أطلق مثقفون وأكاديميون وناشطون سوريون في كلّ من السويداء ودرعا وريف حلب الشمالي، مبادرة لتوحيد الخطاب الجماهيري الوطني المناهض للنظام السوري في تلك المناطق، ومنع الانجرار نحو الأهداف الانفصالية والتعصّبية كما هي الحال في تجربة "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) وواجهتها المدنية "الإدارة الذاتية" في شمال شرقي سوريا.
وتشتمل المبادرة على 5 مرتكزات أساسية، تضمنها إعلان مشترك أطلق عليها القائمون مسمّى "وثيقة المناطق الثلاث"، ستتم قراءة مضمونها عقب صلاة الجمعة اليوم -بصورة متزامنة- في كلّ من مدينة اعزاز ريف حلب الشمالي، ودرعا البلد، وبلدة القريا بريف السويداء.
وجاء فيها:
"ريف حلب الشمالي القابض على جمر الثورة، ونبع الصبر والوطنية، والأمل.
درعا البلد: نبع العزة والإباء، مهد ثورة الحرية والكرامة، وتراب شهيد الثورة الأول في 2011.
القريا: حاضنة الوطنية، ومهد الثورة السورية الكبرى في 1925".
إننا بصورة سورية مشتركة ملؤها الأمل، إذ تتذكر "إعلان استقلال سوريا"، الذي أعلن في مثل هذا اليوم من عام 1920، اخترنا من طرائق الذكرى أفضلها فقررنا أن نحيي ذاكرتنا الوطنية الديمقراطية العريقة من بوابة المستقبل، وبدلالته بالعمل المشترك الذي يستأنف المشروع الديمقراطي الوطني الذي بدأه السوريون في آذار 2011، واستنادًا إلى ذلك، يتقدم أبناء هذه المناطق الثلاث إلى أبناء بلدهم سوريا في هذا اليوم العظيم بالوثيقة المشتركة الآتية، طامحين أن تكون موضع توافق وترحيب شعبي على امتداد البلاد، بما يمهد الإمساك بمستقبلنا، وابتكار سياسة وطنية سورية جديدة أكثر عقلانية ونجاعة.
/كلمة الشيخ أحمد الصياصنة بشأن المبادرة/
أولًا- تأميم السياسة: نحن أصحاب القضية
السياسة في سوريا شأن عمومي سوري، لا يخص فئة دون أخرى. وعليه؛ فإننا نعلن بوضوح، أن تسليم القرار العمومي السوري لأي قوة أجنبية، أو دولة أخرى، أو ميليشيا، أو جماعات حزبية، أو عصبية، مصادرة لقرار السوريين، ويجب أن يتوقف سواء صدر من الطغمة المجرمة التي تحكم دمشق، أو من أي طرف آخر.
إن ترجمة شعار الثورة الأول "سوريا لينا وما هي لبيت الأسد"، إلى سلوك وخطاب سياسي يحقق امتلاك السوريين السياسة العمومية، حق أصيل، وواجب على كل أبناء البلاد، لأنهم الذين صنعوا الثورة، وهم من يملك الوطن. وتمكين السوريين من تأميم قرارهم الوطني هدف سام، لن تهون عزيمتنا، ولن تضعف إرادتنا، حتى تحققه.
إن سيادتنا في وطننا قرارنا لنيل حريتنا وكرامتنا، وأساس وحدتنا بوصفنا شعبًا واحدًا، وهو أساس حل مشكلاتنا، وصون حياة أبنائنا، ومستقبلهم.
ثانيًا- الحياة والحرية والأمان والكرامة حقوق وطنية
الصراع في سوريا، بين الحرية والكرامة من جهة، والقهر والإذلال من جهة أخرى بين ذهنية تواقة إلى الحياة والحرية يُمثلها الشعب، وأخرى لا تفهم إلا القتل والتعذيب، وسلب الحد الأدنى من الحقوق، يُمثلها "لنظام" الحاكم. إننا نؤمن أن الحياة، والحرية، والأمان، والكرامة حقوق مصونة للسوريين كلهم، تقع في مركز تفكير السياسة السورية. وتناهض كل فعل، أو خطاب يدعو إلى الكراهية، أو يروج للقبول بمصادرة الحريات والكرامة ومقايضتهما بالاستقرار.
ثالثًا- رفض الانطواء المحلي: وحدة سوريا
الدولة الوطنية لجميع أبنائها، وليست دولة ملة، أو طائفة، أو جماعة عرقية، أو حزب، أو تيار سياسي؛ إنها دولة سورية فحسب، تحتضن أبناءها كلهم، من دون استثناء فليس للوطن نعرة عصبية، ولا يمكن أن تتحقق الوطنية السورية على أساس الانطواء المحلي، وتعلن أن السعي إلى تقسيم سوريا، عمل غير مشروع، أيًا كانت ذرائعه، وتجب مناهضته بكل السبل الممكنة.
رابعًا- التنسيق والحوار والعمل المشترك
إنسانية البشر مقدمة على العصبيات والتحزبات على اختلافها، لا يسلبها أحد، ولا يمنحها أحد؛ ولذلك يدير البشر العاديون خلافاتهم بالحوار لا بالعنف. وهذه الإنسانية العادية جوهر حريتنا، وتجسيد كرامتنا، ومصدر ذواتنا السياسة الوطنية.
لقد كانت "التنسيقية"، التشكيل الأول للثورة، فرصة لتوليد السياسة، والتعبير عن حقيقتنا الوطنية، وضمان عدم احتكارها وتشويهها بالتنسيق والتواصل بين السوريين واليوم ندعو السوريين جميعًا إلى العودة إلى مبدأ التنسيق مرة أخرى، وبناء شبكات ثقة بينهم عابرة للمناطق، والطوائف والعصبيات، من أجل الإمساك بزمام أمورهم انطلاقًا من سلوك ديمقراطي حر وأصيل يؤمن بتساوي السوريين، وأن تعاونهم، وعملهم المشترك، السبيل لاستعادة الوطن.
خامسًا- وحدتنا في كثرتنا: بناء الثقة
الثقة أداة تأسيس سياسية تؤطر اجتماعنا الوطني، وتُعيد بناء رأس مال اجتماعي وطني، يمهد الطريق لـ "الوحدة في الكثرة"، واحترام التعددية وترسيخها قناعة وعملًا، ويمتد الانتقال إلى الديمقراطية، فكرًا وسلوكًا. إننا ندعو السوريين كلهم، في ذكرى التأسيس الوطني الملهمة هذه، إلى التعبير عن الثقة، والعمل على تعزيزها، وإيلائها أهمية في السلوك السياسي والخطاب.
إننا أبناء هذه المناطق الثلاث التي لا تزال تنبض بروح الثورة، وتحتفظ ذاكرتها بآلامها، وآمالها، على مر السنين، بتقدمها وتعثرها، نعلن أننا نعمل معًا انطلاقًا من هذه المبادئ السابقة، طامحين إلى خلق روح جديدة في التفكير في مستقبل وطننا، وفتح حوار سوري عمومي عابر للمحليات، والعصبيات كلها، يقود إلى تصور مشترك للخطوات الأولى لبناء اجتماع سياسي تواصلي توافقي وطني حقيقي، قادر على تمثيل طموحات السوريين، وتضحياتهم، وآلامهم. وندعو السوريين، في كل أنحاء الوطن، إلى المساهمة معنا، والانضمام إلينا لتحقيق هذه الغاية النبيلة.
"حي على الوطن" - ريف حلب الشمالي (حلب) درعا البلد (درعا) القريا (السويداء).
"للتذكير بأن الثورة لكل السوريين"
وفي حديثه لـ موقع تلفزيون سوريا، أكّد قائد فريق تعزيز المشاركة السياسية في نقابة المهندسين السوريين الأحرار وأحد المساهمين في إطلاق المبادرة، علي حلاق، أن المبادرة تمثل مختلف الأطياف والجهات المدنية في المناطق الثلاث، والغاية منها "تذكير السوريين بأن الثورة لهم جميعاً بدون تمييز".
وأوضح حلاق أن المبادرة جاءت "كضرورة للوضع الحالي الذي تشهد فيه السويداء حراكًا شعبيًا متواصلًا منذ نحو 8 أشهر، وكذلك حراك درعا الذي لم يتوقف رغم الحصار وسيطرة النظام، وحراك الشمال السوري الذي لم يتوقف طيلة 13 عامًا؛ بهدف إيجاد حالة من التكامل والتنسيق بين هذه المناطق".
وأشار حلاق إلى مشاركة العديد من اللجان والاتحادات ضمن المبادرة، من بينها: اتحاد تجمع النقابات الحرة في الشمال، واتحاد الثوار، ولجنة الحراك العام في السويداء، وجهات عديدة غيرها.