برز ملف النفط والطاقة كأهم معضلة يعاني منها النظام السوري، لما يترتب عليها من تكاليف كبيرة وتقنين في الكهرباء ومخصصات وقود التدفئة والسيارات الخاصة والعامة، وشلل في عجلة الصناعة، بالإضافة إلى حضوره كملف ابتزاز تمارسه إيران التي تعد المورد الأكبر للنفط عبر الناقلات.
تاريخ صناعة النفط والغاز في سوريا
بدأت سوريا في صناعة النفط والغاز عام 1957 وذلك عندما وقعت تعاوناً اقتصادياً وفنياً مع الاتحاد السوفييتي، وتأسيسها للشركة العامة للنفط عام 1958، التي أشرفت على صناعة النفط.
دخلت مجموعة من شركات النفط الأجنبية إلى سوريا منذ عام 1975، وقامت بأعمال جيولوجية وجيوفيزيائية في كل الأراضي السورية تقريباً، وتم حفر 270 بئراً استكشافياً، وسجلت الشركة السورية للنفط بالتعاون مع الشركات الأجنبية عدة اكتشافات نفطية بين عامي 1975-1985، وأهمها حقل "تيم" عام 1984.
وتصنف الفترة الممتدة بين عامي 1986 - 1995، بالفترة الأكثر اكتشافاً لموارد الطاقة، خاصة بعد دخول العديد من الشركات الأجنبية التي وقعت معها الشركة السورية عقوداً مثل شل، وتوتال، وماراثون، وتولو، حيث تم الكشف في تلك الفترة عن 15 حقلاً للغاز والنفط، وكان أهم اكتشاف في تلك الفترة هو حقل عمر، الذي أُعلن عنه عام 1987، فقد أنتج الحقل في ذروته نحو 80 ألف برميل في اليوم.
وفي عام 1991 تم اكتشاف حقل جفرا، الذي يقع بالقرب من دير الزور، وكانت تديره شركة توتال فاينل، حيث بلغ إنتاج الحقل نحو 60 ألف برميل في اليوم في عام 2010.
وفي ديسمبر 2011، أعلنت شركة توتال تعليق عملياتها في سوريا عقب تشديد العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي. وبين عامي 2011 - 2013 تم فرض مجموعة مختلفة من العقوبات الدولية على النظام السوري من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وعلى إثرها خرجت جميع الشركات الأجنبية العاملة في مجال التنقيب واستخراج النفط والغاز من سوريا، وانعكس ذلك بشكل سلبي على الصناعات الاستخراجية في البلاد بشكل كبير.
والجدير بالذكر أنه منذ اكتشاف النفط في سوريا أي منذ عام 1968 حتى عام 2010، لم يتم تضمين قيمة إيرادات البترول في الميزانية العامة، والتي تقدر بمليارات الدولارات بحجة الحشد العسكري ضد إسرائيل.
توزع حقول النفط والغاز بين قوات السيطرة
حقول النفط والغاز في الوقت الحالي مقسمة بين أطراف الصراع السوري. حيث يسيطر النظام على حقول صغيرة جداً من النفط في الطرف الجنوبي من نهر الفرات في محافظة الرقة ولا يعول عليها اقتصادياً، كما يسيطر النظام على غالبية حقول الغاز كحقل الشاعر في تدمر. فيما تسيطر قوات قوات سوريا الديمقراطية "قسد" على غالبية حقول النفط في مدينتي الحسكة ودير الزور. أما قوات المعارضة السورية، فإنها لا تسيطر على أي احتياطيات من النفط أو الغاز.
وبالنسبة للبنية التحتية لمنشآت النفط والغاز فهي مقسمة بين أطراف الصراع، حيث تقع منشآت تكرير النفط ضمن مناطق النظام، إضافة إلى معمل الجبسة لإنتاج الغاز المنزلي، وأجزاء من خطوط الأنابيب الداخلية والدولية مثل خط الغاز العربي. في حين تسيطر "قسد" على ثلاث معامل للغاز هم ( كونكور، سويدية، معمل غاز عمر) كما تستحوذ على غالبية حفارات البترول في سوريا.
احتياطيات النفط والغاز السوري
تقدر احتياطيات النفط السوري المؤكدة في آخر إحصائية لعام 2015 بنحو 2،5 مليار برميل. وفي السنوات التي سبقت عام 2011، بلغ متوسط إنتاج النفط 350 ألف برميل يومياً، بينما كانت تصدر تقريبًا 150 ألف برميل في اليوم من النفط الخام إلى جميع أنحاء أوروبا. فقد تلقت ألمانيا وإيطاليا وفرنسا وهولندا أكثر من 80% من صادرات النفط الخام السوري.
ووفقًا للمفوضية الأوروبية، استوردت دول الاتحاد الأوروبي 1.35% من نفطها من سوريا في عام 2010. فعلى الرغم من أن الصادرات من سوريا كانت تمثل حصة صغيرة من إجمالي احتياجات الاتحاد الأوروبي من النفط، إلا أن هذه الصادرات شكلت 30% (أو 4.1 مليار دولار) من عائدات الحكومة السورية في عام 2010.
في حين بلغ متوسط الاستهلاك اليومي في سوريا 325 ألف برميل يومياً. وكانت تستورد يوميا بما يقارب 105 آلاف برميل من المكثفات (ديزل، بنزين، كيروسين)، وباقي الاستهلاك يتم تلبيته من مصافي التكرير المحلية في بانياس وحمص. وتمتلك سوريا ثلاث محطات تصدير على البحر الأبيض المتوسط في موانئ طرطوس، اللاذقية، بانياس. ولدى سوريا نوعان من النفط الخام وهما الخفيف والثقيل.
وسجلت كمية الاحتياطيات المؤكدة للغاز في سوريا 8.5 مليارات متر مكعب بحسب إحصائيات عام 2015، وبلغ متوسط حجم الإنتاج اليومي من الغاز غير المصاحب للنفط 250 مليون متر مكعب، وهو يشكل 58% من إنتاج سوريا للغاز، فيما بلغ إنتاج الغاز المصاحب للنفط 28% حيث يأتي غالبيته من منطقة شرقي الفرات.
القدرة الحالية لمنشآت البنية التحتية لموارد الطاقة في سوريا
حقول النفط
يعيش قطاع النفط في سوريا حالة من الفوضى منذ عام 2011. فقد انخفض إنتاج وتصدير النفط الخام إلى ما يقرب من الصفر، وتواجه البلاد نقصًا في المعروض من المنتجات المكررة. ووصلت آبار النفط لحالة من التلف لعدة أسباب:
- سوء إدارة الحقول من قبل الشركة السورية للنفط سابقاً، مما أدى إلى إتلاف الحقول وانخفاض الإنتاج في عام 1991، فقد استخدمت شركة النفط السورية حقن المياه والغاز في الحقول لرفع مستوى الإنتاج في ذلك الوقت، لكن عملية الحقن تضر في مستوى إنتاجية الحقول مع الزمن وتعرضها للتلف، ويحتاج إصلاحها لوقت طويل ومبالغ مالية كبيرة.
- حالة الحرب والصراع في سوريا، على الرغم من عدم تعرض حفارات وحقول النفط لضربات عسكرية، إلا أنها تعرضت للتخريب، وأصبحت تحتاج لعملية صيانة واسعة.
- توقف إنتاج الحقول، من المعروف أن توقف إنتاج حقل النفط لفترة زمنية قصيرة أو طويلة يؤثر على فاعلية الحقل الإنتاجية، ويصبح من الصعب عودتها إلى الحالة الإنتاجية السابقة.
- الإنتاج بالطرق البدائية، عندما سيطر تنظيم الدولة ومن ثم "قسد" على حقول النفط، عملوا على إنتاج النفط بالطرق البدائية، التي تؤدي إلى تلف الحقول.
محطات التكرير
مصافي البترول هي عبارة عن منشآت صناعية يتم فيها تحويل النفط من شكله الخام، إلى مواد متعددة الاستخدام مثل: الديزل، والبنزين، والكيروسين، وزيت الوقود، بالإضافة لعدد كبير جداً من المواد.
ويوجد في سوريا مصفاتان تمتلكهم حكومة النظام واحدة في حمص والأخرى في بانياس، السعة الإجمالية للمصفاتين نحو 240 ألف برميل في اليوم وفقًا لمجلة النفط والغاز.
وتلبي الكمية المكررة محلياً ثلاثة أرباع طلب سوريا على المنتجات البترولية المكررة قبل عام 2011. وتوقفت المضافتان عن العمل بكامل طاقتها الإنتاجية، بسبب توقف وصول النفط إليهما من شرق الفرات.
حقول الغاز
إن غالبية حقول الغاز في سوريا بقيت طول فترة الحرب تحت سيطرة نظام الأسد، ولم تتعرض لأي عمليات قصف من قبل الطيران والمدفعية، لذلك البنية التحتية لنظام الغاز الطبيعي عانت من أضرار قليلة نسبيًا مقارنةً بحقول النفط. والتراجع الحاصل في إنتاج الغاز في سوريا سببه انسحاب الشركات الأجنبية، والعقوبات الدولية التي فرضت على قطاع النفط والغاز. وكافة معامل إنتاج الغاز المنزلي في سوريا لم تتعرض لأي تلف، أو تعطل.
خطوط الأنابيب
تمتلك سوريا مجموعة متنوعة من خطوط الأنابيب المترابطة بين حقول النفط ومحطات التكرير، ومناطق الاستهلاك. وقد لحقت بخطوط الأنابيب العديد من الأضرار لا سيما أنابيب النفط الممتدة من حقول النفط من مدينتي الحسكة ودير الزور إلى مصافي التكرير في حمص وبانياس. كما تعرض خط الغاز العربي القادم من الأردن لبعض التلف في بعض أجزائه.
في النتيجة، لم يتوقف الأمر على استحواذ نظام الأسد وحاشيته تاريخياً على العوائد المالية لتصدير النفط، بل كان هو أيضاً سبباً مباشراً في تدمير البنية التحتية لمنشآت النفط والغاز في سوريا، إما عن طريق استخدام أساليب تؤدي إلى تلف حقول النفط، أو عن طريق التدمير من خلال طائراته ومدفعيته.