تزداد الرقعة العمرانية بشكل متسارع في محافظة إدلب، تدلل عليها الأرقام الصادرة عن مديرية الشؤون الهندسية في وزارة الإدارة المحلية والخدمات، التي تشير إلى معدل وسطي لأعداد رخص البناء يصل إلى 75 رخصة أسبوعياً، وفقاً لإحصاء حصل عليه موقع "تلفزيون سوريا"، وهو عدد مرتفع قياساً للمساحة الجغرافية.
لكن ليست العبرة بالأرقام التي تعدّ منطقية بالنسبة للكثافة السكانية التي تشهدها المنطقة، بعد أن صارت وجهة تهجير لجميع المحافظات السورية، وإنما بالشروط والمواصفات الفنية للأبنية الجديدة وخاصةً السكنيّة، التي تحضر العديد من التساؤلات حول مقاومتها للزلازل ومراعاتها المعايير العلميّة المعمول بها عالمياً، خشية تكرار تجربة زلزال 6 شباط القاسية.
وتشتد هذه التساؤلات مع استمرار الهزات الارتدادية التي تتأثر بها المنطقة، التي تصنّف على أنها نشطة زلزالياً، بحسب الخبراء، الأمر الذي دفع السكان المحليين في المنطقة إلى إعادة النظر في الثقافة السكنيّة وتحديداً الطابقية، إلى جانب التشدّد في مواصفات البناء لتكون مقاومة للهزات والزلازل.
ما هي مرجعية البناء في المنطقة؟
تستند مرجعية البناء في منطقة شمالي غربي سوريا، إلى "كود البناء العربي السوري"، وهو أيضاً المرجعية للمواصفات والمعايير المطابقة لمقاومة الزلازل.
وفي هذا السياق، يقول مالك الحاج علي، وهو نقيب المهندسين السوريين، إن "مواصفات البناء تطابق الكود العربي السوري، وهو ينص على دراسة إنشائية خاصة بالزلزال للأبنية الطابقية التي تفوق الـ 3 طوابق"، مؤكداً أن "جميع الدراسات الإنشائية التي تمر على نقابة المهندسين تلتزم بمواصفات كود البناء المعمول به، ولا يمكن لأي بناء جديد أن يتم دون هذه الدراسة المختصة من قبل لجان المكاتب الهندسية في نقابة المهندسين".
ومنذ أكثر من عام تأخذ نقابة المهندسين ـ بعد توافقات مع حكومة الإنقاذ السورية ـ دورها في دراسة ومتابعة رخص البناء في محافظة إدلب وأجزاء من ريف حلب الغربي، عبر المهندسين المنتسبين للنقابة والمخوّلين في دراسة الأبنية، وهذا التوافق انعكس إيجاباً على عملية تنظيم الحركة العمرانية وزحفها في محيط القرى والبلدات والمدن.
ويشير "الحاج علي" لموقع تلفزيون سوريا، إلى أن "غالبية المخالفات التي شهدتها الأبنية الطابقية كانت خلال فترة من الفوضى، تم تهميش دور النقابة فيها، وكانت دوافعها توفير تكاليف إنشائية بسبب الوضع المعيشي الصعب، بينما اليوم وعقب وقوع الزلزال باتت الإجراءات والدراسات صارمة من قبل النقابة، بالتعاون مع وزارة الإدارة المحلية في حكومة الإنقاذ السورية".
دراسات وتدقيق
ويقول محمد عكلة، وهو مهندس مدني استشاري، لموقع "تلفزيون سوريا": "إن الدراسة الإنشائية للأبنية تختلف بحسب عدة معطيات منها الحمولات وطبيعة الأرض وميكانيك التربة، فعلى سبيل المثال، الدراسة الهندسية تراعي مسألة التربة الضعيفة التي تتطلب وجود قواعد إسمنتية أرضية شريطية أو حصيرة كاملة وروابط، وكذلك جدران قصيّة مسلّحة بشبكتين، وليس قواعد منفردة".
ويتحدث "عكلة" عن انتشار ثقافة السؤال مؤخراً، عن مواصفات البناء من قبل السكان المقبلين على شراء منزل أو أي بناء، إن كانت مدروسة على الزلازل أم لا، موضحاً أن الكثير من المستثمرين والمتعهدين يحرصون في الوقت الحالي على مراعاة الشروط المقاومة للزلازل، بسبب عزوف السكان عن شرائها".
وعلى اعتبار أن "عكلة" هو مهندس استشاري وصاحب مكتب هندسي، يؤكد أنه "لا يمكن الانتقال ضمن مراحل البناء، إلا بوجود توقيع "إذن صبّ" من قبل المهندس المشرف وهو إقرار منه بأنّ مواصفات العقار قد وافقت معايير الكود العربي السوري وفق الدراسة الهندسية والمعايير المقاومة للزلازل".
"تشديد شديد"
يؤكد وائل العلي، وهو متعهّد بناء في منطقة ريف إدلب الشمالي، على ما أشار إليه "عكلة"، متحدثاً عن "تشديد شديد على مخططات البناء من قبل الوزارة والفرق الهندسية الجوّالة".
ويرصد محدثنا فرقاً كبيراً بين مرحلتي ما قبل وما بعد الزلزال من الناحية التنظيمية، وفقاً لما يقول، معتبراً أن "التشديد دوافعه الزلزال الأخير والهزات الارتدادية المستمرة".
ويستطرد: "معايير الزلزال تزيد التكلفة على الأهالي، بحسب نوع البناء وحجمه، لكن في المحصلة يحقق أماناً أكبر لهم، لكن الموضوع يحتاج إلى توعية أكبر، فكثير ما نواجه أهالٍ يريدون إتمام البناء بأقل التكاليف نظراً لوضعهم المعيشي المتواضع، لكن مع حالة التشديد القائمة هم غير قادرين سوى على الالتزام بالمخططات، على اعتبار أن إذن الصب لا يسري إلا بعد إشراف مباشر من قبل المهندسين المبتعثين إلى موقع البناء، الذين يرفعون بدورهم عدة تقارير حول البناء إلى حين إتمامه".
ويختم حديثه لموقع تلفزيون سوريا: "تنتهي دور الفرق الهندسية مع إتمام بناء هيكل المنزل، ومراقبة عملية البناء من الأرض فالأساس وحتى السقف، وبعدها في مرحلة نكون مخيّرين بالمواصفات، فالأصل هو الهيكل وما تبقى لا شأن للزلزال فيه".
دراسات ومن ثم إشراف
يقول مصطفى السعيد، وهو مدير الشؤون الهندسية في وزارة الإدارة المحلية، إن الأخيرة اعتمدت عدة معايير لضبط تصميم الأبنية والمنشآت لمقاومة الزلازل بدءاً من عملية التدقيق على الدراسات المُعدّة من المهندسين المختصين انتهاءً بالإشراف على عملية التنفيذ وصولاً إلى منشأة سليمة إنشائياً، ويتم ذلك بناءً على معايير هندسية ومواصفات إنشائية موافقة لما نص عليه الكود العربي السوري".
وحول أبرز الإجراءات العملية، يقول "السعيد" لموقع تلفزيون سوريا إن "الإجراءات تقسم بشكل رئيسي إلى قسمين: حيث تشمل عمليتي التدقيق على الدراسات أولاً ثم الإشراف على عميلة التنفيذ لمطابقة المخطط على الواقع ثانياً، ولا بد من تكاملهما معاً للوصول إلى النتيجة المرجوّة".
لجان تدقيق
ويضيف "السعيد": "تتم عملية ضبط الدراسات لمطابقتها للمواصفات المقاومة للزلازل عبر عملية التدقيق والتي تتم عن طريق لجان تدقيق إنشائي مؤلفة من مهندسين من مرتبة الرأي تتبع لمديرية الشؤون الهندسية في وزارة الإدارة المحلية والخدمات، وقد اعتمد المدققون في مراجعتهم للدارسات أحدث البرامج الهندسية المعتمدة عالمياً في دراسات الزلازل".
ويشير "السعيد" إلى أن "البلديات تقوم بمتابعة المهمة من خلال ضبط عمليات البناء والصب وفق أدوات رقابية تضمن مطابقة المخططات للتنفيذ وذلك عبر مكاتبها الفنية والمؤلفة من مهندسين وفنيين لإجراء ما يلزم من أذونات صب وجولات دورية وغيرها، كما تقوم الوزارة بإصدار التعليمات الدورية والتعميمات التي تصب في هذا المجال، مثل ضبط التقارير الفنية وعدم السماح لإضافة طوابق للأبنية غير المؤهلة على الزلازل".
ويؤكد محدّثنا أن "جميع المعايير والمواصفات هي ملزمة، ويخالف من يتجاوزها، وذلك عن طريق رفض أي طلب أو دراسة لا تتوافق مع المعايير المطلوبة لمقاومة الزلازل، أما بخصوص عمليات التنفيذ للدراسات المصدقة عن طريق الوزارة والموافقة للمعايير المطلوبة تتم مراقبتها عن طريق المكاتب الفنية في البلديات وعند ضبط أي مخالفة يتم إيقاف جميع الأعمال لحين الإصلاح، ويمكن أن يحال بعضها إلى لجان السلامة الإنشائية العامة في الوزارة إن لزم، ولقد لوحظ اهتماماً جيداً من المهندسين للالتزام بالمعايير المطلوبة دراسة وتنفيذاً".