طوى يورو 2024 الجارية منافساته حالياً في ألمانيا والذي سيستمر حتى 14 تموز المقبل، الجزء الأكبر من البطولة في نسختها الـ17، والتي عرف دورها الأول، العديد من التقلبات والمفاجآت، التي راح ضحيتها عدد من المنتخبات ذات السمعة الكبيرة.
وإن نجح أهم "كبار القوم" في حجز مقاعدهم في دور الـ16 من المسابقة القارية العريقة، فإنّ منسوب الإقناع كان متفاوتاً، بين إسبانيا التي أبدعت في دور المجموعات أداء ونتيجة مع حصد العلامة الكاملة، وبقية المنتخبات الكبيرة، التي أظهرت تراجعاً لافتاً وتذبذباً واضحاً في المستوى.
يورو 2024.. إسبانيا تُبهر وفرنسا وإنكلترا تخيّبان الآمال
كانت فرنسا وإنكلترا تُعتبران الأبرز للتتويج بلقب البطولة قبل انطلاقها، لكنهما لم تؤديا بشكلٍ مقنع، إذ اكتفتا بتسجيل هدفين فقط في ثلاث مباريات على الرغم من أن صفوفهما تضمّان بعض أفضل المهاجمين في العالم.
المنتخب الأكثر إبهاراً في يورو 2024 كان إسبانيا، وبأقل درجة نظيره الألماني المستضيف، فضلا عن منتخب البرتغال، الذي برهن عن مقومات تنافسية عالية، بعيداً عن سقطته الختامية في الدور الأول على يد جورجيا، والتي كان قبلها ضامناً للتأهل.
رغم ذلك، تجد هذه المنتخبات الثلاثة نفسها في النصف الأصعب من القرعة إلى جانب بلجيكا وفرنسا، بعدما عجز "الديوك" أصحاب وصافة كأس العالم 2022، في احتلال الصدارة واكتفوا بالمركز الثاني.
وأشار المدرب ديديه ديشامب، الذي افتقد إلى مهاجمه الأبرز كيليان مبابي مع هولندا ضمن الجولة الثانية بسبب كسر في أنفه، إلى أنه "كنا في مجموعة صعبة للغاية. فزنا على النمسا لكنها تصدرت. لقد حققنا هدفنا الأوّل. الآن تبدأ منافسة جديدة".
واعتبر المدرب الذي قاد فرنسا في خمس بطولاتٍ كبرى خلال 12 عاماً، أن الانطباعات التي تتركها مرحلة المجموعات "ليس هي نفسها دائماً فيما بعد".
وكان يُمكن أن تلتقي فرنسا بطلة كأس العالم 2018 مع إنجلترا وصيفة كأس أوروبا في نسختها الأخيرة ضمن نصف النهائي، لو أنها حلّت في صدارة مجموعتها في يورو 2024 وفاز كل منها في ثمن النهائي ثم ربع النهائي.
قرعة غير متوازنة
عوضاً عن ذلك ستلتقي فرنسا نظيرتها بلجيكا في دور الـ16، فيما يواجه الفائز من هذه المواجهة البرتغال في حال فوزها على سلوفينيا، ويُمكن أن تصطدم ألمانيا المستضيفة مع إسبانيا في ربع النهائي أيضاً، حال بلوغهما هذا الدور بعد مواجهة الدنمارك وجورجيا توالياً.
على الرغم من الفوز في جميع المباريات الثلاثة والخروج بشباكٍ نظيفة فيها، علّق لويس دي لا فوينتي مدرب المنتخب الإسباني: "لا يُكلّف الحلم أي شيء، لكن علينا أن نُبقي أقدامنا على الأرض".
وكانت إيطاليا قد توّجت باللقب في النسخة الماضية، بعدما فازت هي الأخرى في جميع مبارياتها ضمن دور المجموعات ومن دون أن تتلقى أي هدف.
ويُمكن لحاملة اللقب أن تواجه إنكلترا في ربع نهائي يورو 2024، في حال تغلبها على سويسرا وفوز إنكلترا على سلوفاكيا.
فاز منتخب "الأسود الثلاثة" مرتين على إيطاليا في التصفيات، لكن الأداء الذي قدمه في البطولة القارية لم يكن مقنعاً، على الرغم من تصدّر المجموعة، بل تعرّض فريق المدرب غاريث ساوثغيت لصافرات الاستهجان بعد التعادل السلبي مع سلوفينيا.
وعلّق المدرب الذي من المتوقّع أن ينتهي مشواره مع المنتخب بعد البطولة مهما كانت النتيجة: "لم أرَ أي منتخب آخر يتأهل ويتلقى ردّ فعل (جماهيري) مماثلا".
وبعيداً عن الأسماء الكبيرة في يورو 2024، لفتت النمسا وجورجيا الأنظار، لكن لأسباب مختلفة، حيث بنَت النمسا بقيادة المدرب رالف رانغنيك منتخباً واعداً للبطولة، وتمكنت من مجاراة فرنسا وإن خسرت أمامها بهدفٍ وحيدٍ عكسي، قبل تغلبها على بولندا وهولندا.
جورجيا تتحدى التوقعات
أما قصة جورجيا في يورو 2024 فهي مميّزة، كيف أنّ دولة صغيرة في خضم اضطرابات سياسية تشارك في أول بطولة كبرى لها وتتأهل إلى الأدوار الإقصائية بفوزها على البرتغال بقيادة نجمها المهاجم كريستيانو رونالدو، حيث تصطدم بإسبانيا في دور الـ16، بعدما خسرت أمامها 1-7 و1-3 في التصفيات.
وبلغت سلوفينيا التي بالكاد يبلغ عدد سكانها مليوني نسمة، الدور ذاته لأول مرة في بطولةٍ كبرى أيضاً، على الرغم من تعادلها في جميع المباريات الثلاثة.
على صعيد آخر، ودّعت كل من كرواتيا وأوكرانيا البطولة كمنتخبين كبيرين إلى جانب ستة منتخباتٍ أخرى بعد أسبوعين على بدء المنافسات.
وكان دور المجموعات في يورو 2024 أقل إنتاجية من البطولة الأوروبية الأخيرة، حيث سُجّل 81 هدفاً بعد ثلاث مراحل مقارنة بـ94 هدفاً في عام 2021. أصبحت المباريات تدريجياً أكثر تحفظاً بعد بداية حيوية للمنافسة.
وربما سيظهر بعض النجوم غير الموفّقين عندما تُصبح الأمور أكثر أهمية، بدءًا من مبابي، الذي افتتح رصيده التهديفي في كأس أوروبا من ركلة جزاء في تعادل فرنسا مع بولندا 1-1، لكن معدّل أهدافه المتوقعة (مقياس شائع لقياس الأداء الهجومي) يبلغ 2.12، وهو الأعلى لأي لاعبٍ في البطولة على الرغم من أنه لم يلعب سوى مباراتين.
وقد يكون من الصعب اختيار لاعبٍ بارزٍ في دور المجموعات خلال يورو 2024 الحالي، إلا أن توني كروس وجمال موسيالا تألّقا مع المنتخب الألماني، كما برز الجناح نيكو ويليامز مع إسبانيا، كما قدّم قلب الدفاع البرتغالي بيبي أداء مذهلاً وهو في سن الـ41 عاماً، في حين لم تكن جورجيا لتصل إلى هذا الدور لولا هدّاف البطولة حالياً جورج ميكوتادزه الذي سجّل ثلاثة أهداف.