لم تكن مدينة إدلب مشهورة كما هي الآن، اسمها العريق أصبح متداولا في المحافل الدولية والسياسية؛ على الطاولة المستديرة للأمم المتحدة وفي قمة طهران الثلاثية وفي تغريدات الرئيس الأميركي دونالد ترمب.
إلا أن ذلك لم يوقف الغارات الروسية وصواريخ النظام الذي يهدد بالسيطرة على المنطقة، ولم تمنح تحذيرات المجتمع الدولي للأسد من استخدام السلاح الكيماوي المدنيين سوى خيارات وطرق قليلة يسلكونها للبقاء على قيد الحياة.
في ريف إدلب الجنوبي بعيدا عن طاولات السياسة الدولية، يحفر المدنيون المغاور والأقبية للاختباء من غارات المقاتلات الحربية الروسية التي لا تستثني الأحياء السكنية والمنشآت الخدمية والطبية التي استهدفتها الصواريخ وهي تحت الأرض في الأيام الماضية.
انتشر حفر المغاور والأقبية في المنطقة مع تزايد وتيرة التصعيد العسكري على إدلب، وتحولت مغاور حفرتها الطبيعة إلى منازل مؤقتة لعدد كبير من العائلات، لكنها قد تكون في الوقت نفسه مقابر جماعية بسبب استخدام روسيا لصواريخ ذات قوة تدميرية كبيرة وقدرة على اختراق التحصينات.
ويقول الناشط الإعلامي جابر بكري لموقع تلفزيون سوريا، إن السكان في ريفي إدلب الجنوبي وحماة الشمالي ينظفون مغاور يعود بعضها إلى العهد الروماني، إضافة لتجهيز مغاور تم حفرها حديثا بالإنارة والمؤونة لتتحول إلى ما يشبه بيتا صغيرا تحت الأرض على أمل حماية العائلات من القصف.
ويضيف "بكري" أن المغاور خيار مؤقت للمدنيين غير القادرين على مشقة النزوح والسفر مسافات طويلة، إذ يخطط سكان المنطقة إلى النزوح بشكل مؤقت شمالا باتجاه المخيمات وإلى الحدود السورية التركية، فيما يطمح آخرون إلى عبور الجدار الحدودي التركي والوصول عبر البحر إلى أوروبا.
ويتابع بكري" بشكل عام يحضّر الأهالي أنفسهم للنزوح لأن روسيا تستهدف كل المناطق بما فيها المغاور، لقد استهدفتها سابقا وأدى ذلك لاستشهاد عائلات كاملة، الناس يفكرون بالهجرة إلى تركيا ومنها إلى أوروبا وبعضهم يريد البقاء في تركيا لفترة مؤقتة ريثما تتضح الأمور".
ويرى "بكري" أن "الحفر الفردية" قرب المنازل تحمي المدنيين بشكل أفضل من المغاور وهي أكثر أمانا، حيث يستهدف النظام وروسيا المغاور التي يعتبرونها مقارا عسكرية.
استهداف الدفاع المدني
دخان وأصوات انفجارات قبل أن تسقط الكاميرا ويقع صاحبها على الأرض، ورغم القنابل العنقودية بقيت العدسة توثق لحظات اختلط فيها شهيق الموت بزفير الحياة، حدث ذلك خلال استهداف قوات النظام وحليفها الروسي لعناصر من الدفاع المدني أثناء إنقاذ المدنيين في مدينة خان شيخون بريف إدلب.
يشكل وجود الدفاع المدني في إدلب المهددة بالمجازر وبالسلاح الكيماوي، عامل أمل وأمان لدى سكان المحافظة، وطريقا للنجاة من موت محتمل جراء سقوط سقف منزل أو جدار فوق أصحابه.
ويبقى التحدي الأكبر للقبعات البيض والمدنيين مواجهة سلاح النظام الكيماوي في حال صحت التحذيرات الأممية والدولية والتي غالبا ما تنتظر الفعل لتكون قادرة على الرد.
وحول ذلك يقول رائد الصالح مدير منظمة الدفاع المدني لموقع تلفزيون سوريا، إن منظمته لاتمتلك الإمكانات القادرة على الاستجابة، في حال وقوع هجمات كيمياوية "لأن أي هجوم كيماوي للنظام سيمثل كارثة إنسانية يصعب الاستجابة لها".
ويضيف أن حفر الأقبية والمغاور لا يحمي من الغازات السامة الناتجة عن الهجوم الكيماوي بل يزيد من عدد الإصابات، لذلك ينصح"الصالح" بالصعود لأعلى مكان موجود في المنطقة والتحرك بعكس اتجاه الريح كي لاتصل الغازات السامة ويكون تأثيرها كبيرا.
ويتابع"في حال حدوث هجوم كيميائي أو عسكري ننصح المدنيين بالاتجاه للمناطق الآمنة مثل عفرين والحدود التركية، كي لا يقع عدد كبير من الإصابات... الآن يتم العمل مع بعض المؤسسات الإنسانية لإنشاء مراكز استقبال للمدنيين هناك".
ويشير "الصالح" إلى حملات توعية التي ينظمها الدفاع المدني لم تتوقف على مدار العام، وشملت إسعاف المصابين وطرق الإخلاء والتعامل مع القصف ومخلفات الحرب، إضافة للتصرف خلال الهجمات الكيماوية ونظام الإنذار المبكر.