كشفت صحيفة يديعوت أحرونوت أن نظام الأسد يرسل تلميحات لفتح علاقات مع إسرائيل بهدف التقرب من واشنطن والرياض، موضحة عدم رغبة تل أبيب بالتجاوب مع الأسد "لأنها لا تثق بقدراته على إخراج إيران وغير مستعدة لتقديم تنازلات له".
وعنونت الصحيفة غلاف نسختها المطبوعة، الأكثر انتشاراً في إسرائيل، في الصفحة الأولى، اليوم الجمعة، "سوريا تريد فتح علاقات مع إسرائيل" ونشرت مقالاً لمعلقها على الشؤون السياسية، الصحفي نداف إيل، قال فيه إن "نظام الأسد يرسل رسائل وتلميحات عن تقارب بين دمشق وإسرائيل، سعياً منه لتحسين موقفه مع الأميركيين والسعوديين".
وأضاف نداف إيل أن نظام بشار الأسد أرسل مؤشرات عديدة لفتح علاقات مع إسرائيل، واستمرت لأكثر من ستة أشهر غازل فيها تل أبيب خلال عهد حكومة نتنياهو السابقة.
تل أبيب تتجاهل مغازلات الأسد
وعن موقف تل أبيب من محاولات الأسد للتقرب ومن مغازلاته، يقول الصحفي الإسرائيلي، إن الحكومة الإسرائيلية الجديدة (حكومة بينت) مثلها مثل حكومات نتنياهو السابقة "غير مستعدة لتقديم تنازلات إقليمية لنظام الأسد، أو حتى التفكير في ذلك".
وموقف حكومة بينت من قضية الجولان السوري المحتل لا يختلف عن موقف حكومات نتنياهو، الذي نجح قبل عامين في الحصول على اعتراف من قبل إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بالسيادة الإسرائيلية على الجولان.
وأوضح الصحفي الإسرائيلي أن المعادلة اليوم تغيرت، في السابق كانت تل أبيب هي التي تسعى لتوقيع "اتفاق سلام" مع دمشق، ولكن اليوم نظام الأسد هو من يركض وراء تل أبيب لفتح علاقات تساعده للتقرب من واشنطن والرياض.
وأشار "إيل" إلى أن جميع الخطوات التي قام بها نظام الأسد للتقرب مع إسرائيل كانت قائمة على مقترحات تقليص الوجود الإيراني في سوريا ولا سيما في المنطقة القريبة من الحدود الإسرائيلية.
وينبع عدم اهتمام إسرائيل بمغازلات الأسد لأن لديها شكوكاً حول مقدرته على إبعاد إيران عن حدودها الشمالية، وكل ما يمكن أن تقدمه تل أبيب هو بعض المساعدات للسوريين مقابل تقليص النفوذ الإيراني وحزب الله، ولكن "لا يوجد ما يشير إلى أن الأسد يمكنه حتى تنفيذ مثل هذه الصفقة المحدودة".
ووصف الصحفي الإسرائيلي تلميحات الأسد العديدة بأنها رسائل "خرقاء" أرسلها بطريقة مرتبكة، وأورد منها على سبيل المثال، المقال الذي نشره معهد أبحاث أميركي لخبير سوري يشرح عملية السلام والموقف السوري الثابت الذي يسعى لحل سياسي.
يديعوت أحرونوت: نظام الأسد يسعى لفتح علاقات مع تل أبيب، ويرسل تلميحات ورسائل بطريقة "خرقاء" إلا أن إسرائيل تتجاهل وغير مستعدة لتقديم تنازلات لنظامه المنهار.
اجتماع حميميم المزعوم.. إسرائيل تنفي رسمياً
كما اعتبر نداف إيل، التقارير الإعلامية "الغامضة" التي تحدثت عن اجتماع سري في قاعدة حميميم بين النظام وإسرائيل وبمشاركة الروس، هي إحدى هذه الرسائل "الخرقاء" التي يريد من خلالها الأسد إيصال رسائل بأنه يريد التقرب من تل أبيب.
وحول هذه النقطة، ينقل نداف إيل نفي إسرائيل حدوث هذا الاجتماع على لسان رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي الأسبق "غادي إيزنكوت"، الذي ورد اسمه بأنه كان ممثل وفد تل أبيب في اجتماع "حميميم" المزعوم.
ويقول الصحفي الإسرائيلي أخبرني إيزنكوت أن هذا الأمر "لم يحدث على الإطلاق ولن يحدث"، وأن مصادر إسرائيلية أخرى أكدت أن الخبر "مجرد خيال".
وكانت تقارير إعلامية تحدثت في نهاية العام الماضي عن استضافة قاعدة حميميم الروسية في اللاذقية، لاجتماع سري بين مسؤولين سوريين وإسرائيليين برعاية روسية، تضمن بحث عدد من النقاط، بينها مطالبة تل أبيب بإخراج ميليشيات طهران من سوريا. في حين لم يصدر أي تعليق رسمي من النظام أو تل أبيب على هذه المعلومات.
وكان موقع "مركز جسور للدراسات"، وهو مركز سوري مقره في مدينة إسطنبول وقريب من المعارضة السورية، هو من زعم حدوث هذا الاجتماع السري، جاء فيه أن الاجتماع ضم مدير مكتب الأمن الوطني اللواء علي مملوك، ومن الجانب الإسرائيلي غادي إيزنكوت، بحضور قائد القوات الروسية في سوريا ألكسندر تشايكوف.
التقارب مع الرياض وواشنطن
وأشار الصحفي الإسرائيلي إلى تقرير نشرته قناة "الجزيرة" حول التقارب بين نظام الأسد والمملكة العربية السعودية، وربط تلميحات الأسد للتقارب مع إسرائيل بهدف إعادة العلاقات مع الرياض وواشنطن، ولا سيما أن التقرير المذكور ورد فيه نقلاً عن مصدر من وزارة خارجية النظام بأن "دمشق تقيم علاقات مع إسرائيل"، على حد تعبير الصحفي الإسرائيلي.
وتقرأ تل أبيب تلميحات الأسد ومغازلاته لها بأنها رغبة سورية في إعطاء الانطباع بوجود تحول في العلاقة بين الأسد وإسرائيل وموقفه منها. إلا أنها ترفض تقديم التنازلات.
وقال أستاذ تاريخ الشرق الأوسط بجامعة تل أبيب البروفيسور إيتمار رابينوفيتش، في دراسة نشرها معهد الأمن القومي الإسرائيلي، والذي ترأس وفد الجانب الإسرائيلي في المفاوضات السورية - الإسرائيلية في منتصف التسعينيات، بعد اندلاع الثورة السورية، أزالت إسرائيل خيار التسوية السياسية مع دمشق من على الطاولة، "لأن أي تسوية مع نظام الأسد تنطوي على الانسحاب من الجولان لن يتم قبولها في النظام السياسي والشعبي في إسرائيل".
ثلاثة عقود من مفاوضات السرية والعلنية
ويعود تاريخ بدء المفاوضات ومحادثات "السلام" بين إسرائيل وسوريا (نظامي الأب والابن) إلى عام 1991، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، ومحاولة الأسد التقرب إلى القطب الأميركي، وانفتاحه على إدارة بيل كلينتون لإنجاز "اتفاق سلام" مع الإسرائيليين.
وفي ربيع عام 2000 كان تحقيق مثل هذا الاتفاق وشيكاً إلا أنه فشل في اللحظات الأخيرة، بسبب الاختلاف على بضعة أمتار من حدود بحيرة طبريا، وبعد أقل من ثلاثة أشهر توفي حافظ الأسد مورثاً السلطة لابنه بشار، الذي خاض العديد من المحادثات والاتصالات مع الإسرائيليين لعقد تسوية سياسية، تنسحب بموجبها تل أبيب من الجولان السوري المحتل، مع أرييل شارون وإيهود أولمرت وكان آخرها في 2010 مع بنيامين نتنياهو.
ونشر مستشار إدارة أوباما للملف السوري، السفير السابق فريدريك هوف، هذا الأسبوع، مقالاً قال فيه إنه قبل عشر سنوات، في 28 شباط/فبراير 2011، أبلغه بشار الأسد في قصره بدمشق أنه مستعد لقطع العلاقات العسكرية مع إيران وحزب الله، مقابل سلام كامل مع إسرائيل، إذا أدى هذا السلام إلى استعادة كل "الأراضي السورية المحتلة".
ولم تنقطع المفاوضات بين تل أبيب ودمشق منذ ذلك الحين، إلا في السنوات الأخيرة بسبب تغيير المعادلات الجيوسياسية في المنطقة بعد اندلاع الربيع العربي، وانهيار نظام الأسد وارتهانه للإيرانيين وتدميره للبلاد، الأمر الذي لا يشجع تل أبيب على تجديد المفاوضات مع بشار الأسد الباحث عن فك عزلته الدولية.