.

قبل سيطرة فصائل "درع الفرات" على مدينة الباب، في 23 شباط 2017، لم يكن أبناء المدينة وساكنوها مِن المهجّرين بعيدين عن الموت وأسبابه، فقد عرفوه تماماً لـ درجةِ أنّه بات شبه حدثٍ يومي، وقدّموا - مرغمين - المئات بين قتيل وجريح بسبب غارات نظام الأسد ولاحقاً حليفته روسيا.

كذلك كان لـ تنظيم الدولة (داعش) حصّة علنيّة في قبض أرواح بعض أبناء المدينة - خلال فترة سيطرته بشكل منفرد من مطلع العام 2014 وحتّى مطلع العام 2017 - حيث كان "التنظيم" يوزّع الحياة والموت بين ساكنيها، فيَتهمُ مَن يشاء لـ يَجزّ رأسه ويصلبه، ويُبرّئ مَن يشاء فتُكتب له حياة جديدة، قد يخطفها موت آخر لاحقاً.

هذا الموت الآخر استمر حتّى خلال فترةِ تحرير الباب مِن تنظيم الدولة، فقد فقدت المدينة خلال 108 أيام مِن المعارك بين فصائل "درع الفرات" والتنظيم على أطراف المنطقة وتخومها، قرابة الـ 400 مدني، فكان "التحرير" بدايةً مصحوباً بأسرابٍ مِن الموت كانت تحلّق في سماء المدينة، وفق توثيق شبكات وصفحات إخبارية محليّة.

 

الموت بعد التحرير

قد يكون الحديث عن الموت في مدينة الباب - قبل تحريرها من إجرام النظام والتنظيم وأثناء تحريرها - أمراً شاقاً جدّاً (وإن كان أصلاً حديث المدن السوريّة كلّها منذ إعلانِ قيامتها ضد استبداد "آل الأسد" في آذار 2011)، ولكن الحديث عنه - بعد تحرير المدينة مِن قصف النظام وسيف التنظيم - أمراً يدعو للقلق والقهر معاً، خاصّةً أن أساس تحرير المدينة هو دفع الظلم عن أهلها، وإبعاد شبح الموت والمجازر عنهم ما استطاع "المُحرّرون" إلى ذلك سبيلا.

ويبدو أنّ سكّان المدينة - رغم التحرير - كُتب عليهم أن يموتوا فحسب - فمَن لم يمت منهم بقصفِ النظام وسيف التنظيم مات بغير ذلك (تعدّدت الأسباب والموت واحد) - وهذا الغير يسوده التفجير بسيارات ودراجات ملغّمة وعبوات ناسفة، ويليه مرتبةً (الاغتيال)، ويدور في فلكهما (الخطف) أحياناً، وكل ذلك يدعمه الخلل الأمني الذي يعتري المدينة، منذ الأيام الأولى لـ تحريرها، فضلاً عن معاناةِ الأهالي مِن سطوة المُمسكين بمفاصلِ إدارتها، خاصّةً الفصائل.


اغتيالات في وضح النهار

تقريباً لا يمر شهر - وأحياناً أسبوع - إلّا ويستيقظ الأهالي على أنباء اغتيال أحدٍ ما مِن أهالي مدينة الباب وسكّانها مِن النازحين الذين هجّرهم نظام الأسد مِن معظم المناطق السوريّة، ورغم أنّ عمليات الاغتيال لا تستثني أحداً في المدينة، إلّا أنّ المدنيين مِن مسؤولين محليين وناشطين وإعلاميين وإغاثيين الأكثر استهدافاً.

كان آخر هذه الاغتيالات، يوم 12 كانون الأول 2020، حيث اغتيل الصحفي والناشط الإعلامي حسين خطّاب المعروف باسم "كارة السفراني" - ينحدر مِن مدينة السفيرة جنوب شرقي حلب - على يد مجهولين أفرغوا في جسده - جهاراً نهاراً - بضع رصاصات وأردوه قتيلاً، أثناء إعداده تقريراً عن جائحة كورونا قرب أحد مخيمات النازحين عند المدخل الشمالي لـ مدينة الباب.

 

اقرأ أيضاً.. اغتيال الصحفي حسين خطاب.. منشور سابق يعود للواجهة والشرطة تعقب

عملية الاغتيال هذه أثارت مجدّداً سخط الأهالي والناشطين والإعلاميين الذين جدّدوا مطالبهم بمظاهرات وإضرابات لـ منع تكرار عمليات الاغتيال المستمرة تحت مرأى ومسمع جميع مسؤولي المدينة مِن شرطة مدنية وعسكرية وفصائل، حتى الجيش التركي المنتشر في قاعدة كبيرة تطل على المدينة كلّها، كما فتحت العملية باباً - ما يزال يتسع منذ 4 سنوات تقريباً - عن الخلل الأمني في مدينة الباب، التي تشهد أكبر عدد مِن التفجيرات والاغتيالات، لـ درجةِ أنّ شبّح القلق مِن موت مفاجئ - يحمله تفجير ما أو رصاصة غادرة قد تأتي على عجلٍ في أي لحظة - بات يحيط بالمدينة مِن كل جانب.

وشهدت المدينة أيضاً العديد مِن عمليات الاغتيال بحق شخصيات مدنيّة نقابية آخرها، خلال العام 2020 المنصرم، حيث اغتيل نقيب المكاتب العقارية (أحمد الطالب) برصاص مجهولين، يوم 25 حزيران، كما اغتيل نقيب المحامين (سعيد أنور الراغب)، يوم 22 آذار، بانفجار عبوة ناسفة زرعها مجهولون في سيّارته، فضلاً عن محاولة اغتيال تعرّض لها نقيب الصيادلة السابق (حامد الحامد)، يوم 14 تموز.

اقرأ أيضاً.. مجهولون يغتالون أحد الوجهاء في مدينة الباب

اقرأ أيضاً.. نجاة ناشط إغاثي مِن محاولة اغتيال في مدينة الباب

كذلك تعرّض العديد مِن أفراد قوى الشرطة والأمن العام في الباب لـ عمليات اغتيال كان آخرها، أواخر شهر تشرين الثاني الماضي، حيث اغتال مجهولون الملازم أول (حسين الجبلي)، كما أطلق مجهولون آخرون، مطلع شهر نيسان 2020، النار على الملازم أول في الشرطة "محمد خلف التمرو (أبو بشار)".

اقرأ أيضاً.. قتلى وجرحى بانفجار عند حاجز للشرطة في مدينة الباب

 

التفجيرات تحصد أرواح الأهالي

الموت عن طريق التفجيرات هو الأكثر انتشاراً وحصداً للأرواح في مدينة الباب، فهي ومنذ استعادة السيطرة عليها مِن تنظيم الدولة، تشهد تفجيرات بمختلف أنواعها مِن سيارات ودرّاجات ملغّمة إلى عبوات ولواصق ناسفة، فضلاً عن ألغامٍ مِن مخلّفات المعارك.

ورغم انتشار قوات الشرطة والأمن العام في عموم أرجاء مدينة وريفها، منذ العام 2018، وبلغ عدد أفرادها - وفق ما ذكرت مصادر محلية لـ موقع تلفزيون سوريا - قرابة الـ ألفي عنصر، وهي المدينة التي تحوز العدد الأكبر مِن قوات الشرطة، رغم ذلك استمرت التفجيرات، فضلاً عن تطوير المتهمين بها مِن نظام الأسد وتنظيم الدولة و"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) - المتهم الأبرز - مِن أدواتهم وأساليبهم، مستفيدين مِن الشرخ الأمني الواضح داخل المدينة وعلى معابرها مع الخصوم.

اقرأ أيضاً.. تفجير الباب.. اعترافات الفاعلين توضّح تكتيكات الحرب الأمنية لـ قسد

كان آخر تفجير في مدينة الباب، نهاية شهر تشرين الثاني 2020، حيث قضى 5 مدنيين وجرح آخرون إثر انفجار مجهول - تضاربت الأنباء حوله بين سيارة ملغّمة وغارات لـ طائرات حربية مجهولة - سبقه أكثر من 3 تفجيرات، خلال تشرين الأول 2020، أدّت إلى وقوع عشرات الضحايا المدنيين بين قتيل وجريح.

 

 

وفي كل مرّة تشهد فيها مناطق سيطرة فصائل الجيش الوطني في ريف حلب - على وجه الخصوص مدينة الباب - عمليات تفجير واغتيال، يبدي الناشطون والأهالي استغرابهم مِن تنفيذ تلك العمليات التي أصبح بعضها يُرتكب جهاراً نهاراً، متسائلين عن مئات العناصر مِن الشرطة المدنية والعسكرية وكاميرات المراقبة التي يُفترض أنها مزروعة في كل مكان، وهذا الاستغراب يفتح باب التساؤل لديهم أيضاً، هل هناك مستفيدون آخرون مِن عمليات الاغتيال على الأقل؟

اقرأ أيضاً.. بعد مجزرة الباب.. الأهالي يقدّمون لـ تركيا ورقة لضبط أمن المدينة

 

خطف وترويج مخدّرات وفوضى انتشار السلاح

إضافة إلى التفجيرات والاغتيالات فإنّ مدينة الباب - وغالباً معظم المناطق التي يسيطر عليها الجيش الوطني - تشهد انتشاراً كبيراً لـ حوادث الخطف والسرقة وتجارة المخدّرات وترويجها، المترافقة مع فوضى انتشار السلاح بشكل عشوائي بين آلاف المدنيين، فضلاً عن اقتتال - ما يزال يتكرّر - بين الفصائل المسؤولة عن حماية المنطقة.

قبل أيام، تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، مقطعاً مصوّراً يُظهر ما قالوا إنّه "اختطاف الشاب (سعيد مشنوق) في وضح النهار مِن أمام محلّه بمدينة الباب"، إضافةً لـ اختطاف الشاب (فؤاد قولا) مِن أمام منزله، متسائلين عن دور الشرطة المدنية والعسكرية والفصائل والدوريات التي يُفترض أنّها تجوب المدينة ليلاً نهاراً، فضلاً عن الحواجز التي تسدّ مداخل المدينة ومخارجها.

بالنسبة لـ المخدرات، يتكرّر إعلان قوات الشرطة والأمن العام الوطني في مدينة الباب عن مداهمة العديد مِن الأوكار التابعة لـ تجّار ومروجي مواد مخدّرة في المدينة، وإلقاء القبض على بعضهم، والاشتباك مع بعضهم الآخر، التي تسفر أحياناً عن وقوع قتلى.

اقرأ أيضاً.. الباب.. مقتل متهم بتجارة المخدّرات بمواجهة مع الشرطة

اقرأ أيضاً.. الباب.. مواجهات بين الجيش الوطني وعناصر مطلوبين له

كذلك تنشط تجارة السلاح في مدينة الباب - وعموم مناطق سيطرة الجيش الوطني - ما يسهّل امتلاكه بالنسبة للمقاتلين والمدنيين بصورة كبيرة، دون الحاجة للحصول على تراخيص، أو وجود جهات رقابية، رغم جميع التعميمات الصادرة عن قيادة الشرطة لـ منع السكّان والعناصر مِن حمل الأسلحة "غير المرخّصة"، وهذا الانتشار العشوائي للسلاح كان - وما يزال - أحد أسباب الفلتان الأمني الذي يؤدّي إلى انتشار السرقة والخطف والاغتيالات وتسهيل الاقتتال بين الأهالي والفصائل، ما يدفع كثيرا مِن المدنيين إلى امتلاك السلاح مِن أجل "الدفاع عن النفس".

اقرأ أيضاً.. تعليمات للجيش الوطني بشأن حمل السلاح خارج الثكنات

 

تهريب واقتتال بين الفصائل

في مطلع العام 2020، قضى عدد مِن المدنيين وجُرِح آخرون باشتباكات اندلعت بين مقاتلين مِن فصيلي "الجبهة الشامية" (الفيلق الثالث) و"أحرار الشرقية" (الفيلق الأول) التابعين للجيش الوطني، على طريق قرية سوسيان شمالي الباب، وكان الاشتباك حينذاك - وفق المصادر - بسبب عمليات التهريب مِن وإلى مناطق سيطرة "النظام" و"قسد"، رغم إصدار الجيش الوطني قراراً يمنع عمليات التهريب.

وحسب المصادر فإنّ بعض فصائل الجيش الوطني تتبادل الاتهامات حول تورطها في عمليات تهريب البضائع الغذائية والأغنام ومواد النحاس إلى مناطق سيطرة "قسد" ومناطق سيطرة قوات النظام في ريف حلب، ما يؤدّي إلى اقتتالها فيما بينها وسقوط قتلى في صفوفها، فضلاً عن وقوع ضحايا مدنيين.

اقرأ أيضاً.. بسبب التهريب.. ضحايا مدنيون باشتباك فصيلين قرب مدينة الباب

وتشهد - باستمرار - المناطق التي سيطر عليها الجيشان التركي والوطني السوري ضمن عمليات "نبع السلام" و"درع الفرات" و"غصن الزيتون"، توترات وخلافات واشتباكات بين الفصائل، أدّت - في معظمها - إلى وقوع ضحايا مدنيين، فضلاً عن سقوط قتلى وجرحى في صفوف الفصائل المقتتلة.

اقرأ أيضاً.. بعد اقتتال.. صلح بين فصيلين في الشمال السوري (فيديو)

 

أسباب الخلل الأمني في مدينة الباب

رغم انتشار آلاف المقاتلين مِن الفصائل العسكرية وعناصر الشرطة في مدينة الباب ومحيطها، ما زالوا منذ نحو 4 سنوات مِن تحرير المدينة - وفق الأهالي - غير قادرين على حماية سكّانها مِن تفجير السيارات والدرّاجات الملغّمة، والعبوات الناسفة، والاغتيالات، والمفسدين، وتجّار السلاح، ومروّجي المخدّرات، التي تضرب أمن المدينة واستقرارها، وتودي بحياة العديد مِن المدنيين.

القائمون على إدارة مدينة الباب مِن مؤسسات وفصائل يشيرون دائماً بأصابع الاتهام عند حدوث أي تفجير أو اغتيال أو اختراق أمني إلى ثلاث جهات نظام الأسد وتنظيم الدولة (داعش) وإلى "قسد"، التي تعدّ المتهم الأبرز، فقد تحدّث مصدر في الشرطة العسكرية - فضّل عدم الكشف عن اسمه - لـ موقع تلفزيون سوريا عن قراءة واقع مدينة الباب أولاً مِن عين أمنيّة، ومِن خلالها - وفق قوله - يمكن معرفة الأسباب الحقيقة لـ الخلل الأمني في المدينة وعموم مناطق سيطرة فصائل الجيش الوطني.

يقول المصدر إنّ مدينة الباب شهدت - منذ تحريرها مِن تنظيم الدولة - العديد مِن التفجيرات والاختراقات الأمنيّة راح ضحيتها مئات الأبرياء، مضيفاً أنّ الباب تعدّ منطقة مفتوحة على "أعداء الثورة" بحكمِ جغرافيتها المحاذية لـ مناطق سيطرة نظام الأسد و"قسد"، ما يسهّل عملية انتقال "الإرهابيين" إليها.

اقرأ أيضاً.. تفجير الباب.. أسباب الفشل الأمني والجهات المنفذة وأهدافها

وعن تنظيم الدولة - كأحد المتهمين في التفجيرات والاغتيالات - يرى المصدر أنّ "التنظيم استغلّ الالتزام الديني المعروف لـ أهل مدينة الباب في بناء مشروعها الخبيث، واستغّل حماس الشباب وزجّت بهم في أعمالها الدنيئة"، مردفاً أنّ "وعي أهل الباب حال دون تنفيذ التنظيم لـ مشاريعه في ضرب استقرار المنطقة وزعزعة النفوس عبر إقناعها بأنّ الاستقرار والأمان كان في عهدهِ وسيعود إن عاد".

وأشار المصدر إلى جانب آخر متعلّق بتعريض الاستقرار في المنطقة للخطر وهو الجانب "الجيوسياسي"، موضحاً أنّ "العديد مِن الدول المعادية للثورة السوريّة ترى أنّ ازدهار المناطق المحرّرة - ومنها الباب - خطراً على مشاريعها، لذلك دفعت مخابراتها بخلاياها للوقوف عائقاً أمام هذا الازدهار عبر تنفيذ عمليات إرهابية عن طريق وكلائها كـ(قسد) وغيرها، ما يضمن عدم استقرار المنطقة وإعادة تعويم (نظام الأسد) مرّة أُخرى".

 

مَن المسؤول عن الخلل الأمني؟

مِن جانبهم، يُحمّل معظم أهالي وسكّان مدينة الباب المسؤولية لـ أولئك القائمين على إدارة المدينة المنشغلين - وفق الأهالي - بأنفسهم وبمساعيهم في العمل على تداول السلطة فيما بينهم، بعيداً عن هموم المواطن الأكثر تضرّراً مِن الخلل الأمني الذي يعتري المدينة.

وقالت مصادر محليّة لـ موقع تلفزيون سوريا إنّ مؤسسات الشرطة المدنية والشرطة العسكرية التي تهيمن عليها الفصائل، تغيّرت مهامها مِن العمل على حماية الأهالي إلى توثيق عمليات الخطف والقتل والاغتيال وتقييدها ضد مجهول، إضافةً لـ تقديم بيانات الإدانة والتعازي فقط، كأنها غير معنيةَ ولا أساس مهامها استتباب الأمن والاستقرار في المنطقة وملاحقة المجرمين وتقديمهم للقضاء.

 

 

ومِن المصادر مَن يُرجع المسؤولية إلى "القوة الأمنية" - التي حلّت مكانها الشرطة العسكرية لاحقاً - ويطالبون بمحاسبتها لأنها كانت تُخرج معظم أسرى تنظيم الدولة (داعش) خلال معارك عملية "درع الفرات" مقابل مبالغ مالية، متهمين الشرطة العسكرية الآن وبعض الأجهزة الأمنية التابعة للفصائل بأنها تفعل ذلك أيضاً، وتقيّد الأمر على أنه هروب مساجين، حيث هرب، نهاية شهر نيسان 2020، ثمانية عناصر بينهم قياديون للتنظيم مِن سجن "الزراعة" التابع لـ"فرقة الحمزة" في الجيش الوطني بالباب.

ورغم تبنّي تنظيم الدولة لـ بعض عمليات الاغتيال في الباب - منها عملية اغتيال نقيب المكاتب العقارية (أحمد الطالب) - إلّا أنّ بعض المصادر المحلية التي تحدّثت لـ موقع تلفزيون سوريا، ترى بأنّ تبنّي "التنظيم" لا يعني بالضرورة أنّه الفاعل حقّاً، رغم عدم استبعاد ذلك فخلاياه ما تزال منتشرة في المنطقة، ومنهم مَن أفرجت عنهم الفصائل مقابل مبالغ مالية، وفق اتهام البعض.

اقرأ أيضاً.. تنظيم "الدولة" يتبنى قتل عناصر من الجيش الوطني في الباب

وسبق أن نفّذت طائرة أميركية مسيّرة، غارة قرب مدينة الباب أسفرت عن مقتل أحد عناصر تنظيم الدولة المدعو "فايز العكال" - قيل إنه كان والي التنظيم على الرقة -  وبيّن ناشطون حينها أن القتيل كان طوال الوقت يجوب جميع مناطق سيطرة الفصائل حاملاً بطاقة تعريفية باسم "أحمد حسين الدرويش" صادرة مِن المجلس المحلي في بلدة أخترين شمالي حلب ولم يكن أحد يعرفه.

هذا الأمر دفع الناشطين إلى التساؤل "كم مِن عنصر لـ تنظيم الدولة أو نظام الأسد أو قسد يجوب الآن في مناطق سيطرة الفصائل ويزرع العبوات ويلغّم السيارات والدّراجات وينفذ عمليات اغتيال وهو يحمل بطاقة تعريفية رسمية صادرة مِن المجالس المحلية في المنطقة؟"، الأمر الذي يفتح إلى جانب باب الخلل الأمني، باب الفساد في تلك المجالس أيضاً.

اقرأ أيضاً.. الباب.. الشرطة تبث اعترافات لـ أحد منفّذي التفجيرات (فيديو)

وحسب المصادر فإنّ التغيير الأخير في المجلس المحلي لـ مدينة الباب كان فقط على صعيد بعض الأشخاص، أمّا القرارات وآليات العمل هي هي لم تتغيّر، لم يقدّموا - منذ إعلان التشكيل الجديد في 13 تشرين الأول 2020 - إلّا المزيد مِن رفع الأسعار وفرض الضرائب على كل شيء مقابل "لا خدمات"، مع الاستمرار في الغموض حول العقود المبرمة مع الشركات التركيّة بخصوص الكهرباء وغيرها.

في الحقيقة لم يكن الموت في يوم مِن الأيام خياراً ثانياً لـ أهالي وسكّان مدينة الباب، فالموت حاضر في المدينة بكل أشكالهِ وأساليبه، سابقاً - قبل التحرير - عبر الغارات والقصف مِن نظام الأسد وحلفائه، وعبر الإعدامات مِن تنظيم الدولة، ولاحقاً - بعد التحرير - عن طريق التفجيرات والاغتيالات والاقتتالات، فأينما يمّم المدنيون وجههم فإنّ الموت ملاقيهم، ويتحيّن أي فرصة للانقضاض على أرواحهم، وسط "فلتان أمني" لم يعد القائمون على إدارة المدينة مهتمين في ضبّطه، فقد اعتادوه كما اعتاد الأهالي الموت ذاته.

 

ما الحل؟

الجميع في مدينة الباب تقريباً يُجمع على أنّ الخلل الأمني الذي تعاني منه المدينة ناتج عن عدم وجود تكاتف وتعاون أمني بين الفصائل - التي تقتتل فيما بينها حدّ الموت أصلاً - وأن الكثير مِن ضعاف النفوس يخترقون أجساد الجيش الوطني لأنّه لم يتمكّن من أن يكون جسداً واحداً - رغم مرور سنوات على تشكيله بدعمٍ تركي - وما يزال كل فصيل يتصرّف على هواه وباسمه ومنطقته، ويقيم الحواجز متى أراد، ويتسلّط على المدنيين ويفرض الإتاوات عليهم متى شاء.

ويرى الأهالي أنّ هناك تقصيرا واضحا مِن الجانب التركي في عدم الضغط على قيادة الفصائل التي تركت أمن المنطقة وانشغلت في إدارة المعابر وفتح أبواب التهريب على مصراعيها مع مناطق سيطرة نظام الأسد و"قسد"، ويرون أنّ الحل الأول في ضبط الأمن يبدأ مِن القيادة التركية، التي يُفترض أنها المسؤولة عن أمن المنطقة.

يشار إلى أنّ جميع الأجهزة الأمنية المنتشرة في مناطق سيطرة الجيش الوطني السوري تعاني مِن ضعف في الخبرات والإمكانات التي لا تُمكّنها في حالات كثيرة مِن الكشف عن الخلايا التي تنفّذ الاغتيالات وتُطلق السيارات المعدة للتفجير، وأنّ عدم التعاون بين الفصائل واقتتالها المستمر مع تراخي الجانب التركي في حسم موضوع الفلتان الأمني، يساعد الخصوم في تنفيذ مخطّطاتهم بضرب استقرار المنطقة وأمنها.