يبحث عدد من السوريين عن مشاريع صغيرة تعينهم في حياتهم اليومية، ورغم المخاطر التي تهدد استمرار أي عمل، بسبب ضعف القدرة الشرائية وتدهور الواقع الاقتصادي، والتضييق من قبل وزارة التجارة الداخلية أو الجمارك أو وزارة المالية، فإن التوجه للقيام بأعمال صغيرة بات ملحاً.
الدين بالفائدة لفتح مشاريع صغيرة في دمشق
ونتيجة التضخم وتدهور قيمة الليرة السورية، بات أصغر مشروع مثل طاولة بيع دخان صغيرة، بحاجة إلى أكثر من 1.5 مليون ليرة، ورغم أن هذا المبلغ يتجاوز قليلاً مبلغ 100 دولار، لكن تأمينه بات صعباً للغاية، مما دفع نحو اللجوء للدين بالفائدة الذي انتشر في سوريا خلال السنوات الماضية، وبات اليوم أشبه بعرف عند طلب أي مبلغ للاستدانة، فأي عملية دين تعقد بين شخصين يتم الاتفاق في بدايتها على مبلغ الاسترداد بعبارة باتت شهيرة (قديش بترجعلي ياهن؟)، فمنهم من يرى بذلك ضماناً لقيمة المبلغ من انهيار الليرة، وآخرون يرون بذلك طريقة لتشغيل أموالهم كما يعتقدون، وفقاً لاستطلاع قام به موقع تلفزيون سوريا.
محمود، شاب في الـ30 من عمره، لا يزال في الخدمة الاحتياطية، اضطر لاستدانة 3 ملايين ليرة سورية لـ3 أشهر، بفائدة تصل إلى 100 ألف ليرة عن كل مليون في الشهر، أي أنه مضطر لإرجاع المبلغ بعد 3 أشهر ويزيد عليه 900 ألف ليرة. لا يملك محمود أي أملاك ليرهنها، فالشرط الأول بدين الفائدة هو رهن سيارة أو عقار، لكن الرجل الذي قدم له المبلغ والد صديقه، ويعرف كل عائلته، واكتفى بتوقيعه على سند يوضح أن مبلغ الدين هو 3.9 ملايين وليس 3 ملايين، أي أنه سجل الفائدة ضمن مبلغ الدين المستحق.
لا يخشى محمود التخلف عن السداد، فرغم استدانته المبلغ بالفائدة، فهو يرى فيه حلاً لمشكلته، وهي تأمين مصدر لرزقه عبر افتتاح دكان صغير للخضراوات. الفائدة التي ترتبت على محمود قليلة فقد اضطر البعض لدفع نسبة 15 في المئة شهرياً عن المبلغ.
قروض تعجيزية
أبو مجاهد (طلب عدم ذكر اسمه) اقترض مالا بالفائدة أيضا، يقول لموقع تلفزيون سوريا إنه فكّر بتحويل سيارته البيك آب التي لا يقوى على صيانتها وتعبئة البنزين لها، إلى مصدر للرزق عبر التجوال بها في أحياء دمشق وشراء الخردة والبلاستيك والبطاريات وبيعها للمخارط والمعامل والورش.
يحتاج أبو مجاهد لرأسمال كبير لهذه المهنة، ويقول "يومياً تحتاج لا يقل عن 5 ملايين ليرة أو أكثر كرأسمال في جيبك لشراء ما يعرض عليك، وعندما فكرت بالمشروع لم أكن أملك سوى نصف مليون ليرة في بيتي، لذلك استفسرت عن القروض عبر البنوك لكن لم يكن هناك أي قرض لمثل هذا المشروع، والشروط المطلوبة أساساً غير متوفرة ومعقدة وقد تكون مستحيلة، ومنها تأمين كفيلين موظفين حكوميين رواتبهما تحقق الشروط المطلوبة".
بحث أبو مجاهد عبر فيس بوك، فوجد كثيراً من العروض للدين بالفائدة، وكل شخص لديه شروطه ونسبته، وأخيراً وجد تاجراً في الحريقة كما يقول، طلب منه فائدة بنسبة 15% شهرياً مع وضع إشارة رهن على السيارة، وقام هذا التاجر باقتطاع النسبة من المبلغ عن أول شهر وطالب "أبو مجاهد" بإعادة المبلغ كاملاً مع فوائده دفعة واحدة بعد 6 أشهر. فائدة الشهر الواحد بهذه النسبة هي 750 ألف ليرة عن الـ5 ملايين التي استدانها، ما يعني أن "أبو مجاهد" سيكون قد دفع فوائدَ بعد 6 أشهر تقريباً بما يساوي قيمة الدين، حيث سيترتب عليه دفع فائدة بقيمة 4.5 ملايين ليرة.
في جولة على فيس بوك، وهو مرتع المتعاملين بالفائدة، وبمجرد كتابة كلمة "دين بالفائدة" في مربع البحث، تظهر لك خيارات دين الفائدة بحسب المدن: دين بالفائدة في دمشق، دين بالفائدة في حمص، دين بالفائدة في حلب إلخ، ما يشير إلى كثرة البحث عن هذا النوع من الدين.
وبمراقبة التعليقات، يلاحظ أن البعض يستدين مبالغَ قليلة قد تبدأ من 500 ألف ليرة لإيجار منزل أو تأمين علاج أو سداد دين سابق، وقد تزيد الطلبات إلى 150 مليون ليرة لفتح مشروع، وتتراوح مدد الدين بين شهر واحد إلى 6 أشهر وأكثر المدد رواجاً 3 أشهر، وتختلف الضمانات بين إشارات رهون عقارية وسيارات وسندات أمانة وسندات بيضاء فارغة مع حجز هوية شخصية لأحد أفراد العائلة من النساء في بعض الأحيان.
دوامة الديون
بلال في الـ47 من عمره، يعيش في منزل مستأجر في منطقة دويلعة بدمشق مع زوجته وابنتيه، ويعاني من دوامة الدين بالفائدة، ويشرح معاناته قائلاً "كنت بحاجة لإجراء عملية لزوجتي في الرحم كلفتها وصلت إلى 15 مليون ليرة، وفي هذه الحالات لا توجد قروض بنكية. الشركة التي أعمل لديها في منظومات الطاقة الشمسية قدمت لي قرضاً بنحو 7 ملايين ليرة، وبقيت بحاجة إلى 8 ملايين ليرة لم يقبل أحد من معارفي وأقاربي أن يدفعها لعدة أسباب، أهمها أنني فعلاً قد لا أستطيع إعادة المبلغ بحكم مدخولي الشهري، إضافةً إلى أن المبلغ صعب أن يتوفر لدى شخص واحد ويجب أن أبحث عن أكثر من شخص لأجمعه."
أخيراً، وجد بلال ما اعتبره حلاً، وهو الدين بالفائدة من تاجر في جرمانا، والذي طلب منه رهناً لعقار، فاضطر لرهن منزل أهل زوجته بعد التشاور معهم كون منزله مستأجر. رهن بلال المنزل مدة 3 أشهر وحصل على المبلغ مقابل مليون ليرة فائدة يدفعها نهاية مدة الاتفاق وليس مسبقاً أي أصبح المبلغ 9 ملايين ليرة، وهي ما اعتبرها بلال شروطاً جيدة ومنصفة وغير مجحفة مثل شروط من راسلهم عبر فيس بوك.
بلال يعلم بأنه غير قادر على السداد بعد نهاية المدة، لذلك اضطر بعد 3 أشهر لأن يستدين 9 ملايين ليرة بفائدة مليون ونصف لـ3 أشهر عبر التوقيع على سندات فارغة ورهن بطاقة زوجته الشخصية، ريثما يرفع الرهن عن منزل ذوي زوجته، ليتجه بعدها إلى دين آخر، وهكذا. تسبب الدين لبلال وزوجته بأذى نفسي كما يقول، لأن كرة الديون تكبر، ولا توجد حلول في الأفق، لذلك بدأ فعلياً بالتفكير ببيع كليته ليقطع دوران هذه الدائرة اللامنتهية على حد تعبيره.
يذكر أنه من الصعب جداً، إثبات قضية الربا (المحرم شرعاً) في القانون السوري، لأن معظم العقود تتم بسندات بضمان المبلغ المضاف إليه الفائدة عند الاسترداد، أو مقابل عقود بيع لسيارة أو منزل أو أي شيء آخر، أو وضع إشارة رهن على منزل أو سيارة أو محل، أو غالباً ما تتم بالتوقيع على ورق أبيض.
ويكفي لتوافر ركن العادة في جريمة الاعتياد على الإقراض بالربا الفاحش وجود قرضين ربويين مختلفين ولو لشخص واحد في وقتين مختلفين، فلا يشترط تعدد المجني عليهم.