سلّطت وسائل إعلام هولندية أضواءها على قصة نجاح لاجئ سوري تمكّن من فتح مطعم خاص، رغم كل الصعاب التي مرّ بها عقب وصوله إلى هولندا.
وبحسب صحيفة "دي ستينتور" الهولندية فإن اللاجئ السوري (مصطفى الحلبي)، كان يبلغ من العمر 6 سنوات تقريباً، عندما بدأ العمل في مطعم والده بسوريا: "تنظيف وغسل الأطباق والطبخ أحياناً".
ويقول مصطفى الحلبي: إنّ الأمور كانت تسير هكذا في سوريا، موضحاً أنّه "كصبي، عليك أن تبدأ العمل في أسرع وقت ممكن.. هذا يجعلك رجلاً".
وعندما بلغ مصطفى من العمر 16 عاماً، هرب من سوريا بناءً على نصيحة والديه بسبب الحرب في بلاده، لكن أيضاً تجنّباً للالتحاق بالخدمة الإلزامية عند بلوغه سن الـ18، قائلاً: "لدي صديق في الجيش السوري منذ 14 عاماً!".
وحاول "الحلبي" كسب لقمة العيش بعد أن وصل إلى تركيا ثم اليونان، مع تركيزه على الهدف النهائي وهو الذهاب إلى هولندا، البلد الذي فرّ إليه شقيقه سابقاً، والبلد الذي وقع في حبه عندما كان طفلاً.
يتحدّث "الحلبي" عن ذلك قائلأً: "عندما كنت في المدرسة كانوا يتحدثون عن جميع البلدان الأوروبية، لكنني أحببت هولندا.. هذا البلد الصغير الذي أصبح مشهوراً بحليبه وزهوره"، مضيفاً أنّ حبّ عمّه لكرة القدم الهولندية ساهم أيضاً في حبّه لهولندا: "لم أره قط غاضباً كما كان عندما خسرت هولندا في نهائي بطولة العالم 2010".
مصاعب خلال السفر
كغيره من اللاجئين، قرّر مصطفى الحلبي أن يسافر إلى هولندا بشكل غير شرعي، مشياً على الأقدام مع كيس نوم ورحلة غامضة: "كنت أتبع خط السكة الحديد"، مشيراً إلى أنّه كان ينام في الشارع: "في إحدى الليالي هطلت أمطار غزيرة.. وعندما استيقظت، تبيّن أن كيس النوم مملوء بالماء".
وصل مصطفى إلى المجر، ومن هناك كان يريد السفر إلى هولندا، لكن الأمر لم يسر على ما يرام، لأنها كانت أوّل دولة أوروبية يصل إليها واحتُجز فيها لمدة 10 أيام وأُخذت بصمات أصابعه ثم أٌفرج عنه وتابع رحلته، لكنه واجه مشكلة في ذلك -التبصيم- عندما وصل أخيراً إلى مركز تسجيل طلبات اللجوء في "تير أبيل" بهولندا.
"3 أعوام بلا إقامة وخوف من الترحيل"
بينما حصل العديد من اللاجئين السوريين على تصريح إقامة في غضون بضعة أشهر، كان على مصطفى الحلبي العودة إلى المجر، قاوم ذلك، وأُرسل مرات عديدة من مركز لجوء إلى آخر، حتّى وصل إلى مركز اللجوء الأخير "أزيلو": "كنت أخشى دائماً من تكبيل يديي وترحيلي، كما حصل مع مقيمين آخرين في مركز طالبي اللجوء".
وسعى "الحلبي" ليكون متفائلاً رغم الصعاب، قائلاً: "لقد كنت آمناً في هولندا، لذا سيكون كل شيء على ما يرام.. علاوة على ذلك، كان أخي هنا، ولم أتخيل أنهم سيرسلونني بعيداً".
وبعد ثلاث سنوات، قيل له إنّ بإمكانه البقاء لأنّ الإجراءات استغرقت وقتاً طويلاً: "لم أستطع أن أصدق ذلك في البداية.. لقد كنت سعيداً، لكنني بكيت كثيراً أيضاً"، وانتهى الأمر في بلدية رالته بمقاطعة أوفرآيسل الهولندية، لأنّ شقيقه يعيش هناك.
"حلم يتحقق"
بعد الإقامة، سارع "الحلبي" لإيجاد عمل في أسرع وقت ممكن، واستطاع فعلاً العمل في مطعم إيطالي "Il Tartufo" ببلدة بورنه: "عندما كنت في منطقة أزيلو سُمح لي بالطهي لحفلة في بلدة بورنه لـ400 شخص تقريباً.. ومن بين الأطعمة التي أعددتها، البيتزا السورية الصغيرة، التي تعلمت صنعها في مطعم والدي، وقد لاقت إعجابهم بشكل جيد".
واستمر "الحلبي" بتطوير نفسه وتعلّم صنع "السوشي" في مطعم "دايركت سوشي" ببلدة بورنه، لكن ما أراده أكثر من أي شيء آخر هو تحقيق حلمه بافتتاح "مطعمه الخاص".
يقول اللاجئ السوري مصطفى الحلبي: "والدك هو قدوتك.. هذا موجود في ثقافتنا، فأبي لديه أيضاً شركة بريد سريع خاصّة به"، ووجد مصطفى محلاً في منطقة "هوفسترات"، وكان المحل سابقاً مطعم "ليفي" للمشويات وبجانبه صالون حلاقة "جال جولدن باربر"، الذي يملكه اللاجئ فادي محمود، الذي فرّ أيضاً من سوريا.
وعدد المقاعد في مطعمه الذي أطلق عليه اسم "Eethuis Borne" ليس كبيراً جداً، حيث يعتمد مصطفى بشكل أساسي على خدمة توصيل الطلبات، على أمل توسيع المطعم لاحقاً: "بحيث يمكن فيه للضيوف حتّى تناول العشاء".
وعن حلمه الثاني يقول مصطفى: "رؤية والدي مرة أخرى"، إضافة إلى أخواته الثلاث وأبناء إخوته وبنات إخوته، وفق الصحيفة الهولندية، التي قالت إنه لم يستطع حتى الآن أن يعانق أطفال أخته التوءم.
وبحسب الصحيفة، فإنّ العودة إلى سوريا "غير ممكنة" ويقول مصفطى: "لأنه سيُقبض علي فوراً وأُساق إلى الخدمة الإلزامية، إضافة إلى تغريمي عن كل يوم لم أكن فيها بالخدمة.. وهذا يعادل الآن آلاف اليوروهات بالنسبة لي".
والخيار الوحيد لـ مصطفى الحلبي هو مقابلة والديه في بلد مجاور، لكن الاضطرابات التي تشهدها المنطقة الآن، تجعل الأمر غير ممكن في الوقت الحالي".
يشار إلى أنّ عدد اللاجئين السوريين في هولندا يقدّر بأكثر من 150 ألفاً، حصل كثير منهم على الجنسية الهولندية، في حين ينتظر البقية الحصول عليها بعد استيفاء الشروط اللازمة.