تسببت وسائل التدفئة في شمال غربي سوريا بكثير من الأضرار والأمراض والعاهات المستدامة، نتيجة استخدام وسائل تدفئة غير آمنة عدا الحرائق التي تطول خيم النازحين في المخيمات كما أن العديد من العائلات من ذوي الدخل المحدود تتعرض لأخطار التدفئة في البيوت المغلقة من سموم احتراق البلاستيك والأحذية وأغصان الأشجار الرطبة والزيت المحروق والغاز، بسبب عدم توفر المال لشراء وقود صالحة للتدفئة، خاصة بعد الارتفاع الكبير الذي طرأ على أسعارها في السنوات الاخيرة.
"سيقتلنا البرد أو سنقتل بالتدفئة"
الأربعينية فاطمة عبد العال من مدينة الدانا التابعة لمحافظة إدلب تعرضت لحروق بالغة إثر اشتعال النار بملابسها أثناء قيامها بمزج الحطب بمادة الفيول في المدفأة، والذي كاد يودي بحياتها وجنينها، إذ قالت لموقع تلفزيون سوريا: لم أطلب يوماً من أحد أطفالي إشعال المدفأة لأنني أعرف أخطار الوقود التي نستخدمها، فهي وقود غير نظامية وغير مكررة بشكل كاف، فقد تحتوي على الغاز والبنزين والمازوت وغيرها من المواد في آن واحد.
وأضافت عبد العال: لقد اعتدنا على قسوة الشتاء فهذا هو الشتاء العاشر الذي يمر على السوريين دون وجود وقود صالحة للتدفئة.
وتابعت تعرضت لحروق بالغة من الدرجة الثالثة عندما كنت أشعل مدفأة الحطب في البيت، إذ كان الحطب رطباً فاضطررت لسكب الفيول عليه كي يساعد على اشتعاله، ولكني فوجئت باشتعال كل المدفأة واشتعلت النار بثيابي وجسدي، فاحترق وجهي وبطني وذراعي، ونقلت على إثرها إلى تركيا لأن المشافي في المنطقة لا يتوفر فيها إمكانيات لعلاج مثل تلك الحروق خاصة بوجود الحمل، إذ أنني كنت في الشهر السابع من الحمل، واستمر العلاج أربعين يوماً لأجد نفسي أمام آلام الولادة مجدداً، بعد أن عدت مشوهة بالكامل فقد التصقت شفتاي، وتشوه وجهي وذراعاي وامتدت الحروق إلى جسدي وقدماي ولم أعد قادرة على الظهور بين الناس لسوء حالتي الصحية والجسدية والنفسية، وصرت أتمنى الموت على البقاء في تلك الحالة المثيرة للشفقة.
بدوره أكد طبيب التجميل مهدي داوود لموقع تلفزيون سوريا أن الحروق تكون معالجتها صعبة وتحتاج إلى متابعة، وقد تؤدي هذه الحروق إلى حالة نفسية عند المصاب، خاصة في مجتمعاتنا الشرقية دائماً أي حرق أو أي جرح في الوجه يخلق حالة نفسية عند المصاب ويبعده عن المجتمع كما يؤدي إلى انغلاقه على نفسه.
كما أكد الطبيب عقبة جدوع أن مشفى الحروق المتخصص في أطمة يستقبل يومياً الكثير من حالات الحروق بمختلف الدرجات الأولى والثانية والثالثة، الناجمة إما عن الحرق المباشر بسبب اشتعال المنازل، أو بسبب انسكاب مياه بدرجة غليان على أجزاء واسعة من أجسام الأطفال، والحروق غالبا تكون درجة ثانية إلى ثالثة، موضحاً أن حروق الدرجة الثانية إنذارها جيد بشكل عام، أما الثالثة فتتسبب بتشوهات وإعاقات حركية وشكلية مديدة، يتم التدبير المبدئي لها في مستشفيات الداخل، ويتم إحالة كثير منها إلى تركيا.
الموت برداً أفضل
عبارة قالها الحاج عثمان حمدان وهو والد الطفل رامز البالغ من العمر سبعة أعوام من سكان مخيم تل الكرامة التابع لريف حلب الغربي وهو يروي لموقع تلفزيون سوريا قائلاً: يخرج الفتية والشبان بشكل يومي لجمع الأغصان وفوارغ النايلون والكرتون والأحذية لإشعالها عند المساء خوفاً من الموت برداً، ولتنشيف ما قد تبلل من الأثاث للنوم عليه بسبب الأمطار والسيول التي يتعرض لها المخيم، لأننا لا نمتلك المال لشراء الوقود أو الحطب المقطع والجاف.
وتابع حمدان: لم نكن يوماً نكترث بما قد يصيب أطفالنا بسبب استنشاقهم نتائج احتراق تلك المواد، إلى أن تعرض طفلي رامز لالتهاب رئوي حاد ومزمن كما شخصه لنا الطبيب الذي أكد سوء حالته، وضرورة متابعتها في المشفى، كي لا تتطور أكثر فيتحول لورم خبيث فيضطر للأدوية الكيماوية، وبدأت بمعالجته في المشافي وإعطائه إبر الكورتيزون، ووضع الأوكسجين وجلسات الرذاذ المتكررة طوال اليوم، ليتمكن من التنفس، لكن وضعه ازداد سوءاً لدرجة وجوب استخدام تلك الأجهزة بشكل يومي بسبب التلوث الموجود في المنطقة وخاصةً داخل المخيم، وبعدها تم تحويله إلى مشفى في تركيا لمتابعة العلاج، ولا أعرف إن كان سيعود، أم أن مصيره كغيره من الأطفال الذين أصيبوا من قبل بالتهاب الرئة الحاد ولم يسلموا منه.
بدوره أكد الطبيب داوود أن العديد من الأطفال تعرضوا للاختناق بسبب استنشاق نتائج احتراق النايلون والغازات والفحم، وأن الهدر الذي يصيب الرئتين غير قابل للتصليح خاصةً عند الذين يعانون من حساسية، كما أن استنشاق هذه الغازات يؤثر على نمو الطفل وتكونه، وقد يؤدي في بعض الأحيان إلى الإصابة بأمراض سرطانية، ولكن ليس دائماً. وتابع داوود أن هناك أمراضاً تتعرض لها الرئتان وهي أخطر من الأمراض السرطانية لأنه أكثر عرضة للإصابة بها، وهي مؤذية للرئة كإصابة الرئتين بالربو المزمن الحاد أو ذات الرئة.
عرس تحول إلى مأتم
هذا هو حال العروسين محمد البالغ من العمر ٢٣ عاماً من قرية طعوم التابعة لمحافظة إدلب وزوجته سناء البالغة من العمر ٢٢عاماً من مدينة بنش حين تحول فرحهما إلى عزاء. إذ يروي والد العريس لموقع تلفزيون سوريا عن اختناق ولده وعروسته في يوم زفافهما قائلاً: بسبب الأوضاع الاقتصادية السيئة اضطر ابني الوحيد محمد للسكن مع عروسته في إحدى غرف منزلنا، ولم يكن باستطاعتنا تأمين وقود للتدفئة إلا مدفأة الغاز التي تم استخدامها في تلك الليلة، وتابع في اليوم التالي من الزفاف تأخر العروسان كثيراً فاضطررنا لخلع الباب وإذا بهما قد فارقا الحياة، وعند عرضهما على الطبيب تبين أن سبب وفاتهما التسمم والاختناق بالغاز الصادر عن المدفأة، ونقص الأكسجين في الغرفة، وتم دفنهما بعدها في حديقة المنزل، وتحول عرسهما إلى مأتم تحترق له القلوب.
بدوره أكد الطبيب جدوع أن الشمال السوري حالياً يمر بموجة غاية في الصعوبة لالتهاب القصيبات الشعرية، وهو عبارة عن مرض يصيب الرضع وحديثي الولادة، وأن المشافي بشكل عام ممتلئة نتيجة هذه الجائحة الشديدة، والتي سببها إنتان فيروسي لكن من أهم العوامل المساعدة في انتشار وتفاقم المرض هو استخدام وسائل التدفئة غير الصحية، والتي يكون فيها احتراق جزئي يتسبب بخلل بعملية التبادل الغازي في الرئتين، ويفاقم حالة نقص الأكسجة الناجمة عن الالتهاب الرئوي، إضافةً إلى مرضى الربو الذين يدخلون بهجمات شديدة،" بسبب هذه الوسائل"، تستدعي الاستشفاء وزيادة في إشغال المشافي الواقعة تحت عجز كبير.
موضحا أنه تم إيقاف الدعم عن 19 مشفى، بالإضافة إلى وجود نقص كبير جداً في البنية التحتية الصحية، ونقص في الأوكسجين الضروري لعلاج هذه الحالات.
ورغم كل هذه الصعوبات والأمراض التي يتعرض لها سكان المنطقة إلا أنهم قد يضطرون إلى حرق ثيابهم وأثاث المنزل والحرامات الموجودة عندهم لدرء البرد عنهم.
وبحسب إحصائية قامت بها منظمة أطباء بلا حدود فإن ٤٠ في المئة من المرضى الذين تمت معاينتهم عانوا من التهاب الجهاز التنفسي العلوي، بينما وصلت نسبة العدوى في أمراض الجهاز التنفسي السفلي إلى قرابة 13 في المئة.