ما يزال العالم يعيش على وقع تداعيات الأزمة الأوكرانية، التي تخطت الحدود الجغرافية لأوكرانيا وروسيا، بحكم ارتباطها بالأمن القومي الأوروبي، وانخراط الولايات المتحدة الأميركية فيها بشكل مباشر.
ولا تقتصر آثار الصراع الأوكراني – الروسي على المجالين السياسي والعسكري، بل امتدت من أسابيعها الأولى إلى المجال الاقتصادي، من جراء العقوبات التي فرضتها الدول الغربية على روسيا، ومساعي الدول الأوروبية للتخلص من الهيمنة الروسية على إمدادات النفط والغاز الأوروبية، الأمر الذي سيترك آثاره على العلاقات بين الدول المصدرة للغاز بحكم إذكاء التنافس على التصدير.
الجزائر والفرص الناجمة عن الحرب الأوكرانية
تعتبر الجزائر من بين الدول التي تعمل على استغلال الفرصة الاقتصادية المتاحة لها، والناجمة عن توتر العلاقات بين روسيا والمعسكر الغربي، حيث اتجهت أنظار الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية إليها، من أجل تعويض دول الاتحاد الأوروبي عن الغاز الروسي الذي يغطي قرابة 38% من إجمالي حاجة السوق.
وتوشك الجزائر وفرنسا على تخطي حالة البرود التي سادت العلاقة بينهما منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2021، على خلفية تصريحات للرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" ادعى فيها "عدم وجود أمة جزائرية"، والتي جاءت على الأرجح بسبب التقدم الملحوظ في العلاقات الجزائرية – الروسية.
وفي 14 نيسان/ أبريل 2022، أجرى وزير الخارجية الفرنسي "جايف إيف لودريان"، زيارة إلى الجزائر التقى خلالها نظيره "رمطان لعمامرة"، وأكد فيها أنه "لا غنى للبلدين عن بعضهما من أجل استقرار المنطقة"، وذلك بعد يومين فقط من إبرام الجزائر لاتفاقية مع إيطاليا مهدت لها زيارة رئيس وزراء الأخيرة ولقاؤه مع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون.
وتقتضي الاتفاقية التي تم توقيعها بين شركتي "سوناطراك" و"إيني"، زيادة تدفق الغاز إلى إيطاليا عبر أنبوب "تراسمند"، بالإضافة إلى تطوير البنية التحتية الخاصة بمشاريع الطاقة.
وستعمل الجزائر على استثمار المستجدات من أجل تحقيق مطالبها القديمة مع الدول الأوروبية، المتعلقة بمراجعة أسعار عقود الغاز والنفط، وأيضاً التخفيف من القيود القانونية التي تفرضها الاتفاقية بين الطرفين على الغاز والنفط الجزائري، والتي تحد من قدرة الجزائر على بيع الغاز لأوروبا بشكل مباشر وتخزينه بداخلها.
وتخطط الجزائر أيضاً لاستقطاب دعم مالي من أجل تطوير البنية التحتية الخاصة بإنتاج الطاقة، إلى جانب تحقيق مكاسب سياسية متعلقة بدفع الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية لتغيير موقفها من الصراع بين الجزائر والمغرب حول الصحراء الغربية، حيث وافقت واشنطن خلال الأعوام الماضية على صفقات سلاح من شأنها أن تدعم سلاح الجو المغربي، مما دفع الجزائر إلى الاتجاه نحو روسيا.
تغيرات متوقعة في سياسة الجزائر العربية
في حال مضت العلاقات الجزائرية قدماً مع الدول الأوروبية، فإن الجزائر ستكون مضطرة إلى التوازن أكثر بين الدول الغربية وروسيا، وهذا سينعكس بالضرورة على الملفات السياسية عموماً، ومن ضمنها التعاطي مع الشؤون العربية.
وسعت الجزائر منذ مطلع عام 2020 لإعادة مقعد سوريا في الجامعة العربية للنظام السوري، بتنسيق كامل مع روسيا، واستمرت في محاولاتها حتى أواخر عام 2021، كتجسيد لمدى تقدم العلاقات الجزائرية – الروسية.
التغيرات الحالية والفرص الجزائرية الناجمة عن الصراع الغربي – الروسي، من المحتمل أن تدفعها إلى إعادة صياغة سياستها الخارجية بشكل متوازن أكثر، بما فيها الملف السوري والتعاطي مع النظام المرتبط بشكل كامل بروسيا.
ومن الصعب تصور تدهور في العلاقات الجزائرية – الروسية، بسبب العلاقة التاريخية بين البلدين، ومن أبرز تجلياتها اعتماد الجيش الجزائري على روسيا كمصدر للتسليح، بما في ذلك سلاح الجو، إذ تطمح الجزائر لتطوير أسطولها الجوي لخلق حالة توازن مع المغرب، لكن من غير المستبعد أن تتجه الجزائر للاعتدال في علاقاتها لضمان مصالحها، وبالتالي التراجع عن الضغط المستمر لإعادة النظام السوري للجامعة العربية استجابة للمطالبات الروسية، خاصة أن السعي الجزائري لتوفير مصدر بديل للغاز الروسي بالنسبة لأوروبا، ستعتبره موسكو أنه إضعاف لأهم أوراق قوتها في مواجهة الغرب، الأمر الذي قد يؤدي إلى تعكير صفو العلاقات الحالية.
وسلط موقف النظام السوري من الغزو الروسي لأوكرانيا الأضواء الغربية عليه مجدداً، بعد أن أعلن بشكل صريح دعمه لعمليات موسكو، وسهل تجنيد المئات من المرتزقة من أجل المشاركة في الحرب إلى جانب الجيش الروسي، الأمر الذي قد يرتب عليه ردود أفعال غربية، أبرزها عرقلة المساعي الروسية الهادفة إلى إعادة تعويم النظام السوري مجدداً.