رفعت وزارة العمل التركية، الحد الأدنى لأجور العاملين في القطاعين الخاص والعام مجدداً هذا العام بنسبة 26% ليرتفع من 1603 إلى 2020 ليرة شهرياً (367 دولارا)، وهي النسبة الأكبر خلال السنوات الثلاثة الماضية، بعد زيادات سابقة تراوحت بين 300 و 100 ليرة.
وأوضحت الوزارة أنّ هذه الزيادة ستشمل اللاجئين السوريين وباقي الجاليات العربية والأجنبية العاملة في البلاد في حال امتلاكهم إذن عمل نظامي.
وتأتي هذه الزيادة بعد انخفاض كبير في قيمة العملة التركية خلال السنة الماضية، وارتفاع كبير في الأسعار، وزيادة معدّل التضخم فوق 20%، لأول مرة منذ سنوات.
ورغم إيجابية هذا القرار على الطبقة الفقيرة والمتوسطة إلا أنه من غير المتوقع أن يحدث فارقاً ملحوظا لدى قطاع واسع من العمال السوريين الذي يعمل معظمهم بشكل غير رسمي دون إذن العمل، وتأمينات تحفظ لهم حقوقهم.
وتختلف أجور العمال السوريين غير المسجلين لدى وزارة العمل التركية تبعاُ للاتفاق مع صاحب العمل، لكنها غالبا دون نظرائهم الأتراك، ولا يحصل هؤلاء على أي ضمانات للحصول على حقوقهم، أو أي تعويض وتأمين صحي وخدمات أخرى يؤمنها لهم قانون العمل. كما يعمل بعضهم لساعات تزيد عن الحد الأعلى المسموح به.
بدون رقابة
في مدينة أنطاكيا وقرب حديقة ما يطلق عليه السوريون "دوار الكفين" يتجمع يومياً عشرات الشبان السوريين الباحثين عن عمل، ينتظرون أي سيارة عابرة تطلب عمالاً لأعمال الإنشاءات أو الزراعة أو التحميل.
يتدافع الشبان تجاه أي سيارة قادمة لكي يؤمن عملا يعود بالنفع على أسرته في آخر النهار، لا مكان للمساومات، يعرض صاحب العمل الآجار الذي يراه مناسباُ، ورغم قلته في الغالب هناك من يلتحق به.
يتحدث محمد (24عاماً) أحد الشبان المواظبين على القدوم إلى هذه الساحة عن واقع مرير يعيشه العمال السوريون في أنطاكيا مع قلة الفرص: "الاستغلال، طول فترة العمل، غياب الضمانات، سوء المعاملة، وغياب التأمين الصحي، جميعها جزء من طبيعة عملنا هنا" مضيفاً "رغم كل ما سبق إلا أنّ معظمنا مجبور على القبول بهذا الواقع خاصة إن كانت لديه عائلة".
ووفق محمد فإن معدّل الأجور اليومية في مثل هذه الأعمال الشاقة لا يتجاوز يوميا 50 ليرة (1200شهرياً) في أحسن الأحوال، وهو لا يكاد يكفي آجار المنزل وفواتير الماء والكهرباء.
أما أمين وهو شاب حمصي وصل إلى إسطنبول قبل عدة أشهر فيقول في سياق حديثه لموقع "تلفزيون سوريا" عن وضع العمال السوريين في هذه المدينة: "من السهل أن تجد عملا في إسطنبول، لكنّ الأصعب هو أن تضمن حصولك على راتبك، عملت لثلاثة أشهر في إحدى ورشات الخياطة هنا، وفي النهاية لم أحصل إلا على أقل من نصف راتبي الذي اتفقت عليه مع صاحب العمل ".
ويرى أمين أنّ "غياب الرقابة، وتعقيدات الحصول على إذن العمل، واستغلال أرباب العمل لحاجتنا جميعها أسباب تؤدي في النهاية لرسم واقع مظلم للحال الذي يعيشه العمال السوريون"، مضيفا:" لا شك أن الحكومة التركية تتحمل جزءاً كبيرا من هذه المعاناة، كونها تتغاضى بشكل كبير عن هذه المخالفات".
ويُحرم العمال السوريون نتيجة غياب العقود الرسمية لعملهم من ميزات عديدة أبرزها التأمين الصحي الشامل، والتأمين الاجتماعي (السيكورتا)، وتعكس قصة الشاب نديم عميش عامل البناء في أنطاكيا ما يخسره العاملون السوريون جراء حرمانهم من هذه الخدمات.
يروي نديم ما حدث له أثناء عمله في أحد مشاريع البناء :"سقطت عن الرافعة من الطابق الثالث، تعرضت أطرافي للكسر، واحتجت لعملية لكنّ صاحب العمل تهّرب من دفع تعويض لي، واضطررت للاستدانة من المقربين حتى أجريت العملية، وبكل بساطة تخلى عني صاحب العمل وتنكّر لي".
تسهيلات ولكن
ورغم تعديل السلطات التركية مطلع العام 2016 لقوانين الحصول على إذن عمل بالنسبة للاجئيين السوريين، وتغاضيها عن وجود جواز سفر صالح، وقبولها بإصدار الإذن على بطاقة الحماية المؤقتة (الكملك)، إلا أنّ عددا قليلا من العمال السوريين حصل على هذا الإذن.
وحول أسباب عزوف أصحاب العمل عن تسجيل العمال السوريين بشكل قانوني قال المحامي جميل الترك المقيم في مدينة أنطاكيا إنّ "الشركات الكبيرة والمتوسطة مضطرة للالتزام بقوانين العمل التركية بسبب التفتيش الدائم لمنشآتها، لكنّ معظم العمال السوريين لا يجدون فرصا كبيرة في هذه الشركات بسبب عوائق اللغة والشروط التي وضعتها وزارة العمل لهذه الشركات، وهي أن لا تزيد نسبة العمال الأجانب عن 10 %".
وبسبب ذلك أوضح الترك في سياق حديثه لموقع "تلفزيون سوريا" أنّ "معظم العمال السوريين مضطرين للعمل في ما يسمى السوق السوداء، وفي ورشات البناء والمعامل والمطاعم الصغيرة، حيث يُقبل أصحاب هذه المصالح على تشغيل السوريين دون تسجيلهم وبأجر زهيد، وتهرباً من الضرائب والتأمينات التي تفرضها الحكومة ".
وحول الحلول المناسبة لهذه المشكلة أكد المحامي السوري أنّ "تدخل الحكومة وإعداد لجان مراقبة مهمتها التجول بين المعامل والشركات، وفرض غرامة مالية على كل من يشغّل عمالا سوريين دون إعطائه إذن عمل يكفل له أدنى حقوقه المهنية هو الحل الوحيد لهذه المشكلة".
ويحظر قانون العمل التركي عمل الأجانب في المهن التالية: طبيب أسنان، القابلة القانونية، الصيدلي، الطبيب البيطري، مشرفة المرضى والصيدلي، مدير مشفى خاص، المحامي وكاتب العدل والأمن الخاص، والاستشاري بالجمارك.
ويعاني أصحاب الشهادات العلمية السورية وبشكل خاص المهندسين والمحامين وغيرهم، من صعوبة تأمين فرص عمل مناسبة لهم، خاصة مع عدم صدور قوانين جديدة لتسهيل أمورهم.
وكان تقرير صدر في أيار من العام الماضي بالشراكة بين جامعة إسطنبول والمؤسسة الدولية للتكنولوجيا والبحوث الاقتصادية والاجتماعية وحمل عنوان "اللاجئون السوريون والاقتصاد التركي - المناقشات حول التأثير في ضوء التجربة العالمية" أظهر الدور الإيجابي للاجئين السوريين على الاقتصاد التركي.
وأوضح التقرير أنّ "العمال السوريين ساعدوا بخفض أسعار العمالة والأسعار بشكل عام خاصة في الولايات الحدودية، ما أدى إلى إحياء الحياة الاقتصادية وكذلك زيادة فرص التوظيف".
وبحسب غرفة تجارة إسطنبول، فإنّ السوريين يحتلون الواجهة في الأنشطة الاقتصادية التي أنشأتها شركات أجنبية بحصة بلغت 25 في المئة.