احتلت دولة الاحتلال الإسرائيلي في سياق عدوانها المستمر على قطاع غزة معبر رفح الحدودي بين قطاع غزة ومصر وهناك نقاش حول أشكال سيطرتها على المعبر في حال استمرت العملية العسكرية الحالية أو انتهت خلال وقت قريب وهو الأمر الذي ترجحه جهات عديدة بناء على تطمينات أميركية أن العملية محدودة.
ومن بين الأشكال التي يتم طرحها فكرة وجود شركة أمنية أميركية تدير المعبر نيابة عن الاحتلال في الفترة التي تلي انسحاب قوات الاحتلال منه، ووفقا لما نقلته صحيفة هآرتس العبرية فإن نقاشا يدور حول إمكانية أن تقوم شركة أميركية خاصة بإدارة معبر رفح الحدودي بين قطاع غزة ومصر بعد انتهاء العملية العسكرية الإسرائيلية في رفح.
وقد أوردت صحيفة هآرتس أن جنودا سابقين من وحدات خاصة في الجيش الأميركي خدموا في حراسة مواقع استراتيجية في مناطق النزاع في إفريقيا ستناط بهم مهمة إدارة الحركة في معبر رفح وفحص الشاحنات وسيكون وجودهم بمثابة ضمان لإسرائيل لمنع عودة حركة حماس إلى إدارة المعبر.
وتزعم إسرائيل أن حركة حماس سيطرت على المعبر خلال السنوات الماضية وفرضت الضرائب على البضائع الواردة وبالتالي هي لا تريد لحركة حماس أن تسيطر على المعبر مرة أخرى وفي الحقيقة إن ما جنته حركة حماس من وجودها على المعبر ليس الجانب الاقتصادي بل إن المعبر كمؤسسة سيادية وهي المتنفس الوحيد لسكان قطاع غزة فإنه كان يعبر عن شرعية حركة حماس من خلال إدارتها لشؤون القطاع ومنها معبر رفح.
كما أن الأمور الأخرى مثل البعد الاقتصادي كان يمكن لدولة الاحتلال أن تؤثر فيها من خلال الضغط على مصر فضلا عن أن حركة مثل حماس لن تعتمد في بعدها المالي العسكري على مصدر معلن كمعبر رفح بل إن مدخولات المعبر كانت تستخدم في دفع رواتب الموظفين المدنيين ولم تكن تسهم إلا بجزء يسير في ذلك.
على كل حال وبالرغم من عدم التأكيد الأميركي ومع افتراض صحة العمل على سيناريو وجود شركة أميركية لإدارة الحركة على معبر رفح وأن هذا السيناريو لا يغطي على أهداف إسرائيلية أخرى أكبر تتعلق بالسيطرة الأمنية الكاملة على القطاع وإعادة فكرة التهجير للواجهة مجددا خاصة مع طمأنة الاحتلال والأميركان لمصر بأن العملية في رفح ستكون محدودة فإن فكرة إدارة جهة أجنبية للمعبر ليست فكرة مقبولة فلسطينيا على المستوى النظري كما أن فرضها بالقوة على الفلسطينيين سيجعل وجودها الفيزيائي في منطقة المعبر خطيرا.
إن فصائل المقاومة ستتعامل مع أي جهة كهذه كجهة معادية وستكون القوة هي لغة التفاهم معها وبالتالي لن يكون هذا المقترح قابلا للتطبيق.
من ناحية قانونية يعد المعبر معبرا فلسطينيا مصريا ولا يمكن لأي فلسطيني مقاوما كان أم غير ذلك أن يقبل بوجود قوة أجنبية على معبر رفح، بل إن وجود لجنة رقابية من الاتحاد الأوروبي في أوقات الهدوء بعد 2005 كان أمرا مرفوضا وهي معنية بالرقابة وليس بالإدارة ولذلك فإن فصائل المقاومة ستتعامل مع أي جهة كهذه كجهة معادية وستكون القوة هي لغة التفاهم معها وبالتالي لن يكون هذا المقترح قابلا للتطبيق.
بل إن الأوضح من ذلك أن الفلسطينيين لا يقبلوا بوجود حتى جهة عربية أو جهة فلسطينية يتم تحديدها من قبل الاحتلال لإدارة معبر رفح فما بالكم بجهة أجنبية وأميركية من قوات عسكرية سابقة، حتى لو كان هذا الوجود مؤقتا أو ممهدا لقدوم جهة فلسطينية أخرى مثل السلطة الفلسطينية التي تتجنب في الوقت الحالي الظهور على أنها أتت على ظهر الدبابات الإسرائيلية إلى معبر رفح أو إلى غيره.
إن احتلال إسرائيل للمعبر يأتي في سياق تدمير كل مظاهر السيادة الفلسطينية وليس الأمر متعلقا بإدارة حماس للمعبر فحسب فعلى بعد مئات الأمتار من معبر رفح شرقا تقع أطلال مطار غزة الدولي الذي دمرته قوات الاحتلال الإسرائيلي في عام 2002 في عهد رئيس السلطة الراحل ياسر عرفات ولم يكن هناك حينها إدارة لحماس أو تهريب لسلاح أو ضرائب تجنى من البضائع.
نتنياهو الذي يريد أن يطيل أمد المعركة ويجعل معبر رفح بندا عصيا على طاولة المفاوضات والذي لم يكن موجودا حتى الأسبوع الأول من مايو أيار 2024 مستعد للمخاطرة بجنوده في إطار هدف إطالة المعركة لمصالحه الشخصية وهذا سيزيد من العبء الداخلي عليه.
إن تمركز الاحتلال الإسرائيلي في منطقة محور نتساريم ومنطقة معبر رفح والتي من المؤكد أن المقاومة الفلسطينية ستدك هذه القوات بقذائف الهاون ستجعل هذه الأماكن جحيما على قوات جيش الاحتلال التي ستسابق الزمن للفرار منها تجنبا لتكبد الخسائر.
ولكن نتنياهو الذي يريد أن يطيل أمد المعركة ويجعل معبر رفح بندا عصيا على طاولة المفاوضات والذي لم يكن موجودا حتى الأسبوع الأول من مايو أيار 2024 مستعد للمخاطرة بجنوده في إطار هدف إطالة المعركة لمصالحه الشخصية وهذا سيزيد من العبء الداخلي عليه.
باختصار لا يمكن لشركة أجنبية أن تدير معبر رفح لا نظريا ولا عمليا وحتى البعد الرقابي على المعبر من أي طرف فلسطيني سيقابل برفض الفصائل والشعب الفلسطيني.