تجددت مع حلول أولى أيام شتاء هذا العام، مأساة الشتاء المتكررة ومعاناة المهجرين والنازحين السوريين في المخيمات على الحدود السورية التركية. ولا جديد في مأساة هذا العام سوى أن أعداد قاطني المخيمات تجاوزت المليون ونصف المليون شخص، أما المتكرر فهو ظروف الحياة دون أدنى مقومات للعيش، وانعدام السبل لمواجهة الكوارث الطبيعية.
في العام الفائت قتل البرد 29 طفلاً في عموم مخيمات الشمال السوري، كما تسببت السيول والهطولات المطرية بغرق وانجراف مئات الخيام، فضلاً عن انقطاع الطرق الواصلة لعشرات المخيمات، خاصة تلك الواقعة في المنحدرات الجبلية والوديان.
الشتاء هذا العام
حذّر خبراء الرصد الجوي من قساوة الشتاء لهذا العام بحسب متابعاتهم، وحذّر الراصد الجوي العامل في إدلب "أنس الرحمون" خلال رصده للمنخفض الجوي الذي بدأ فعاليته مساء الثالث من تشرين الثاني الجاري؛ أهالي المخيمات باتخاذ التدابير اللازمة لحماية عائلاتهم وممتلكاتهم من العواصف الرعدية والسيول المطرية، واصفاً الهطولات المطرية بالاستثنائية، وذلك بحسب منشور على صفحته في فيسبوك.
وعلى اعتبار أنّ أكثر من 60% من مخيمات اللاجئين تفتقر لوسائل العزل الحراري والأرضيات الأسمنتية، كونها مصنوعة بشكل يدوي من "البطانيات" وأكياس البلاستيك أو خيم جاهزة تلقوها كمساعدات طارئة، لا تقل سوءاً عن المصنوعة يدوياً، فإن حجم الكارثة سيتضاعف تباعاً مع انخفاض درجات الحرارة وهبوطها لما تحت الصفر.
وأكدّ محمد حلاج مدير فريق "منسقو استجابة سوريا" لموقع تلفزيون سوريا، أنّ عدد المخيمات التي تضررت بشكل جزئي مع بداية الهطولات المطرية يومي 3-4 من تشرين الثاني الجاري، بلغ 35 مخيماً في مواقع مختلفة من أرياف إدلب وحلب الشمالية. والجدير بالذكر أن الأمطار في بداية الشهري الجاري عادة ما تكون أقل شدة من مثيلاتها في شهري كانون الأول والثاني المتوقع حدوث كوارث بالمخيمات خلالهما.
وقال فريق منسقو الاستجابة في بيان، إن أوضاعا إنسانية سيئة تواجه النازحين السوريين في الشمال السوري، بالتزامن مع بدء انخفاض درجات الحرارة وبدء الهطولات المطرية.
ودعا الفريق المنظمات الإنسانية بشكل عاجل إلى تحمل مسؤوليتها الإنسانية والأخلاقية تجاه النازحين في مخيمات شمال غرب سوريا والتي يقطنها أكثر من مليون مدني لمواجهة فصل الشتاء.
وأظهرت الصور الذي نشرها الفريق، توحل الطرقات وتقطيع الأوصال بين الخيام في إحدى مخيمات محافظة إدلب بعد هطول الأمطار.
لماذا لا تتحرك المنظمات إلا بعد وقوع الكارثة؟
وطُرحت كثير من الأسئلة عبر وسائل الإعلام وصفحات الناشطين عن أسباب تكرار حوادث غرق المخيمات في كل عام وعن أسباب تحرك المنظمات وعملها بعد وقوع الكارثة وفوات الأوان.
محمد حلاج مدير فريق "منسقو استجابة سوريا" ألقى بمسؤولية بناء المخيمات في مناطق عرضة للسيول وتجمع المياه على كل من المنظمات الإنسانية والنازحين على حد سواء. واعتبر أن ضخامة أعداد النازحين خلال الحملات العسكرية دفعت كثيرا منهم لبناء مخيمات في أراضٍ زراعية وأودية لا تصلح لبناء المخيمات فيها، وذلك لسهولة بناء الخيام، وإقامة المخيمات في مناطق قريبة من مراكز المدن والبلدات.
وحمّل حلاج في حديثه لموقع تلفزيون سوريا المنظمات الإنسانية المسؤولية الكاملة عن غرق المخيمات واعتبر أن حادثة غرق 54 مخيماً في منطقة الشيخ بحر شمالي إدلب في العشرين من تموز الماضي خلال عاصفة مطرية صيفية مفاجئة استمرت لساعات قليلة فقط، كان بمثابة تحذير وإنذار مبكر لكل المنظمات للاستعداد لفصل الشتاء والعمل على تحسين واقع المخيمات، إلا أن تلك المنظمات لم تحرك ساكناً.
وكرر "حلاج" تحميل المنظمات المسؤولية الكاملة عما ستؤول إليه أحوال المخيمات في فصل الشتاء على اعتبارها المعني الأول والذي لم يحرك ساكناً.
ودعا "حلاج" النازحين إلى الاعتماد على أنفسهم عبر القيام بحفر خنادق حول كل خيمة وخندق كبير حول المخيم لاستيعاب المياه وجرّها وتصريفها خارج المخيمات.
اقرأ أيضاً: "قرية ملهم".. مساكن بديلة عن خيمة النزوح شمالي سوريا
الاستجابة البطيئة
وحول الموضوع قال "علي العلي" مدير أحد المخيمات العشوائية بالقرب من مدينة سلقين بريف إدلب الشمالي: "يبلغ عدد الخيام في مخيمنا 144 خيمة، جميعها مهترئة الآن بسبب مضي وقت طويل على تسلمها، وتتكون الخيام من عازل بلاستيكي واحد (شادر) لا يصد حراً ولا برداً.. قمنا بحياكة بطانيات وأكياس الكتان لتعزيز متانة الخيام وعزلها لحرارة الشمس مما ساعدنا على تجاوز الحر في فصل الصيف، لكن لا يمكن لهذه الخيام الصمود في وجه رياح وأمطار الشتاء.
وأضاف العلي في حديثه لموقع تلفزيون سوريا "قمنا بمبادرة أهلية من نازحي المخيم باستئجار قطة أرض زراعية كونها مستوية لإنشاء المخيم، ولم يسمح لنا مالكوها بتهيئة أرضيات الخيام بالإسمنت أو الحجارة، كونها ستتلف الأرض وتعيق عملية زراعتها بعد مضي عقد الإيجار المحدد بخمس سنوات، أيضاً هذه عقبة جديدة لم تكن في الحسبان، ولا يمكننا تجاوزها مما ينذر بغرق كامل المخيم مع أول تساقط للأمطار لساعات طويلة".
واختتم العلي قوله "نزحنا منذ عشرة أشهر، في كل مرة كانت تزورنا فيها فرق تقوم بتقييم احتياجات المخيم، وكنا نطالب باستبدال الخيام كأولوية خلال فصلي الصيف والشتاء على حد سواء، وعند تلبية المساعدة كنا نتلقى سلالاً من المواد الغذائية والمنظفات، ورغم أهمية هذه المساعدات لنا كنازحين، إلا أنّ الأولوية والضرورة الملحة هي للخيم ذات الجودة العالية التي يمكنها مواجهة كوارث فصل الشتاء، بالإضافة لـ (طبليات خشبية) يمكن تركيبها كأرضية للخيمة تمنع تسرب المياه لداخلها".
وتثار مثل هذه التساؤلات في كل عام وعند حلول أي كارثة من قبل الأهالي ومسؤولي المخيمات وناشطي المجتمع المدني، لماذا لا يتم التعامل مع هذه الحوادث إلا لحظة وقوعها وتفاقم ضررها، رغم أنها منذ ثمانية سنوات وحتى اليوم تتكرر في كل شتاء، في إشارة منهم لتقصير المنظمات والجهات المعنية والتزامهم بتنفيذ المشاريع المرحلية قصيرة الأمد، بحسب ما تفرضه عليهم الجهات المانحة دون الالتفات لمعاناة باتت أحد فصول مآسي السوريين.
الحلول المتاحة
وحول الحلول المتوفرة لدى المنظمات الإنسانية وفرق الإنقاذ أفاد "فراس خليفة" عضو المكتب الإعلامي في المنطقة الوسطى في مؤسسة الدفاع المدني السوري لموقع تلفزيون سوريا "لا توجد أي حلول لمواجهة الكوارث الطبيعية وخصيصاً التي يواجهها النازحون في فصل الشتاء، سوى تأمين العودة الآمنة للمناطق التي هجروا منها كأرياف إدلب الجنوبي والشرقية وسائر المناطق التي تعرض أهلها للتهجير".
وأضاف الخليفة "بدورنا، عملت فرق الإنقاذ منذ بداية تساقط الأمطار على مساعدة المدنيين في المخيمات التي طالتها السيول على تغير مواقع خيامهم، وتأمين الوصول اللازم للمخيمات التي تقطعت الطرق الزراعية الواصلة لها، وتأمين نقل المرضى والحالات الطبية التي تستدعي رعاية صحية للمراكز الطبية كي لا تتفاقم معاناتهم".
اقرأ أيضاً: ألمانيا تقدم دعماً بقيمة 20 مليون يورو لمواجهة الشتاء في سوريا
ولفت الخليفة إلى أنّ فرق الدفاع المدني كسبت من خلال عمليات الإنقاذ في الأعوام السابقة خبرات عملية تساعد في تلبية المساعدة بأسرع وقت وأفضل وسائل، وأكدّ أن فرق الدفاع المدني العاملة في مناطق انتشار مخيمات اللاجئين تعمل منذ أيام على حفر قنوات تصريف للمياه بعيداً عن المخيمات، ورفع السواتر الترابية حول الخيام لتجنيبها عن مسار سيول المياه الجارفة.
أما "كرم الخطيب" العامل في المجال الإنساني فكانت له رؤية وتجربة بسيطة جداً وأعطت نتائج جيدة في فصل الشتاء السابق، حيث روى تجربته لموقع تلفزيون سوريا "واجهتنا عدة مصاعب خلال فصل الشتاء الماضي، كان أقساها علينا وعلى ساكني المخيمات عدم قدرتنا علي إيصال المساعدات اللازمة لتلك المخيمات التي انقطعت الطرق الواصلة إليها، نتيجة الهطولات المطرية وانقطاع الطرق التي استحدثت جميعها بعد إنشاء المخيم ولم تخضع لأي عمليات رصف أو تعبيد، مما اضطرنا للاستعانة بالحمير وتحميل المساعدات عليها وإيصالها لمستحقيها".
وتابع الخطيب "قمنا هذا العام بشراء عدة حمير وتجهيز السروج اللازمة لنقل الخبز والأغذية وحتى الدواء للمرضى، كون هذه الحيوانات تستطيع التحرك بسهولة في الطرق الطينية والوعرة على عكس السيارات التي لم تتمكن أبداً من الوصول لوجهتها وعلقت في الطين لساعات وبعضها لأيام، هذه التجربة رغم قساوتها رسمت البسمة على وجوه الكثيرين من ساكني المخيمات في العام الفائت ونأمل أن لا تكرر هذا العام، لكن عملنا على تأمينها كإجراء احترازي في حال تكررت مثل تلك الحوادث".
ولا سبيل لمواجهة الكارثة ولا حلول متوفرة لدى المدنيين، حيث بدأت مواقع التواصل الاجتماعي تشهد دعوات وتحذيرات وحملات إرشادية من قبل المدنيين، فيها وصايا وتجارب من الكوارث التي واجهوها خلال الأعوام السابقة، تقتصر تلك الوصايا برفع الخيمة على الطوب أو الخشب، وحفر السواقي حولها، وأساليب جديدة لصناعة العوازل البلاستيكية وحياكتها بالشكل الذي يضمن عدم تسرب المياه لداخل الخيمة، وأخرى كتعليق الملابس والمقتنيات والأجهزة الكهربائية في سقف الخيمة أو نقلها إلى منازل الأصدقاء والأقارب مع حلول كل منخفض واستعادتها عقب زواله.
مناشدات دون استجابة
أما قاطنوا المخيمات فأعرب كثير منهم عن يأسهم من تحسن الواقع الخدمي والبنى التحتية في المخيمات، حيث أفاد مصعب الجدعان أحد قاطني مخيم "الساروت" قرب سرمدا في حديثه لموقع تلفزيون سوريا بأن المخيم غرق طيلة العام الماضي.
وقال الجدعان واصفاً حالهم: "غرقنا مع نزول أول نقطة مطر وحتى الصيف وتوقعنا أن تقوم المنظمات التي كانت تقوم بتصوير خيامنا الغارقة بفرش أرض المخيم أو فتح سواق لتصريف المياه أو حتى تسلمنا عوازل الخيام" وأضاف الجدعان بأن المخيم لم يحصل على أية مساعدة خدمية وتكررت المأساة في أول يوم تتساقط فيه الأمطار هذا العام حيث امتلأت حفر الصرف الصحي بماء المطر وطافت على وجه الأرض.
بدورها أم علي القاطنة في أحد المخيمات قرب سرمدا قالت بأنها على استعداد لطرد أي فريق يدخل المخيم بذريعة تقييم الاحتياجات على حد وصفها، وتابعت أم علي قائلة لموقع تلفزيون سوريا: "كلهم كاذبون يسألوننا عن حال المخيم وكأنهم لا يرون الخيام الممزقة والمياه المتسربة إلى أرضها ولا بحيرات الماء التي تغلق الطريق إلى الحمامات".
وتعرب أم علي عن استيائها ويأسها من عمل المنظمات التي تستطيع العمل مسبقاً على تحسين الواقع الخدمي للمخيمات، وتقول "لكنها لا تريد ذلك كي لا تغيب مظاهر البؤس عن عدسات مصوريها، مما يؤمن استمرار تدفق الدعم لتلك المنظمات"، بحسب وصفها.
وتترافق تخوفات النازحين من قساوة فصل الشتاء مع تخوف السكان في المنطقة الواقعة جنوبي إدلب من عملية عسكرية لقوات النظام وروسيا بعد التصعيد الأخير على المنطقة والذي تمثل بقصف مدفعي وصاروخي طال مختلف القرى والبلدات من جبل الزاوية حتى مدينة إدلب مركز المحافظة والتي لم تتعرض للقصف منذ مطلع آذار الماضي مما ينذر بموجة نزوح كبيرة تكون تداعياتها كارثية على المنطقة الحدودية برمتها.