عندما ألقى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي خطابه أمام الملوك والرؤساء في القمة العربية خلال الأسبوع الماضي، كان بشار الأسد قد استرجع مقعده في الجامعة حديثاً، ولهذا خلع سماعة الترجمة ورفض الاستماع له. بيد أن مجرد وجود الأسد في تلك القاعة يعكس عدم اكتراث الجامعة العربية بتوسلات أوكرانيا، وذلك لأن القادة العرب قد راهنوا على جزار سوريا وعلى حليفه المقرب فلاديمير بوتين رئيس روسيا.
زاد التطبيع الدبلوماسي مع الأسد في العالم العربي منذ مدة قريبة، ومع ذلك بقيت صور القمة العربية في جدة مقلقة، إذ قبل اثنتي عشرة سنة كان ديكتاتور سوريا مطروداً من الجامعة بسبب هجماته الوحشية على شعبه، أما الآن، فقد رحب بعودته ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، واستقبله بالقبلات. وفي خطابه، أعلن بن سلمان أن الوقت قد حان "لقلب صفحة الماضي"، وأضاف: "نأمل أن يسهم ذلك في دعم الاستقرار في سوريا، وعودة سوريا لدورها المعتاد في العالم العربي".
في حين تعهد الأسد بالتعاون مع الدول العربية بخصوص تهريب المخدرات، لكونه استخدم نفوذه في مجال تجارة الكبتاغون كورقة للمساومة بكل وقاحة، وإزاء ذلك، وعدت الدول العربية بتقديم مليارات الدولارات كمساعدات لسوريا، بيد أن معظمها سيذهب لخزائن الأسد وجيوب الفاسدين من حوله.
أما زيلينسكي فقد استثار نخوة القادة العرب ومكارم الأخلاق لديهم، وحضهم على مقاومة النفوذ الروسي والالتزام بمبادئ السيادة والاستقلال الوطني، كما حاول أن يستدر عطفهم من خلال حديثه عن المسلمين التتار في القرم الذين تعرضوا للاضطهاد منذ أن احتلت روسيا شبه الجزيرة في عام 2014، وطلب من المؤتمرين التصدي لجرائم الحرب والوقوف ضدها، عندما قال: "إنني على يقين بقدرتنا على الوقوف صفاً واحداً في سبيل إنقاذ الناس من سجون روسيا، ولكن ثمة دول تغض الطرف عن تلك السجون وعن عمليات الضم غير القانونية، وهذه الدول موجودة هنا بيننا".
اعتبر كثيرون دعوة زيلينسكي لجدة بمثابة محاولة سافرة لصرف الأنظار عن عودة الأسد للجامعة العربية، إلا أن تلك المحاولة انتهت بأثر معاكس لكونها فضحت زيف حيادية الدول العربية فيما يخص الحرب بين روسيا وأوكرانيا. إذ رفضت كل من السعودية والإمارات على سبيل المثال شجب غزو بوتين لأوكرانيا واستغلت كل منهما نفوذها الاقتصادي لزيادة أسعار النفط وتقويض العقوبات الغربية. والآن، وبعد الثناء على الأسد شريك روسيا في جرائم الحرب، أصبحت الجامعة العربية كمن يرفض ضمناً توسلات زيلينسكي ومناشداته.
رفضت كل من السعودية والإمارات على سبيل المثال شجب غزو بوتين لأوكرانيا واستغلت كل منهما نفوذها الاقتصادي لزيادة أسعار النفط وتقويض العقوبات الغربية
ومن جهتها، أعلنت إدارة بايدن أنها لن تطبع العلاقات مع الأسد، لكنها لم تعترض على تطبيع الدول العربية معه، وفي ذلك تخل عن التعهدات الأميركية بمحاسبة الأسد على جرائمه التي ارتكبها بحق شعبه، والتي تعهدت بها الولايات المتحدة قبل 12 عاما، كما يعبر ذلك عن فشل في تطبيق القانون الأميركي الذي يفرض عقوبات على من يدعمون ديكتاتور سوريا.
إذ في عام 2019، سن الكونغرس الأميركي قانوناً يعرف باسم قانون قيصر ويهدف للضغط على الأسد لوقف عمليات التعذيب والقتل الجماعية بحق الأبرياء من أبناء شعبه، إلا أن إدارتي ترامب وبايدن بالكاد طبقتا هذا القانون، لذا يحاول الكونغرس اليوم أن يضغط على الحكومة الأميركية لتتحرك في هذا الاتجاه.
لذلك، وخلال هذا الشهر، وافقت لجنة الشؤون الخارجية التابعة لمجلس النواب الأميركي بالإجماع على قانون مناهضة التطبيع مع الأسد، وأرسلته لمجلس النواب، وقد رعى مشروع هذا القانون ثلاثون نائباً من مختلف أطياف المشهد السياسي الأميركي، وبينهم عتاة الديمقراطيين من أمثال النائب آدم ب. شيف وكبار الجمهوريين مثل رئيس اللجنة مايكل ماكول، وفي حال سن هذا القانون، فإنه سيدعم قانون قيصر عبر تمديده حتى عام 2032 مع سد كثير من الثغرات التي ظهرت فيه.
الجامعة العربية بتغاضيها عن جرائم الحرب التي ارتكبها الأسد أعلنت بكل صراحة أنها لا تعبأ بأمر جرائم الحرب التي يرتكبها بوتين أيضاً، ولكن إن لم يقم أحد بمحاسبة الأسد وأعوانه، فإن قائمة ضحاياهم في سوريا وأوكرانيا ستطول وتطول
ومن بين بنوده الكثيرة، يشترط مشروع القانون الجديد على الإدارة الأميركية أن تبت بأمر الجمعيات الخيرية التابعة للأسد وسرقتها للمساعدات الإنسانية لصالح النظام مع استئثار الأمانة السورية للتنمية، التي تسيطر عليها السيدة الأولى أسماء الأسد، بتلك المساعدات. كما يشترط هذا القانون أن تبحث الإدارة الأميركية وتحقق بأي صفقة مالية تجريها أي دولة شرق أوسطية في مناطق سيطرة الأسد (لذا لا غرو أن تقف العديد من تلك الدول ضد مشروع القانون هذا).
أثار استعداد إدارة بايدن للتغاضي عن فكرة تقبل العرب للأسد حفيظة معارضين بارزين من خارج الكونغرس، ولذلك صدّق مسؤولون في الأمن القومي من كلا الحزبين على قانون مناهضة التطبيع مع الأسد، ومن بينهم رئيس لجنة الشؤون الخارجية التابعة لمجلس النواب إليوت ل. إينغل، والمستشار السابق للأمن القومي هـ. ر. ماك ماستر، الذي علق على مشروع القانون بالقول: "يجب على الولايات المتحدة المضي في عزل مجرم الحرب الأسد ونظامه الغاشم، لأن الأسد وداعميه الروس والإيرانيين يريدون من الدول الغنية أن تتعهد بتمويل عملية إعادة إعمار المدن التي استحالت إلى ركام".
والحق يقال هنا بأن العقوبات يمكن أن تخلف عواقب غير مقصودة على المدنيين، ولهذا السبب تم وضع استثناءات للقانون خصصت للمساعدات الإنسانية الحقيقية، إلا أن المعارضين له يرون بأن العقوبات على الأسد لم تجدِ أي نفع حتى الآن، لكن السبب في ذلك هو عدم الاستعانة كما يجب بقانون قيصر.
قد يصبح الضغط على من يمولون الأسد السبيل الوحيد المتبقي لردعهم ومنعهم من دعمه في إعادة البناء إلى أن يطلق سراح الآلاف ممن يتعرضون للتعذيب في أقبيته وسجونه، إلى جانب وقف المذابح بحق السوريين الذين يعيشون خارج مناطق سيطرته.
لكن الجامعة العربية بتغاضيها عن جرائم الحرب التي ارتكبها الأسد أعلنت بكل صراحة أنها لا تعبأ بأمر جرائم الحرب التي يرتكبها بوتين أيضاً، ولكن إن لم يقم أحد بمحاسبة الأسد وأعوانه، فإن قائمة ضحاياهم في سوريا وأوكرانيا ستطول وتطول.
المصدر: Washington Post