نشرت صحيفة "واشنطن بوست" مقالاً للكاتبين تشارلز ليستر وجوزيف إل. فوتيل، يتناولان فيه اقتراب الولايات المتحدة والعراق من التوصل إلى اتفاقية لسحب قوات التحالف الدولي من البلاد خلال العامين المقبلين.
ويوضح الكاتبان كيف جاءت هذه الخطوة استجابةً لضغوط الفصائل الموالية لإيران في بغداد التي طالبت بإنهاء الوجود العسكري الأميركي.
ويثير المقال تساؤلات حول تأثير هذا الانسحاب على العمليات الأميركية في سوريا، حيث تستمر الولايات المتحدة في مكافحة تنظيم الدولة. كما يناقشان المخاطر الأمنية المحتملة واستراتيجيات التعامل مع عودة نشاط التنظيم في المنطقة، مؤكدين على ضرورة الحفاظ على المصالح الأميركية.
ترجمة المقال كاملا:
بعد أكثر من ستة أشهر من المحادثات، يبدو بأن الولايات المتحدة والعراق شارفا على الإعلان عن اتفاقية مهمة تقضي بانسحاب التحالف الدولي الذي تترأسه الولايات المتحدة لمحاربة تنظيم الدولة عن هذا البلد بشكل كامل خلال العامين المقبلين.
لطالما طالب الفرقاء السياسيون المنحازون لإيران في بغداد برحيل الولايات المتحدة عن العراق، وخاصة منذ أن ظهور توتر إقليمي عقب هجوم حماس على إسرائيل في السابع من تشرين الأول الماضي. إذ في الوقت الذي استغل الحلفاء السياسيون لإيران في العراق نفوذهم الكبير داخل الحكومة، شن المقاتلون التابعون لإيران 222 هجوماً على القوات الأميركية بهدف التوصل إلى قرار في هذا الأمر، ويبدو أنهم كسبوا هذه المرة.
وجود عضوي للقوات الأميركية في الجارتين: سوريا والعراق
ما يزال 2500 جندياً أميركياً موجودين حالياً في العراق يدعمون الحملة المستمرة ضد تنظيم الدولة، إذ في 29 آب الماضي، شنت القوات الأميركية والعراقية أكبر عملية مشتركة لهما منذ سنوات، حيث هاجم أكثر من 200 جندي من قوات العمليات الخاصة شبكة مخابئ في محافظة الأنبار، ما أسفر عن مقتل عدد كبير من قيادات التنظيم في العراق. كما يعتبر الوجود الأميركي في العراق جزءاً لا يتجزأ من الانتشار الأميركي في الجارة سوريا، حيث ما يزال 900 جندي أميركي يشاركون في الحملة المهمة التي تعمل على محاربة تنظيم الدولة إلى جانب شركائهم المحليين أي قوات سوريا الديمقراطية (قسد). ومن دون وجود تلك القوات في العراق، من الصعب تصور استمرار بقاء القوات الأميركية في سوريا لفترة طويلة.
"الانسحاب إلى البادية"
وهنا تكمن مشكلة خطيرة، إذ في الوقت الذي هزمت فيه دولة الخلافة التي أقامها تنظيم الدولة في مطلع عام 2019، بقي هذا التنظيم موجوداً. وقبل ثلاث سنوات من إلحاق هزيمة نهائية بتنظيم الدولة في تلك المنطقة، استغل مقاتلو التنظيم الفوضى الحاصلة في سوريا وقاموا بما أسموه بـ"الانسحاب إلى البادية"، ومنذ ذلك الحين، وتنظيم الدولة يعيد وببطء وبشكل منهجي ترتيب صفوفه وبناء نفسه في البادية السورية التي لا يسيطر نظام بشار الأسد إلا على جزء ضئيل منها.
الصحوة الجهادية
اتضحت آثار التعافي التدريجي لتنظيم الدولي في وسط البادية السورية خلال العام الماضي، ولكن هذا التعافي تحول إلى صحوة انتشرت في شمال شرقي سوريا، حيث تعمل القوات الأميركية. وحتى تاريخ اليوم من هذا العام، نفذت تلك الجماعة الجهادية أكثر من 500 هجمة في مختلف أنحاء سوريا، أي بنسبة بلغت ثلاثة أضعاف ما نفذته من عمليات خلال عام 2024. إذ لأول مرة منذ سنين، شن تنظيم الدولة العدد نفسه تقريباً من الهجمات في مناطق النظام وفي المناطق التي تسيطر عليها الولايات المتحدة وقسد من سوريا. وهذا ما أطلق جرس الإنذار بحسب ما ذكرته القيادة الوسطى الأميركية في تصريح عام صدر في شهر تموز الماضي.
بيد أن عدد الهجمات وما يعبر عنه ذلك ليس كل شيء، وذلك لأن تنظيم الدولة زاد من تطوره، فقد اتسعت رقعة هجماته، كما زاد عدد مقاتليه والغاية من ذلك استهداف عدد أكبر من الأهداف الثابتة. فلقد استعان التنظيم بما لا يقل عن أربع سيارات مفخخة في هجمات ومخططات نفذها ووضعها خلال عام 2024، كما زاد من استخدامه للعبوات الناسفة في هجماته، إذ نفذ إحداها في شهر حزيران، وأربعة منها في شهر تموز، وعشرة في شهر آب، خمسة منها نفذت خلال الأيام الأخيرة من ذلك الشهر. أما هجماته وعملياته في المدن فصارت شائعة وكثيرة، وقد عادت شبكة الابتزاز الشائنة التي كان تنظيم الدولة يديرها في وقت من الأوقات إلى العمل بكامل قوتها، والتي صارت تقدم فواتير حسب الطلب صادرة عن مشاريع تجارية أقيمت في مناطق مختلفة من وسط سوريا وشرقيها، إلى جانب المنفذين الذين يشنون هجماتهم عادة على كل من يرفض أن يدفع.
عاد تنظيم الدولة للظهور في سوريا في خضم نزاع مستمر وأزمة إنسانية متفاقمة لا يبدو أنها ستتراجع في الوقت الحالي. إذ ما يزال نحو عشرة آلاف مقاتل للتنظيم محتجزين في أكثر من عشرين سجن مؤقت، بعضها معرض لهجمات خطيرة إلى أبعد الحدود. وقبل أسبوعين من الآن، فر عدد من المقاتلين الأجانب من هذه السجون، وما يزال خمسة آلاف امرأة وطفل معظمهم أقارب لمقاتلين في تنظيم الدولة أو لأشخاص عاشوا في السابق في كنف دولة الخلافة التي أسسها التنظيم، يقبعون في مخيمي الهول والروج اللذين تتسم ظروف الحياة فيهما بترديها إلى أبعد الحدود، كما يواصل المتطرفون عملهم بالسر.
وفي الوقت الحالي، أولى تنظيم الدولة الأهمية لتعافيه وعودته في سوريا، أما في الجار العراق، فإن هذا التنظيم قد تحول إلى شبح ما كان عليه في السابق، بعد أن نفذ قرابة 40 هجمة في عام 2024. غير أن توجهاته واضحة، إذ إن أعمق جذور التنظيم وتاريخه ما تزال محفورة في الأراضي العراقية، ولهذا لا شك من أن جزءاً من خطته يقوم على توسيع رقعة امتداد التنظيم من سوريا باتجاه العراق.
لابد للإعلان عن الانسحاب الأميركي من العراق في غضون سنتين أن يعزز ثقة التنظيم بنفسه إلى حد كبير، إذ في الوقت الذي سيبدأ عدد القوات بالتراجع، سيسعى هذا التنظيم بلا ريب لملء الفراغ الحاصل. وكما تؤكد التقارير الصادرة عن المفتش العام لوزارة الدفاع، فإن القوات الأميركية ما تزال جزءاً لا يتجزأ من عدد كبير من الوظائف الأساسية للجهود العراقية الفعالة في مجال محاربة تنظيم الدولة.
ثم إن احتمال ظهور بيئة عمل مواتية جداً في العراق عقب عودة التنظيم لنشاطه في سوريا يعتبر احتمالاً رائعاً لدرجة يصعب معها على المتطرفين تصديق حدوث ذلك.
وبناء على وضع تنظيم الدولة اليوم، ونظراً لاستمرار الأعمال العدائية في المنطقة واقتراب الانتخابات الأميركية، يصبح قرار الإعلان عن التوصل لاتفاق ينهي عمل التحالف لمحاربة تنظيم الدولة محيراً، ولكنه يبدو أمراً لا مفر منه في الوقت الحالي.
وفي حال كان الأمر كذلك، عندئذ ينبغي على الولايات المتحدة وحلفائها أن يحددوا الشروط حتى يصلوا إلى نتيجة يكون النجاح من نصيبها، والمقصود بذلك نتيجة تحافظ على النفوذ الأميركي وتحمي مصالح الولايات المتحدة ولا تتسبب بمزيد من انعدام الاستقرار في المنطقة.
أولويات أميركية لابد من أن تراعى
لذا من أولى الأولويات التي لابد من مراعاتها الاحتفاظ بعلاقة مع قوات الأمن العراقية التي ارتقت إلى مستوى التحدي المتمثل بتحرير بلدها وتوجيه ضربة قاسية لتنظيم الدولة، ويرجح لذلك أن يأتي على شكل تعاون أمني أميركي ضمن البعثة الدبلوماسية للولايات المتحدة في العراق. وسيغدو ذلك بمثابة منصة لمواصلة الدعم المؤسساتي للقوات العراقية من دون الحاجة للقيام بجميع الأنشطة المرتبطة بدعم العمليات القتالية (ولهذا فإنها ليست بمصادفة أن يتعرض المقر الذي أقيم ببغداد من أجل هذه المهمة لهجوم شنته عناصر تابعة لإيران).
ثانياً، ينبغي على الولايات المتحدة الخروج بخطة تحدد طريقة احتفاظها بقدرتها على الوصول إلى البلد عبر كردستان العراق، وذلك لمواصلة دعمها للجهود الأميركية في شمال شرقي سوريا، وهذا يتطلب مزيداً من النقاش مع الحكومة العراقية، وفي الوقت الذي يبدو فيه الاتفاق مؤطراً ضمن المجال اللوجستي مع التركيز على الجانب المتعلق بالعمليات، يجب أن يشتمل ذلك على عنصر معني بعدد ضئيل من قوات العمليات الخاصة التي سيجري تكريسها للقيام بعمليات مكافحة إرهاب محددة في العراق في حال كان ذلك ملائماً. ثم إن الموعد النهائي المتفق عليه للانسحاب من إربيل والمحدد في كانون الأول من عام 2026 يوفر للولايات المتحدة الوقت اللازم للتفاوض على تلك الترتيبات.
وأخيراً، يجب على الولايات المتحدة وحلفائها مواصلة التعاون مع الشركاء الإقليميين وعلى رأسهم الأردن، وذلك لضمان جاهزية القوات والقواعد العسكرية والقدرة على الوصول لمواجهة احتمال عودة تنظيم الدولة للظهور.
سبق للولايات المتحدة أن سارت على هذا الطريق من قبل، ولقد رأينا كيف تعيد التنظيمات الإرهابية تنظيم صفوفها في حال سنحت لها الفرصة، ولكن وبما أن الولايات المتحدة قررت وبشكل مؤسف أن تنسحب، لذا فعليها اليوم أن تحدد شروط الانتقال الناجح، والمقصود بذلك الانتقال الذي يمنح الولايات المتحدة أفضل ثقل ممكن لمواجهة الخطر المتزايد للتطرف الجهادي.
المصدر: The Washington Post