تجددت أزمة المازوت في مناطق سيطرة النظام منذ أيام، وفاقم الحالة فقدان المادة من السوق السوداء وكذلك توقف توزيعه نهائياً عبر البطاقة الذكية، بسبب سياسة حكومة النظام للتقشف بعد إعلان روسيا الحرب على أوكرانيا، في وقت تشهد فيه البلاد أحد أشد المنخفضات الجوية القطبية خارج فصل الشتاء على الإطلاق.
وتترافق الأزمة هذه المرة مع انقطاع الكهرباء لساعات طويلة تتجاوز الـ 12 ساعة متواصلة.
وأقرت حكومة النظام في الـ 24 من شباط الماضي، وعلى خلفية الغزو الروسي لأوكرانيا، تخفيض نسبة توزيع المشتقات النفطية التي ستزود السوق بها خلال الشهرين المقبلين.
وأكد عدد من السوريين، ممن تواصل معهم موقع "تلفزيون سوريا"، أن لتر المازوت في حال وُجد، يباع بـ 6 آلاف ليرة سورية، في حين كان قبل موجة البرد الحالية يتراوح بين الــ 3200 والــ 4000 ليرة.
كما بات الحطب شحيحاً في الأسواق وبأسعار مرتفعة فاقت الألف ليرة لكيلو الخشب ذي النوعية السيئة، ووصل إلى 1500 ليرة للنوعية الجيدة.
واعترفت حكومة النظام بتوقيف توزيع مازوت التدفئة رغم انخفاض درجات الحرارة، حيث قال عضو المكتب التنفيذي لقطاع المحروقات بمحافظة ريف دمشق، ريدان الشيخ لإذاعة "شام إف إم" المحلية، إن نسبة التوزيع هي 25% فقط في كل ريف دمشق، حيث حصلت 148 ألف بطاقة من أصل 780 ألفاً على الدفعة الثانية من المازوت (50 لتراً).
وأضاف الشيخ، أنه انخفض معدل التوزيع اليومي عما كان عليه في الشهر الماضي بمعدل 20 طلباً فقط.
وأوضح عضو المكتب التنفيذي، أن عمليات التوزيع التي تنفذ يومياً هي من واحد إلى ثلاثة طلبات فقط، مبرراً ذلك بعدم توافر المازوت.
يشار أنه في منتصف كانون الثاني/يناير الماضي، بدأ توزيع الدفعة الثانية من مازوت التدفئة، وحينئذ قامت حكومة النظام بتوزيع كميات كبيرة مستغلةً عطلة لمدة أسبوع بحجة منخفض جوي، وأوقفت فيها مخصصات السرافيس وحولتها إلى التدفئة، لتسوء الأمور بعد ذلك، خاصة بعد بدء الحرب في أوكرانيا، حيث بات الحصول على المحروقات أمراً صعباً جداً.
الشراء باللتر
بعد عناء طويل اشترت هدى (41 عاماً) وهي أم لأربعة أطفال ثلاثة لترات من المازوت بــ 15 ألف ليرة. تقول السيدة الأربعينية لموقع تلفزيون سوريا، بشق الأنفس، وجدت 3 لترات بعد بحث واتصال بعدة أشخاص وعدة مناطق.
وأوضحت هدى أنَّها لم تتسلم الدفعة الثانية من مخصصات التدفئة حتى اليوم، وبأنها كانت تعتمد على شراء المازوت من السوق السوداء، لكنها اليوم أصبحت عاجزة حتى عن شرائه من السوق السوداء لندرة المادة وارتفاع سعرها بشكل غير مسبوق.
وفي الوقت الذي نجحت فيه هدى في الحصول على ثلاثة لترات مازوت، فشل عبد الرحمن وأسرته في الحصول على نقطة واحدة من المازوت، بحسب تعبيره.
ويقول عبد الرحمن لموقع "تلفزيون سوريا "، أسكن في جديدة عرطوز بريف دمشق، ودرجة الحرارة تحت الصفر، وأسرتي ترتجف من البرد، إذ لم أستطع تأمين ليتر واحد بغض النظر عن سعره.
اضطر عبد الرحمن إلى إيجاد بدائل أخرى عبر شراء قطع حطب صغيرة ثم تشغليها في مدفأة المازوت كي لا يتجمد وعائلته من البرد.
التقشف وتقنين التوزيع
في 24 شباط/فبراير الماضي، على وقع بدء الحرب في أوكرانيا، أقرّت حكومة النظام في جلسة استثنائية مصغرة، عدة توجهات بخصوص إدارة التداعيات المحتملة للحرب، ودراسة سيناريوهات التعامل معها لتفاديها أو تقليل انعكاسها على الوضع الاقتصادي والخدمي في سوريا.
وتضمنت الإجراءات بشكل علني "وضع خطة لتخفيض الكميات التي يتم تزويد السوق بها تدريجياً ودراسة واقع التوريدات والتأكيد على أهمية سرعة معالجة موضوع استبعاد الشرائح من الدعم".
وبحسب وكالة الأنباء التابعة للنظام "سانا" فإن الاقتصاد السوري يعاني أساساً من صعوبات كثيرة من جراء النقص في الموارد الأساسية وخاصة النفط والقمح ووسائل الطاقة، مشيرةً إلى مخاوف النظام من "الارتفاع المتسارع لأسعار النفط والذي يؤثر في توريدات سوريا من المشتقات النفطية وزيادة تكاليف هذه التوريدات.
أين الدفعة الثانية؟
يشتكي سكان في دمشق وريفها من انخفاض وتيرة توزيع مادة مازوت التدفئة (الدفعة الثانية). ويتساءلون أين ذهبت مخصصاتهم التي تتحدث عنها وسائل إعلام النظام وعن نسب التوزيع التي تقارب الــ 80% في دمشق وريفها؟
وأكد عبد الرحمن أنه لم يتسلم مخصصاته من الدفعة الثانية حتى اليوم، وأنه كان يعتمد على شراء المازوت الحر للتدفئة لكنه اليوم أصبح غير قادر على الشراء لعدم توافر المادة.
وفي نهاية شهر كانون الثاني/يناير الماضي، أعلنت وزارة النفط والثروة المعدنية في حكومة النظام السوري عن بدء التسجيل على الدفعة الثانية من مازوت التدفئة. في حين لم تتسلم كثير من الأسر، الدفعة الأولى من مستحقاتها من المادة، في ظل البرد القارس.
وتوزع مادة مازوت التدفئة عبر البطاقة الذكية وفقاً لقرار وزارة النفط والثروة المعدنية التابعة للنظام منذ عام 2018 وتشرف شركة "محروقات" على هذا الأمر.
وتعاني مناطق سيطرة النظام من نقص في المحروقات ولا سيما مازوت التدفئة وأسطوانات الغاز التي تشتد مع حلول فصل الشتاء من كل عام، إلا أنه في العام الحالي اشتدت الأزمة ولم يتخذ النظام أي إجراء سوى تخفيض مخصصات العائلات من مازوت التدفئة.
وتشير مصادر في شركة محروقات، إلى أن الحكومة تقوم حالياً بتقنين توزيع المشتقات النفطية، خشيةً من عدم قدرتها على تأمينها خاصة وسط ارتفاع أسعار النفط عالمياً، ما يرتب عليها دفع أضعاف المرصود لاستيراد هذه المواد في الموازنة، ما يجبرها على رفع الأسعار في وقت يشتد فيه السخط على سياسة الحكومة بهذا الصدد.
ويعاني سائقو السرافيس أيضاً من عدم قدرتهم على تأمين مخصصاتهم من المازوت بشكل منتظم وبالكميات المحددة التي يجب أن تصل إلى 40 لتراً يومياً، في حين أنه بالكاد يحصلون عليها كل 3 أو 4 أيام وفقاً لسائقين، ما يفاقم أزمة النقل بشكل حاد.
وبسبب انقطاع التيار الكهربائي بشكل شبه تام في معظم المناطق بدمشق وباقي المحافظات، تزامناً مع المنخفض، فقد الغاز المنزلي أيضاً من السوق السوداء ووصل سعر الجرة في حال وجدت إلى أكثر من 150 ألف ليرة، في حين أن توزيع المادة عبر البطاقة الذكية شبه متوقف، حيث أشار أحد معتمدي الغاز بدمشق للموقع إلى أنه يقوم بالتوزيع مرة كل أسبوعين إلى ثلاث فقط وبمعدل 300 جرة.
وإضافة إلى المازوت والغاز، بات النقص في مادة البنزين واضحاً بسبب تأخر وصول الرسائل المقرر أن تصل كل 7 أيام للسيارات الخاصة بمعدل 25 لتراً في التعبئة، في حين أنه لا تستطيع السيارات سوى تعبئة 50 لتراً في الشهر بسبب تأخر وصول المخصصات.