يعيد موقع تلفزيون سوريا نشر تقرير يوثق بالتفاصيل مجريات وأحداث الـ 18 من آذار 2011 عندما انتفضت درعا في مظاهرتها الأولى من مسجد الحمزة والعباس، والتي سقط فيها أول ضحايا رصاص النظام وأمنه وجيشه.
ويمكنكم قراءة التقرير التالي الذي يروي ما سبق المظاهرة الأولى، وما سبق اعتقال الأطفال، وماذا حصل معهم في المعتقل وكيف تطورات الارهاصات في مدينة درعا لحين دوت الصرخة الأولى وفجّرت المكنون السوري في ثورة لم يكتب لها النصر حتى الآن، كما أنه لم يكتب لها الهزيمة أمام كل أعدائها.
لم تكن مظاهرة الثامن عشر من آذار في مدينة درعا، والتي كانت شرارة انفجار الثورة السورية، استجابة لدعوات الثورة والغضب والتظاهر كما سبقها من مظاهرات فقط، وإنما شهدت المدينة على وجه الخصوص ضغوطات واستفزازات من قبل النظام، مثّلت إرهاصات كافية لانفجار الثورة السورية.
تميزت حوران بالتضامن المجتمعي والحالة العشائرية، وهو ما لم يقدّره النظام حين قام باستفزاز هذا التضامن وإهانة كرامة المجتمع بسلسلة من الإجراءات كان أشهرها اعتقال الأطفال، ورفض طلب الوجهاء والشيوخ، الذين كانوا في العادة محل احترام من قبل السلطات. كسر النظام فرص رأب الصدع، وعوّل على خوف الناس، ولكنه في الحقيقة دفعهم إلى الحل الوحيد وهو الثورة.
إرهاصات ودوافع انفجار الثورة في درعا
يروي أبو سيف أبازيد لموقع تلفزيون سوريا، تفاصيل ما قبل مظاهرات درعا 2011 والإرهاصات التي دفعت الناس إلى الثورة في وجه النظام الحاكم، انطلاقاً من المسجد العمري في درعا إلى عموم سوريا.
يقول أبازيد وهو قائد عسكري سابق في الجيش الحر ومن المنسقين الأوائل للتظاهرات في مدينة درعا: "اعتمدت انطلاقة الثورة على سبب غير مباشر وهو انتصار الثورة في تونس وقيام الثورات في مصر وليبيا واليمن مما أعطى الأمل للشعب أن هناك دكتاتوريات تسقط تباعاً، وأنه لا يمكن لشيء أن يكون أبدياً، وهذا ما أشعل بداية روح الثورة في النفوس ودفع الثوار للانتفاض واللحاق بركاب ثوار الربيع العربي".
أما الأسباب المباشرة والتي كانت كثيرة، فيتحدث عنها أبازيد بالقول: "منذ استيلاء آل الأسد على السلطة وتفردهم بها وتحويل سوريا من دولة ذات سيادة إلى مزرعة خاصة بعائلة الأسد وحاشيتهم من حافظ الأسد إلى ابنه من بعده، كانت الناس دائماً في حالة من الغليان منذ أحداث الثمانينيات والإجرام الذي حدث حينها والاعتقالات التعسفية التي كانت مستمرة حتى بداية الثورة وما بعدها.. كانت هناك البراكين في صدر كل شريف حر تنتظر الشرارة لتفجير الموقف مع بداية الثورة".
اعتقال أطفال درعا
ويشير أبازيد إلى أن "اعتقال الأطفال جاء متصدراً قائمة الدوافع التي لم تترك مجالاً للناس إلا إشعال الثورة، لأنه كما يعلم الجميع أن الأطفال المعتقلين هم من طلبة المدارس الابتدائية والإعدادية، واعتقلوا بتهمة الكتابة على جدران المدرسة (إجاك الدور يا دكتور)، وبعض العبارات الأخرى المناهضة لحكم بشار الأسد، الأمر الذي أثار تخوف مدير المدرسة واتصل بالأمن حينها، وأخذوا بعض الأسماء لتقوم قوات الأمن بمداهمة البيوت في آخر الليل أو عند طلوع الفجر.
القوات التي جاءت لاعتقال الأطفال كان يصل عددها في الكثير من الأحيان إلى قرابة الـ 200 عنصر من الأمن مدججين بالسلاح بصحبة عدد من الضباط برتب عالية، حيث تم محاصرة أحياء بكاملها فقط من أجل اعتقال طفل، "تلك القوى كانت تشكل رعباً في نفوس الأهالي في الأحياء التي تتم مداهمتها"، كما يروي محدثنا.
ويتابع "اعتقلوا الأطفال وبدأت بعدها الاتصالات والوجاهات في محاولات لإخراجهم من الأفرع الأمنية، وتدخل حينها مفتي درعا الشيخ رزق أبازيد وأكثر من شخصية، لكن الأجوبة كانت تأتي بالرفض متضمنة مقولة: "انسوا الأولاد.. إذا إلكوا أولاد انسوهم".
تزايد الانتهاكات والتضييق الأمني في درعا
ابتدعت الجهات الأمنية في درعا الموافقات الأمنية لتضييق الخناق على الأهالي، إذ تلزم في كل تفاصيل الحياة من تأجير واستئجار البيوت أو شراء قطعة أرض أو ما شابه ذلك من المعاملات، واستغلت قوات الأمن ذلك لابتزاز المواطنين وطلب المال لاستخراج الموافقة الأمنية، بفترة قصيرة وكانت تصل طلباتهم إلى 500 ألف ليرة سورية أي ما يقارب 10 آلاف دولار في ذلك الوقت.
وتابع "الحملات التي كانت تطلقها القوى الأمنية بين الفينة والأخرى بهدف الحفاظ على تنظيم المرور والأسلوب الهمجي في اعتقال المخالفين من سائقي الدراجات النارية والتعدي عليهم باللفظ أو اسقاط السائق عن دراجته النارية مهما بلغ من العمر، حتى إنهم أسقطوا رجالاً كباراً في السن عن الدراجة النارية بصحبتهم زوجاتهم، الأمر الذي يجعل النار تغلي بسبب هذه التصرفات المستهترة والمستهجنة من قبل الاجهزة الأمنية".
كما ظهرت في الفترات الأخيرة ما يسمى "خلاصة حكم"، التي تسمح للقوات الأمنية، باعتقال ومداهمة منازل من بحقه أحكام جنحية أو عرفية كقضايا التهريب ولم تنته قضاياهم، ليتم اقتحام البيوت بشكل همجي من دون أي استئذان أو حتى اصطحاب أحد وجهاء الحي أو العشيرة.
بعد كل هذه الأحداث كان التفكير يتمحور حول كيفية بدء التظاهر تنديداً ورداً على السياسة المجحفة من النظام بحق الشعب.
أول المحاولات في الـ 15 من آذار
وتحدث أبازيد عن محاولة للتظاهر بدرعا في الـ 15 من آذار وهو نفس اليوم الذي استجاب فيه عشرات السورييين لدعوات الثورة والغضب في العاصمة دمشق، ويقول: "كانت الدعوى للتظاهر يوم الخامس عشر من آذار في كل أنحاء سوريا والذي حصل حينها في درعا بعد أن تم التنسيق للتظاهر في ساحة السرايا قرابة الساعة الثانية عشرة ظهراً بمركز المدينة مقابل القصر العدلي، عندما وصلنا إلى ساحة السرايا وجدناها تعج بعناصر الأمن ومعظمهم بلباس مدني وسياراتهم منتشرة في الساحة فكان الناس يعودون أدراجهم بعد الوصول مخافة الاعتقال بسبب الانتشار الكثيف والمخيف لقوات الأمن".
18 آذار.. الصرخة الأولى من مسجد الحمزة والعباس
وقال أبازيد: "أما يوم الانطلاقة الحقيقة للثورة السورية فكان في الثامن عشر من آذار من مسجد الحمزة والعباس، فكنا ننشط بشكل مجموعات ترسل الدعوات لبعضها البعض وللأفراد بسرية تامة، وكانت الوجهة الرئيسية في البداية الجامع العمري لانطلاق المظاهرة الأولى منه، لكن تم نقلها لمسجد الحمزة والعباس لأسباب أمنية، فكان انتشار الدعوات بطريقة هرمية، كل شخص يخبر الأشخاص الذين يثق بأنهم لا يتعاملون مع الأمن، ليتم توزيع الدعوات بهذه الطريقة في الأيام الفاصلة من الموعد الأول يوم 18 من آذار ".
النظام يواجه المتظاهرين بالرصاص الحي
وتابع: "حتى يوم الجمعة عند وصولنا إلى جامع الحمزة والعباس كان هناك وجود أمني كبير حول الجامع وحول الجامع العمري أيضاً بلباس مدني وسياراتهم المنتشرة في انتظار اللحظة الحاسمة باعتقادهم أن العدد سينحصر بعشرة متظاهرين أو أكثر بقليل، ضمن خطبة الجمعة التي ألقاها الشيخ بسام المصري في جامع الحمزة والعباس كان كلامه يتركز حول كلمة الحق والصدح فيها دون خوف ولا بد من قولها، كانت الخطبة قصيرة لمعرفة الشيخ بسام بأمر المظاهرة المزمع انطلاقها من المسجد نفسه، وبعد انتهاء صلاة الجمعة، بدأت صيحات التكبير تصدح في المسجد من المدعوين إلى التظاهر ومن باقي الناس الذين لا علم لهم إطلاقاً بتلك الدعوات، حتى وصولنا إلى بوابات المسجد وهو يغص بالمحتجين ليتحول الهتاف من التكبير إلى، الله سوريا حرية وبس".
وأشار أبازيد في حديثه إلى أنه في تلك اللحظات كانت سيارات الأمن تنسحب من محيط المسجد بشكل سريع، "بعد أن اندهشوا من الأعداد التي التحقت بركب الحرية في أولى مولدها في درعا، ونحن انتقلنا من جامع الحمزة والعباس إلى الجامع العمري الذي كانت الخطبة فيه انتهت للتو والتحمت جموع المتظاهرين بساحة الجامع العمري وبدأت الصيحات والهتافات تعلو في سماء درعا، وبدأ الناس يتوافدون من جميع أحياء درعا البلد إلى ساحة الجامع العمري".
بعد تجمع المتظاهرين في الجامع ومسيرهم إلى درعا المحطة تصدت لهم قوات النظام على جسر وادي الزيدي الذي يفصل بين جزئي المدينة القديم "درعا البلد" والجديد "درعا المحطة" .
في ذلك اليوم جوبه المتظاهرون بوابل الرصاص سقط على أثره أول شهيدين في الثورة السورية وهما حسام عبد الوالي عياش، ومحمود قطيش الجوابرة.
ويختم أبا زيد حديثه بالقول "كان في صدر كل سوري حر بركان يغلي انفجر في 18 من آذار معلناً انطلاق الثورة السورية".
وفي تقرير قادم سنتابع تفاصيل ما حدث في وادي الزيدي وتشييع الشهيدين الجوابرة وعياش وصولاً إلى يوم الـ 23 من آذار الذي كان مفصلياً في الحراك الثوري بالكامل.