icon
التغطية الحية

واقع استجابة منظمات دعم المرأة في تركيا.. بين عدم الرضا والحياد

2022.09.29 | 04:43 دمشق

السوريات في تركيا
سوريات في فعالية أقامتها هيئة الأمم المتحدة في غازي عنتاب (موقع هيئة الأمم المتحدة للمرأة)
إسطنبول - مزنة عكيدي
+A
حجم الخط
-A

كفئات أكثر ضعفاً وضعتهن الهجرة أمام تحديات تتعسر مواجهتها على من أنهكته أزمة، لا تنفك تقارير الأمم المتحدة التأكيد على أنها أكبر أزمة نزوح في العالم، وعلى اعتبارهن "نساء" و"مهاجرات"؛ استحقت السوريات في تركيا أولوية في استجابة منظمات المجتمع المدني.

وعلى خلاف المنتظر، لم تأت الاستجابة بقدر التطلعات، فتغلب بين النساء السوريات في تركيا حالة عدم رضا عن خدمات قاصرةٍ لا تلبي الاحتياجات، فيما تحيد أخريات عن تقييم دعم تعذر وصولهن إليه أو يجهلن بوجوده من الأساس.

دعم قانوني مفقود لسنوات ينتهي بعمالة أطفال

تروي راما الأرملة السورية المقيمة مع طفليها في مدينة إسطنبول معاناتها لعدم توفر الدعم القانوني الذي انعكس على حياتها سلباً وقلبها راساً على عقب كما تصف، فتقول راما لـ موقع تلفزيون سوريا إنه نتيجة لمشكلةٍ قانونية -طلبت عدم ذكر تفاصيلها- أوقفت بطاقة حمايتها المؤقتة مع بطاقتي طفليها، فوكّلت محامياً على نفقتها الخاصة لحل المشكلة، وذلك بعد أن حاولت التواصل مع عدة منظماتٍ لم تقبل التكفل بقضيتها ما استهلكها مادياً على حد قولها.

وتواصل موقع تلفزيون سوريا مع إحدى منظمات الدعم القانوني التي لجأت إليها راما، وجاء الرد أنه مع وجود محامٍ واحدٍ فقط في المنظمة، تقتصر خدماتهم على الاستشارات والتوجيه القانوني دون إمكانية التكفل بالقضايا.

استطاعت راما إنهاء الحرج القانوني الذي تسبب بتوقف بطاقات الحماية المؤقتة بعد أن تابع قضيتها محامٍ خاص، مع ذلك بقيت الهويات غير سارية المفعول ما ترتب عليه توقف مساعدات بطاقة الهلال الأحمر التي كانت تتلقاها هي وطفلاها (12 و11 عاماً) حينذاك.

تحت اسم "مساعدة التماسك الاجتماعي" تتلقى فئات محددة من الأجانب الخاضعين للحماية الدولية أو الحماية المؤقتة الذين يقيمون خارج مراكز الإيواء -بمن فيهم السوريون- مساعدة اقتصادية ممولة من مكتب الاتحاد الأوروبي للحماية المدنية والمساعدات الإنسانية (ECHO) وتمنح المساعدة للمستفيدين من خلال نظام بطاقة الهلال الأحمر بعد استيفائهم لمعاييرٍ معينة.

ونتيجة لعدم إعادة تفعيل هويات راما وولديها عادت الحاجة للمتابعة القانونية وتوكيل محامٍ مرة أخرى أمراً ملحاً، وهو ما بحثت عنه على مدار عامين ونصف في مكاتب منظمات الدعم القانوني في إسطنبول ولم تجد إليه سبيلاً إلى أن وعدتها إحدى المنظمات مؤخراً التكفل بقضيتها وتوكيل محامٍ لها مع غياب أية نتائج ملموسة لحل مشكلتها حتى الآن.

ومع انعدام وجود المعيل وتوقف صلاحية الهويات والمساعدات اضطر ابن راما الأكبر الذي بلغ الآن عامه ال14 إلى ترك المدرسة والعمل بأجور زهيدة مع أمه بأعمال متفرقة في ظل غياب الدعم الإغاثي أو شحه على حد قولها، وحالياً يطالبها ابنها الأصغر بترك المدرسة والعمل أيضاً لعدم قدرة والدته على توفير متطلبات المدرسة له من لباس وقرطاسية.

الدعم القانوني في المرتبة الثانية كأكثر مجالات الدعم طلباً

قام تلفزيون سوريا بإجراء استطلاع رأي لقياس رضا السوريات في تركيا عن الخدمات المقدمة من منظمات دعم المرأة  واستهدف الاستبيان النساء السوريات المقيمات في كل من محافظتي إسطنبول وغازي عنتاب اللتين تحتلان المرتبة الأولى والثانية بين المدن التركية من حيث تعداد السوريين بمجموع يقارب المليون لاجئاً سورياً.

وعلى الرغم من مشاركة الاستبيان الإلكتروني على مجموعات النساء السوريات النشطة على مواقع التواصل الاجتماعي على مدار أسبوع شاركت في الاستبيان 69 سيدة فقط. ووفقاً لبيانات الاستطلاع كانت 42 بالمئة من إجابات السيدات ما بين "غير راضية" و"غير راضية أبداً" عن أداء منظمات دعم المرأة فيما كانت نفس النسبة من السيدات غير قادرات على تقييم هذه الخدمات فاخترن إجابة "محايدة" أما الراضيات عن أداء المنظمات فلم تتعد نسبتهن الـ16 بالمئة من إجمالي المشاركات.

 

ئءؤر

 

وعن مجالات الدعم التي تحتاجها النساء من منظمات دعم المرأة سمح للمشاركات في الاستطلاع تحديد أكثر من إجابة، وجاء الدعم القانوني في المرتبة الثانية فحددته أكثر من37 بالمئة من المشاركات كإحدى مجالات الدعم التي يحتجنها ولا يستطعن الوصول إليها، فيما جاء الدعم الإغاثي في المرتبة ما قبل الأخيرة قبل الدعم الصحي بعد أن حددته خمس المشاركات تقريباً.

 

ئءؤر

 

الـتأهيل المهني حاجة ملحة مأجورة غالباً

لا تقتصر الفجوات بين النساء السوريات وخدمات منظمات المجتمع المدني على مجال الدعم القانوني والدعم الإغاثي فقط، فمع اللجوء إلى بلد آخر تحتاج النساء السوريات للتمكين الاقتصادي لمواءمة الظروف الجديدة ومواكبة سوق العمل وشروطه، فوفقاً لبيانات الاستطلاع حددت أكثر من 60 بالمئة من المشاركات في الاستبيان "التمكين الاقتصادي والتأهيل المهني"  -الذي جاء في المرتبة الأولى- كإحدى مجالات الدعم التي يحتجنها ولا يستطعن الوصول إليها.

وتتنوع عوائق الوصول لهذه الخدمات، فتتحدث إسراء قطاش عضو تجمع "سيدات حياة" عن تجربتها الشخصية مع مراكز التأهيل المهني لتلفزيون سوريا، وتقول إنها بعد أن هاجرت من مدينة حلب لم تتح لها فرصة العمل بتخصصها العلمي في الإدارة التربوية، وحين تفكيرها بالانضمام لإحدى ورشات التأهيل المهني وجدت أن غالبية هذه الخدمات مأجورة وليست في متناول الأيدي، فيتعذر على الكثيرات الوصول إليها في حال توفرها. وتضيف إسراء أن التزام الأمهات السوريات برعاية الأطفال مع غياب دور رعاية تحتضنهم بأسعار مناسبة يساهم في خسارة الكثيرات لفرص التأهيل المهني إن وجد.

وعن تجارب السيدات في محيطها تقول إسراء إنه بغياب التأهيل الكافي وقلة دور الرعاية ميسورة الوصول  كان العمل من المنزل بالأعمال اليدوية الموزعة من الورشات هو أحد الحلول للكثيرات، ولكن مع غياب التنظيم لهذا النوع من الأعمال تتعرض النساء للاستغلال بأشكال مختلفة من قبل أرباب العمل أهمها الأجر المجحف، لذلك تقترح إسراء إنشاء شبكات وصل تنظم هذا النوع من الأعمال وتسهل التواصل ما بين طالبي الخدمة والنساء الراغبات بالعمل لضمان حقوق جميع الأطراف.

ينتشر في تركيا بين أوساط فئة من السوريات "العمل من المنزل" بأعمال يدوية تعتمد على القيام بعمل واحد رتيب روتيني لكمية كبيرة من المنتجات قائم على التقسيم العالي للمهام تقوم بتوزيعه ورشات من مختلف الصناعات لإتمام عمليتها الإنتاجية. أكثرها شيوعاً هي الأعمال التي لا يمكن للآلات القيام بها.

الأكبر سناً فئات مستثناة من التمكين الاقتصادي

 لا تتوقف معوقات الوصول لخدمات التمكين الاقتصادي والتأهيل المهني على الالتزام برعاية الأطفال، فغفران اللاجئة السورية الخمسينية المقيمة في إسطنبول تقول إنها بعد أن كبر أولادها بالحد الكافي لاعتمادهم على أنفسهم رغبت بالانضمام لتدريب أطلقته منظمة "دعم الحياة" بتمويل من منظمة الغذاء العالمي يوفر تأهيلاً نظرياً وعملياً لمهن معينة مع إمكانية التوظيف بعد انتهاء التدريب، ولكن بعد أن قرأت الشروط وجدت أن المتقدمة لا يجب أن تتجاوز سن الـ40. وتقول غفران إنها شعرت بالإحباط بعد استثناء فئتها العمرية من تدريبات مماثلة خاصة وأنها ما زالت تملك الطاقة والاندفاع للإنتاج.

بالتواصل مع منظمة دعم الحياة للاستفسار عن أسباب اقتصار تلك تدريبات على الفئات العمرية الأصغر جاء الرد بأن هذه الشروط تحدد من قبل الداعم مع الإشارة إلى أن هذه النقطة ستؤخذ بعين الاعتبار في عمليات تقييم الاحتياجات للمشاريع القادمة، وفي محاولة التواصل مع منظمة الغذاء العالمي التي تمول هذا المشروع ومشاريع أخرى بذات الشروط لم يتلق تلفزيون سوريا أي رد منهم.

تستقبل تركيا ما يزيد عن مليون و 700 ألف لاجئة سورية وفقاً لبيانات دائرة الهجرة التركية، وما يقارب الـ 240 ألفاً منهن من الفئة العمرية ما بين 40 و64 سنة وتندرج هذه الشريحة العمرية تحت فئة "السكان في سن العمل" كما تسميهم الأمم المتحدة، ووفقاً للبيانات بلغ عدد السيدات المشاركات في الاستبيان ممن فوق سن ال40 عاما 11 سيدة ثمان منهن حددن "التمكين الاقتصادي والتأهيل المهني" كمجال يحتجن إلى دعم المنظمات به.

أعداد ا لسوريين تحت الحماية المؤقتة في تركيا بحسب الفئات العمرية للذكور والإناث - موقع دائرة الهجرة التركية

الدعم النفسي خدمة تتاح مع "واسطات" المعارف

وفقاً لاستطلاع الرأي الذي أجراه تلفزيون سوريا جاء الدعم النفسي في المرتبة الثالثة  كحاجة لا تجدها السوريات في منظمات دعم المرأة بعد أن حددته أكثر من ثلث المشاركات، فمع الاستجابة التي لا تسد الاحتياج مازالت السوريات يعانين من خلل في الحصول على الخدمات في هذا الميدان.

فتقول ماسة ذات الـ28 عاماً لموقع تلفزيون سوريا إنها اكتشفت منذ ثلاث سنوات إصابتها بمرض مزمن ما سبب لها قلقاً انعكس على صحتها النفسية، فقررت اللجوء لاختصاصي يساعدها على تخطي الصدمة وهنا بدأت رحلتها في البحث عن معالج نفسي، فأدركت مدى صعوبة الوصول إليه بعد أن تفاجأت بالتكاليف العالية لهذا النوع من الخدمات في القطاع الخاص، ووجدت ماسة ضالتها بعد أن وصلت لإحدى المنظمات التي تقدم الدعم النفسي في إسطنبول.

 اعترضت طريق ماسة مشكلة جديدة وهي استحالة الحصول على موعد قبل الانتظار لعدة أشهر على قائمة يتراكم فيها طالبو الخدمة، ومع حالتها النفسية المتدهورة  -التي لا تحتمل انتظاراً على حد قولها- لجأت ماسة إلى أحد أقاربها الذي يعمل في تلك المنظمة ليسهل حصولها على موعد قريب وهنا بدأت رحلتها في العلاج النفسي بعد تشخيص حالتها بالاكتئاب ما تطلب خضوعها لجلسات دورية على مدار عام ونصف كانت كفيلة بالنهوض بصحتها النفسية بعد متابعتها وتقديم الدعم الدوائي لها.

وتقول ماسة إنها كانت راضية جداً عن هذه الخدمة إلى أن أعلمتها المنظمة بشكل مفاجئ عن توقف برنامج الدعم النفسي الذي كانت أحد مستفيديه دون إحالة ملفها لجهة أخرى.

في حديثه إلى موقع تلفزيون سوريا يقول عمر تنبكجي المدير التنفيذي لمنظمة "بوينت" إن توقف نشاط المنظمات هو أمر شائك ومتعلق بالتمويل المتاح، وفيما يخص التمويل فهو غالباً محدود ومتذبذب وقصير الأمد ما يؤثر على جودة الخدمات ونوعيتها، فعدم دراية المنظمة بإمكانية الاستمرار بعملها أو عدمه سيؤثر على أدائها ما ينعكس سلباً على المستفدين.

وعن الاستراتيجيات التي يمكن أن تتبعها إدارات المنظمات لضمان استمرار عملها يقول تنبكجي إن الحل هو البحث عن مانحين جدد على الرغم من محدوديتهم.

ويضيف تنبكجي أنه في حالات التوقف الإجباري لعمل المنظمة يجب تشبيك المستفيدين مع منظمات أو جهات أخرى وتحويل ملفاتهم إليها مع الإشارة إلى أن البدائل تبقى محدودة أيضاً وإيجادها هو عملية معقدة، فهناك عوامل أخرى تلعب دوراً مثل مكان تواجد المستفيد ومكان المنظمة البديلة إن وجدت، وفي حال تعذر ذلك على الأقل يجب إعلام المستفيدين قبل إيقاف تقديم الخدمات بفترة تمكنهم من البحث عن بديل.

وبعيداً عن انقطاع الخدمات الآني تؤكد ماسة أن إحدى أكبر المشاكل في منظمات الدعم النفسي هو الحصول على مواعيد. خاصة وأنها عانت من نفس المشكلة حين كانت في مدينة غازي عنتاب، عندما احتاج طفلها ذو الأعوام الثلاثة لتشخيص اختصاصي نفسي بعد تأخره بالنطق، فحينها أيضاً اضطرت ماسة للجوء إلى أحد معارفها العامل في منظمة دعم نفسي لتحصل على موعد قريب.

وفقاً للمعلومات التي تلقاها تلفزيون سوريا من اتصاله مع منظمة دعم الحياة، فإن منظمات المجتمع المدني لا زالت غير قادرة على تغطية الاحتياجات المطلوبة لذلك تعمل منظمتهم بشكل دوري على إجراء تقييم للاحتياجات و للخدمات المقدمة.

أزمة وعي بالخدمات وفرص ضائعة

لا تتوقف مشاكل السوريات مع خدمات منظمات دعم المرأة على محدودية الخدمات وقصورها فقط إذ تعاني غالبية النساء من أزمة وعي بالخدمات المتاحة كما حدث مع مريم،  فتقول الشابة السورية في منتصف العشرينات إنه مع عدم حاجتها لتمكين معين تتطلع لتطوير نفسها من خلال الالتحاق بورشات وفعاليات الدعم الاجتماعي للمرأة،  ولكنها تواجه  مشكلة في الوصول إليها نتيجة عدم إعلان منظمات المجتمع المدني الواضح عن الخدمات والنشاطات المقدمة كما أوضحت في حديثها لموقع تلفزيون سوريا.

 وتضيف مريم: "غالباً ما تصلني منشورات ترويجية لنشاطات وفعاليات بعد انعقادها وانتهائها فيما لاتصلني منشورات الإعلان عنها فأفقد الكثير من الفرص".

وفقاً لاستطلاع الرأي الذي أجراه تلفزيون سوريا فإن أكبر معوق لوصول السوريات في تركيا إلى خدمات دعم المرأة هو عدم إعلان المنظمات عن خدماتها بشكل واضح، وذلك بعد أن حددته أكثر من ثلثي المشاركات في تقييم وصولهن للخدمات المقدمة، فيما رأت ما يقارب 18 بالمئة منهن أن منظمات المجتمع المدني لا تقدم الخدمات التي يحتجنها ليأتي بعدها في المرتبة الثالثة عدم تجاوب المنظمات في تقديم الخدمات المعلن عنها بنسبة 11.6 بالمئة من إجمالي المشاركات، في حين حددت 8.7 بالمئة منهن بأنهن لا يواجهن مشاكل في الوصول إلى خدمات المنظمات.

 

ئءؤر

 

وفقاً للمادة 22 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من حق كل شخص بوصفه عضواً في المجتمع أن تتوفر له من خلال المجهود القومي والتعاون الدولي وبما يتفق مع هيكل كل دولة ومواردها الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي لا غنى عنها لكرامته ولتنامي شخصيته في حرية.

ولأن منظمات الأمم المتحدة وشركاءها من الجهات الدولية الأولى التي يفترض أن تحقق الاستجابة حاول موقع تلفزون سوريا التواصل مع هيئة الأمم المتحدة للمرأة و أسام -إحدى المنظمات الشريكة للأمم المتحدة- على كل من خطوط الدعم والبريد الإلكتروني للاستفسار عن دورهم في تقديم الدعم للسيدات، ومناقشة الثغرات بين الخدمات والاحتياجات وأسبابها، فلم يتلق الموقع أي رد من كليهما لتستمر حالة عدم الرضا عن خدمات غير كافية يصعب الوصول إليها، وتبقى الفجوة ما بين المستفيدين ومقدمي الخدمات قائمة تحتاج لإعادة النظر في سياسات العمل وتقييم الاحتياجات.

تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من "JHR" صحفيون من أجل حقوق الإنسان