كشـف "المركز السوري للعدالة والمساءلة" عن وثائق تثبت تورّط أجهزة أمن النظام ومخابراته بمراقبة وملاحقة اللاجئين السوريين المعارضين.
وعرض المركز أربعة صور لوثائق حصل عليها، تبيّن حصول تنسيق بين سفارتي النظام في كلّ من المملكة العربية السعودية وإسبانيا، قال إنها تهدف "لإثبات ملامح السوريين المعارضين الذين شاركوا باحتجاجات عام 2012".
وأضاف المركز أن الوثائق "تسلط الضوء على عملية صنع القرار وراء مراقبة وقمع ومعاقبة السوريين في الشتات وعائلاتهم، وتثير مخاوف بشأن قدرة البلدان المضيفة للاجئين على حماية اللاجئين من مزيد من الترهيب وضمان سلامة الناجين والشهود المشاركين في قضايا مرفوعة بموجب الولاية القضائية العالمية".
وفي ما يلي أهم ما التفاصيل التي تطرّق لها تقرير المركز السوري للعدالة والمساءلة:
شاهد أيضاً: أغرب عمليات العودة إلى الأسد
وتُظهر المجموعة الأولى من الوثائق كيف جمعت السفارة السورية في الرياض أسماء السوريين الذين زعموا أنهم يفضحون أمر السوريين الموالين للحكومة على الإنترنت.
وتم إرسال هذه الوثيقة بين فرعين مختلفين تابعين لشعبة المخابرات العسكرية، التي تعتبر أقوى فروع مخابرات الحكومة السورية.
وتقرّ ورقة الغلاف بوجود "مفرزة" للمخابرات العسكرية داخل السفارة السورية في الرياض.
وفي الجزء العلوي من ورقة الغلاف، توجد رسالة مكتوبة بخط اليد تطلب من الفروع المستلمة "إجراء اللازم" بالمعلومات المضمنة.
وتُستخدم هذه العبارة بانتظام ضمن مجموعة الوثائق الحكومية الموجودة لدى المركز السوري للعدالة والمساءلة، ومن المفهوم أنها تمنح المستلم سلطة تقديرية واسعة حول كيفية متابعة الأمر. ويتبع ورقة الغلاف هذه عدة أوراق من المعلومات الشخصية عن مواطنين سوريين في السعودية، بما في ذلك أسماء الأفراد وتاريخ العائلة والمهن وأماكن العمل والإقامة.
ورقة 2:
وتُستخدم هذه العبارة بانتظام ضمن مجموعة الوثائق الحكومية الموجودة لدى المركز السوري للعدالة والمساءلة، ومن المفهوم أنها تمنح المستلم سلطة تقديرية واسعة حول كيفية متابعة الأمر. ويتبع ورقة الغلاف هذه عدة أوراق من المعلومات الشخصية عن مواطنين سوريين في السعودية، بما في ذلك أسماء الأفراد وتاريخ العائلة والمهن وأماكن العمل والإقامة.
وتكشف المجموعة الثانية من الوثائق أن السفارة السورية في مدريد قامت بتحديد هويات معارضين شاركوا في مظاهرة مؤيدة للمعارضة في تموز/يوليو 2012. حيث كانت الصفحة الأولى عبارة عن برقية من الفرع 243، شعبة المخابرات العسكرية في دير الزور، إلى الفرع 294 لطلب مزيد من المعلومات حول الأفراد الذين تم تحديد أسمائهم كمشاركين في الاحتجاجات أمام السفارة في مدريد. ويتضمن البند الثاني من سفارة مدريد قائمة بالأسماء والمعلومات التعريفية عن متظاهرين. وكانت الرسالة موقّعة "شوهد وصدق، رئيس الفرع 294"، مما يدل على أن هذه الأنشطة كانت معروفة ومصرّح بها من قبل المناصب العليا من المخابرات.
حيث كانت الصفحة الأولى عبارة عن برقية من الفرع 243، شعبة المخابرات العسكرية في دير الزور، إلى الفرع 294 لطلب مزيد من المعلومات حول الأفراد الذين تم تحديد أسمائهم كمشاركين في الاحتجاجات أمام السفارة في مدريد.
ويتضمن البند الثاني من سفارة مدريد قائمة بالأسماء والمعلومات التعريفية عن متظاهرين.
وكانت الرسالة موقّعة "شوهد وصدق، رئيس الفرع 294"، مما يدل على أن هذه الأنشطة كانت معروفة ومصرّح بها من قبل المناصب العليا من المخابرات.
وتقدّم كلتا المجموعتين من الوثائق الداخلية لمحة عن شبكة أكبر من المراقبة التي ترعاها السفارات، مما يثبت صحة المزاعم التي تفيد بأن سفارات أخرى تقوم بتتبّع وقمع السوريين في السويد والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا ودول أخرى. وبينما نفت الحكومة السورية مزاعم تفيد بأن سفاراتها تشارك أو شاركت في مراقبة وترهيب المغتربين السوريين، فإن وثائق السفارات التي حصل عليها المركز السوري للعدالة والمساءلة تنفي ادعاءات الحكومة.
"عيون وآذان في كل مكان"
ترسم مزيد من الأدلة صورة أكثر اكتمالاً لمدى وصول أجهزة المخابرات السورية. ففي السويد، على سبيل المثال، عبّر المقيمون السوريون عن "اقتناعهم بأن جزءاً من الهدف عند فتح السفارة السورية في السويد في عام 2001 كان القدرة على مراقبة الأنشطة والآراء والنقاشات التي يجريها السوريون والإبلاغ عنها". وتم تأييد ذلك في عام 2012، عندما أكّد دبلوماسي سوري منشق، السفير السوري السابق في السويد بسام عمادي، أن موظفي السفارة كانوا يراقبون السوريين بشكل روتيني في السويد. وفي دول أخرى، شهد سوريون بأنه تم استدعاؤهم من قبل مسؤولي السفارة السورية، وبعد ذلك تعرّضوا هم وعائلاتهم في سوريا للتهديد شفوياً.
كما قامت الحكومة السورية برعاية المنظمات والنوادي الاجتماعية السورية في الخارج والتي يعتبرها كثير من السوريين في الشتات طريقة أخرى تمارس من خلالها الحكومة قدراً من السيطرة. وأفاد العديد من السوريين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة أنه قد تم زرع مخبرين في مجتمعاتهم لغرض المراقبة. وحتى قبل عام 2011، أفاد العديد من السوريين الذين يعيشون في الشتات بتجنّب التواصل الاجتماعي مع سوريين آخرين لأنه لم يكن من الممكن تحديد من منهم كان على صلة بالحكومة. وقال دبلوماسي سوري سابق امتدت مسيرته المهنية على مدار عدة بعثات دبلوماسية لسوريا على طول، إن "النظام يعتمد على المهاجرين واللاجئين لتعقّب أقرانهم والتثبّت من المعارضين له ومن الموالين له. وهم يفعلون ما لا تستطيع السفارة فعله مباشرة فيما يتعلق باللاجئين".
ويواجه السوريون في الخارج الذين لا يزال أفراد عائلاتهم مقيمين في سوريا الابتزاز والترهيب من خلال تهديد أقاربهم. حيث أفاد العديد من السوريين الذين قابلتهم عالمة الاجتماع دانا موس أن أقاربهم "سُجنوا وتعرضوا للتعذيب تحديداً بسبب معارضتهم" للحكومة، أو أن أفراد عائلاتهم قد عوقبوا بفترات انفصال وحظر سفر من قبل الحكومة السورية. وتُعتبر المضايقات وتقييد الحركة والأذى الجسدي للأقارب في بلد الأصل بمثابة تكتيك يمكن للحكومة من خلاله جمع المعلومات ومعاقبة المعارضين في الخارج. وأبلغ من تمت مقابلتهم منظمة العفو الدولية أن "أقاربهم الذين يعيشون في سوريا قد تمت زيارتهم واستجوابهم من قبل قوات الأمن بشأن أنشطتهم في الخارج، وفي عدة حالات، تم اعتقالهم وحتى تعذيبهم كنتيجة مترتبة على ذلك".
ووثّق تقرير منظمة العفو، الذي صدر في تشرين الأول/أكتوبر 2011، أكثر من 30 حالة في ثماني دول لسوريين تعرّضوا للترهيب والتهديد والعنف من مسؤولي السفارات وغيرهم فيما يتصل بحراكهم المؤيد للمعارضة. ومع ارتفاع أصوات المغتربين السوريين وانتشار الاحتجاجات المناهضة للحكومة في جميع أنحاء العالم، اتخذت المخابرات السورية إجراءات أكثر صرامة لردع وقمع المعارضة بين الشتات. حيث قال محمد العبد الله، المدير التنفيذي للمركز السوري للعدالة والمساءلة، "اعتُقل مئات السوريين في الثمانينيات والتسعينيات لدى هبوط طائرتهم في مطار دمشق، بناءً على بلاغات من جواسيس ومخبرين في الخارج. وبعد عام 2011، وسّعت الحكومة السورية هذه الممارسة وتجرّأت على الوصول إلى دول مثل الولايات المتحدة والعديد من الدول الأوروبية."
وكان محمد أنس هيثم سويد هو أحد هذه الحالات البارزة، وهو مواطن أمريكي من أصل سوري، أدين كعميل أجنبي غير مسجل يعمل لصالح الحكومة السورية في عام 2012 بسبب قيامه باستهداف ومراقبة أفراد يتظاهرون ضد الأسد. وكان محمد سويد قد جمع وقدّم للحكومة السورية تسجيلات بالفيديو والصوت لاحتجاجات ومحادثات مع المتظاهرين، ومعلومات الاتصال بالمعارضين، وتفاصيل عن حركة الاحتجاج بهدف إسكات وترهيب الحركة الموالية للمعارضة. وكان أحد هؤلاء الأفراد هو محمد العبد الله، الذي أبلغه مكتب التحقيقات الفيدرالي أنه ربما كان يخضع لمراقبة الحكومة السورية. وعندما تم الكشف عن التفاصيل في محاكمة محمد سويد بعد أشهر، "صُدم محمد العبد الله حقاً" بحجم الموارد المخصصة للعملية ومستوى الجهود الحكومية المنظمة والمنهجية للتجسس على السوريين في الشتات.
وعلاوة على ذلك، بما أن الحكومة السورية لا تملك القدرة على مراقبة جميع فئات اللاجئين، فقد تضمنت بعض اتفاقيات "المصالحة" مع الدول المستضيفة للاجئين شروطاً مصممة لسدّ هذه الفجوة. وكجزء من اتفاقات العودة على نطاق صغير بين المديرية العامة للأمن العام في لبنان والمخابرات السورية، يجب على مجموعات السوريين الراغبين في العودة إلى الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة على طول الحدود اللبنانية الموافقة على الخضوع لتدقيق أمني من قبل المخابرات السورية. وفي واقع الأمر، تم اعتقال المئات من هؤلاء العائدين عند عودتهم، وتم استجوابهم، وإجبارهم على الإبلاغ عن أفراد عائلاتهم. وتعرّض العديد منهم للابتزاز والاعتقال والتعذيب للحصول على معلومات حول أنشطتهم أثناء وجودهم خارج البلد.
وفي بعض الحالات، يمكن أن يشمل نطاق وصول الحكومة السورية في الخارج التهديد باستخدام القوة مباشرة ضد المغتربين. ففي الاتحاد الأوروبي، أبلغ لاجئون سوريون بأنهم واجهوا تهديدات بالعنف الجسدي والترهيب من قبل شبيحة تابعين للحكومة السورية ويعيشون كلاجئين.
حماية اللاجئين والشهود من التحرش والترهيب
على الرغم من وجود قيود كبيرة على الملاحقة القضائية للمراقبة والمضايقة خارج الحدود الإقليمية بسبب الحصانة الدبلوماسية لمسؤولي الحكومة السورية، يمكن لدول اللجوء طرد الجواسيس. وبالإضافة إلى ذلك، يجب على المدّعين العامّين في الوحدات الخاصة بجرائم الحرب أن يكونوا على دراية بنطاق وصول هياكل المراقبة هذه وأن يولوا انتباهاً خاصاً لها. وقد يتم ثني الشهود المحتملين على انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا والمقيمين حالياً في الاتحاد الأوروبي عن الإدلاء بشهادتهم لدعم القضايا المرفوعة بموجب الولاية القضائية العالمية إذا تعرضوا للترهيب. وتمثل صعوبة ضمان السلامة، ليس فقط للشهود في الخارج، ولكن لأقاربهم الذين قد يبقون في سوريا، تحدياً خاصاً لدعم الضحايا وجمع شهادات الشهود. ولا ينبغي السماح لبرنامج الحكومة السورية للقمع والترهيب بتعقّب الضحايا إلى الدول التي لجؤوا إليها. لذلك، يجب على المدّعين العامين وسلطات الهجرة في الدول المستقبلة أن يظلوا على دراية بانتهاكات الحكومة السورية، وأن يأخذوا مثل هذه الادعاءات من السوريين على محمل الجد، وأن يوفروا الحماية لمن هم تحت المراقبة، وحيثما أمكن تخصيص الموارد للتحقيق أو لمقاضاة أو طرد عملاء الحكومة السورية الذين لوحظ أنهم يقومون بالترهيب أو بمراقبة السوريين في الخارج بشكل غير قانوني.
وبحسب تقرير للأمم المتحدة فإن عدد اللاجـئين السوريين وصل إلى نحو 6.6 ملايين لاجـئ موزعين في 126 دولة، 83% منهم في دول المنطقة العربية والجـوار السوري وخـاصة في تركيا التي تسـتضيف أكثر من ثلاثة ملايين و600 ألف لاجـئ سوري.