تشهد مناطق سيطرة الجيش الوطني السوري شمالي سوريا، تحرّكاً مستمراً من مؤسسات وشخصيات أكاديمية، بهدف تحسين الواقع المدني والعسكري والإداري والاجتماعي، بحسب مبادراتهم المتكررة التي تُطلق كل حين وتزداد أهميتها بالتزامن مع الأحداث السياسية الجارية والمواقف المتغيرة، كإعلان وزارة الخارجية التركية سياسة التقارب مع النظام السوري مؤخّراً، ما جعل المناخ في تلك المناطق يضاعف جهود البحث عن مركزية وطنية سياسية وعسكرية اقتصادية.
"المبادرة الموحدة"
أطلقت شخصيات مستقلة ومؤسسات مبادرة جديدة بعيداً عن الإعلام أطلق عليها مؤسسوها "المبادرة الموحدة"، التي ما تزال تطرح أوراقها ضمن لجنة مؤلفة من شخصيات أكاديمية مختلفة أبرزهم: حسن الدغيم (مدير إدارة التوجيه المعنوي في الجيش الوطني)، وماجد العليوي، والدكتور جواد أبو حطب، والباحث عباس شريفة، وغيرهم.
تهدف المبادرة إلى تعزيز المركزية في الجيش الوطني السوري متمثلة بوزارة الدفاع التي يقودها العميد الطيّار حسن حمادة، والحد من حالة التشظي والفصائلية، وتعزيز دور المؤسسات الرسمية إلى جانب ضبط الفوضى الأمنية، التي تعانيها مناطق سيطرة الجيش الوطني.
آليات العمل
بحسب مصادر خاصة لـ موقع تلفزيون سوريا، فإنّ أهم آليات عمل المبادرة تتمثّل في إنشاء مجلس قيادة موحدة للمنطقة يضم إلى جانب قيادات الجيش الوطني وممثلي الفصائل العسكرية عددا من الشخصيات المستقلة والمدنية في المنطقة.
يضاف إلى ذلك، تعزيز الإدارة الموحدة للملف الأمني في مناطق سيطرة الجيش الوطني، وتشكيل إدارة أمنية موحدة من مختلف التشكيلات، ومنحها صلاحيات واسعة تُمكّنها من أداء مهامها بعيداً عن الحسابات الفصائلية التي أعاقت أداء الشرطة المدنية والعسكرية في المنطقة سابقاً.
كذلك طرحت المبادرة إنشاء قوة مهام خاصة مشتركة من جميع الفصائل والتشكيلات تضطلع بالمهام الاستثنائية وتكون جاهزة لأي عملية عسكرية أو أمنية مفاجئة، إضافة إلى توحيد الحقائب المالية لفصائل الجيش الوطني، والعمل على زيادة رواتب عناصر وأفراد الجيش التي لا تتجاوز الـ30 دولارا شهرياً.
ضرورة المبادرة
تفشّي الفوضى والتجاوزات الأمنية المختلفة، والهشاشة الكبيرة التي يعاني منها الجيش الوطني السوري على المستوى التنظيمي والبنيوي، أو على مستوى العقيدة القتالية لأفراده، أو دور قياداته في صناعة القرار السياسي والعسكري والأمني في المنطقة، كلّها أسباب دفعت إلى إطلاق هذه المبادرة.
الصدامات التي حصلت، قبل أشهر، بين الفيلق الثالث ومجموعات منشقة من "الفرقة 32" (القطاع الشرقي/ حركة أحرار الشام)، وأدت إلى دخول "هيئة تحرير الشام" إلى مناطق سيطرة الفيلق، ووصولها إلى مركز مدينة عفرين شمال غربي حلب، خلال ساعات قليلة، كشفت عن حجم الاختراق الأمني الذي يعانيه الجيش الوطني السوري، وقدرة "تحرير الشام" على التمدّد في ظل أي فرصة قادمة، خصوصاً بالتزامن مع تقارب بعض قيادات الجيش الوطني وقيادات "الهيئة"، وتبادل الزيارات على أعلى الأصعدة، منذ بداية الثورة.
وكان ذلك التقارب دليلا على عدم تحرّك بعض فصائل الجيش الوطني بصد هجوم "هيئة تحرير الشام" الأخير على مناطق "غصن الزيتون"، الأمر الذي استخدمه الروس والإيرانيون كورقة ضغط على تركيا في آخر قمة ثلاثية جمعتهم بالعاصمة الإيرانية طهران، كما أبلغ الروس أن المنطقة التي دخلتها "الهيئة" لم تعد مشمولة ضمن خفض التصعيد.
من جهة أخرى تحدثت بعض التسريبات عن مفاوضات تجري لفتح عدد من المعابر الجديدة في المنطقة، لأهداف متعلقة بالمكاسب التي سيحظى بها مَن يسيطر على بعض المعابر مع النظام السوري كمعبري أبو الزندين شرقي حلب، ومعبر سراقب شرقي إدلب، وذلك بعيداً عن أي حسابات أمنية أو سياسية، أو دور للحكومة السورية المؤقتة في تلك المفاوضات التي تدور ضمن فلك الحسابات الفصائلية بعيداً عن مصلحة الثورة وسكّان المنطقة، الذين تصلهم الملغّمات وشحن المخدّرات القادمة من منطقة سيطرة نظام الأسد و"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، كحصة لهم من واردات تلك المعابر.
ومع وضوح عجز الجيش الوطني عن بلورة رد عسكري موحد ضد هجمات نظام الأسد و"قسد" المتكررة في ريف حلب، باستثناء بعض الردود الخجولة وربما دون تنسيق مع الجانب التركي، يتحتم على الجيش الوطني في حال رغبته كسب ثقة الشارع السوري أخذ زمام المبادرة على الأقل بما يتعلق بالرد على الهجمات التي تتعرض لها مناطق سيطرته، وبناء توازن ردع يمنع من تكرار عمليات القصف المتكررة، وهو ما يقتضي بطبيعة الحال اكتساب نوع من الاستقلالية في القرار العسكري، يُفترض أن توفره "المبادرة الموحدة".
عوائق وتحديات
رغم الضرورة الملحة لمثل هذه المبادرة في مناطق سيطرة الجيش الوطني السوري، فإنّ عوائق وتحديات عديدة تبرز أمامها، فوجود جسم موحد وقوي ومستقل في قراره من شأنه أن يثير قلق بعض الجهات التي ربما تفضل استمرار الحالة الفصائلية، التي تمكنها من توجيه الجيش الوطني وفق مصالح أمنها القومي، أو المصالح المشتركة لكن مع استمرار حالة الوصائية، في حين أن تعزيز المركزية والقيادة الموحدة للجيش قد تدفع به لاتخاذ قرارات وطنية بعيدة عن التوجهات الخارجية.
وبالرغم من تحدث تقارير عن موافقة العديد من تشكيلات الجيش الوطني على المبادرة، فإن هناك حديثا عن رفض تشكيلات لها واشتراطهم نسباً اقتصادية معيّنة مقابل الانضمام، في حين تحدّث آخرون أن الشروط قد تكون جولة متعمدة لتفشيل المبادرة كما حدث للمبادرات السابقة، أو على الأقل إثارة العقبات ووضع الشروط وإغراق القائمين عليها بالتفاصيل، وهو أمر طبيعي لكون تعزيز المركزية سيسلب تلك الفصائل بعضاً من صلاحياتها وسلطاتها ومكاسبها الشخصية.