توفي فتح الله غولن زعيم جماعة الخدمة المصنفة على لوائح الإرهاب في تركيا بسبب اتهامه بالضلوع في التدبير لانقلاب 15 تموز/ يوليو 2016، في مقر إقامته بالولايات المتحدة الأميركية.
وذكرت وسائل إعلام تركية، اليوم الإثنين، إن صحة غولن كانت في حالة تدهور شديد، حيث "كان يعاني من أمراض الفشل الكلوي والسكري بالإضافة إلى الخرف".
وقالت صحيفة "حرييت" المحلية، إن "الجماعة التي كان يقودها غولن تشهد حالياً صراعاً كبيراً حول من سيتولى القيادة، سواء في أوروبا أو الولايات المتحدة. سنرى إلى أين سيتجه هذا الصراع وهل ستتفكك الجماعة؟".
وأضافت الصحيفة أن الجماعة انقسمت إلى عدة فصائل والسبب الأساسي هو من سيتولى إدارة الأموال ومن سيقوم بالتعيينات في الغرب.
ولفتت إلى أن الجماعة تحقق دخلاً سنوياً يتراوح بين 200 و250 مليون دولار من المدارس الخاصة في الولايات المتحدة وحدها. إضافة إلى ذلك، تمتلك الجماعة عقارات وممتلكات أخرى تجلب عوائد مالية.
في أبريل/ نيسان الماضي، تم تداول أنباء من داخل الجماعة تفيد بأن فتح الله غولن تم نقله من مزرعته في بلدة سايلورسبورغ بولاية بنسلفانيا، حيث كان يقيم منذ عام 1999، إلى موقع آخر من دون موافقته.
وقد أشار بعض أعضاء التنظيم إلى أن مصطفى أوزجان، أحد الشخصيات الرئيسية في محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 تموز، ورجل يدعى جودت تُركيولو كانا وراء هذه الخطوة، بغرض السيطرة على موارد الجماعة المالية بعد وفاته.
وفي هذا السياق، أعلن ابن شقيق غولن، إبوسلامة، أن عمه تم نقله من المزرعة رغماً عن إرادته وتم عزله في مكان لا يمكن لأتباعه الوصول إليه. مبيناً أن "تركيولو" استغل منصبه لتعزيز ثروته الشخصية، وهو أمر معروف داخل أوساط الجماعة.
وشهدت تركيا منتصف يوليو/تموز 2016، محاولة انقلاب فاشلة نفذتها عناصر محدودة من الجيش، تتبع لتنظيم "غولن"، حاولوا خلالها السيطرة على مفاصل الدولة، ومؤسساتها الأمنية والإعلامية.
وتطلب أنقرة من واشنطن تسليم "غولن"، الذي يقيم بولاية بنسلفانيا الأميركية منذ 1999، بموجب اتفاقية "إعادة المجرمين" المبرمة بين الجانبين في 1979، إلا أن الولايات المتحدة لم تستجب لذلك.
من هو فتح الله غولن؟
ومحمد فتح الله غولن من مواليد 27 نيسان 1941 في ولاية أرضروم في شمال شرقي تركيا، وكان من مريدي الشيخ التركي الشهير سعيد النورسي، مؤسس الجماعة النور الإسلامية.
عندما بلغ غولن العشرين من عمره عيّن إماماً في جامع (أُوتش شرفلي) في مدينة أدرنة حيث قضى فيها مدة سنتين ونصف سنة، ثم بدأ عمله الدعوي في إزمير ، ثم عمل واعظاً متجولاً، فطاف في جميع أنحاء غربي الأناضول.
أنشأ غولن جماعته الخدمة بإزمير في ستينيات القرن الماضي، والتي عملت على التوسع في تركيا من خلال تأسيس العديد من المدارس التي لها ملحقات داخلية، كما أصدرت العديد من الجرائد والمجلات والمطابع المهتمة بتأليف الكتب إلى جانب محطة إذاعة وقناة تلفزيونية، وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي انتشرت هذه المدارس في العديد من دول العالم، وخاصة في دول آسيا الوسطى التي كانت في ظل الحكم الشيوعي، إلى جانب دول البلقان وأوروبا الغربية ودول إفريقية.
ولم يقتصر نشاط الجماعة على ذلك بل امتد إلى إقامة مراكز ثقافية خاصة بها في عدد كبير من دو ل العالم، وإقامة مؤتمرات سنوية في بريطانيا والاتحاد الأوروبي وأميركا، بالتعاون مع كبريات الجامعات العالمية من أجل دراسة الحركة وتأثيرها وجذورها الثقافية والاجتماعية.
على عكس نجم الدين أربكان الذي يعد "أبو الإسلام السياسي" في تركيا، فإن فتح الله غولن كان يطلق عليه "أبو الإسلام الاجتماعي"، ومن خلال أذرعه الإعلامية والتعليمية اخترق غولن المجتمع التركي وحقق انتشاراً واسعاً داخله وداخل مؤسسات الدولة.
جذبت الجماعة أنصاراً ونقاداً في الوقت نفسه في تركيا ووسط آسيا وأجزاء أخرى من العالم، وأنشأت الحركة منتديات للحوار بين الأديان ولها استثمارات ضخمة في مجال الأعمال والعيادات الطبية الهادفة للربح.
وبالرغم من تعاليم الجماعة التي تتحدث عن الأخلاق والزهد والتربية في بلد محافظ مثل تركيا، إلا أنها كانت جماعة اقتصادية وتجارية بشكل كبير، حيث يرى باحثون أن الجماعة بدأت حركة ديمقراطية سلمية تقدم طرحاً جديداً للإسلام وتوفر بديلاً عن تيارات الإسلام السياسي وبالأخص الإخوان المسلمون، إلا أنها مع توسع انتشارها بدأت تطمح لتوسيع نفوذها في أنحاء العالم، خصوصاً أن لها هيكلية هرمية تشبه المنظمات السرية، وهناك
من يعتبر الحركة طائفة إسلامية بحد ذاتها.
في عام 1999، بدأ غولن بخطوة لها صلة بالحوار والتفاهم والتقارب بين الأديان تتسم بالمرونة وصلت إلى حصول غولن على دعوة من بابا الفاتيكان لزيارته، وبدا ذلك الاجتماع بمنزلة خطوة جديدة في خضم الحديث عن "الحرب على الإرهاب".
ضلوعه في الانقلاب الفاشل
ومع القوة المالية الضخمة، تعاظم تأثير جماعة غولن داخل قوات الشرطة والنظام القضائي بتركيا، إلا أنه منذ عام 2011، بدأت الحكومة التركية بتتبع نشاط هذه الجماعة. وفي 2013 اتهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان جماعة كولن بمحاولة إسقاطه الحكومة التركية عن طريق انقلاب قضائي يتم فيه استخدام تحقيقات الفساد كحجة.
وفي عام 2015، صنفت الحكومة التركية جماعة غولن كإحدى المنظمات الإرهابية لأنها كانت تعمل ككيان موازٍ يخترق أجهزة الحكم وخصوصاً الشرطة والقضاء، كما صنفت الجماعة على أنها منظمة إرهابية أيضاً لدى كلاً من مجلس التعاون الخليجي ومنظمة التعاون الإسلامي.
وفي 15 تموز 2016، اتهمت الحكومة التركية جماعة غولن بأنها وراء محاولة الانقلاب الفاشل وألقت القبض على الآلاف من الجنود والقضاة. كما سحبت رخصة التدريس لأكثر من 20 ألف معلم في منشآت تعليمية خاصة بدعوى الانتماء إلى غولن.