في ظل موجة اللجوء الأخيرة للاجئين السوريين من تركيا إلى بلدان الاتحاد الأوروبي، والتي تزامنت مع الأزمة الاقتصادية التي تعانيها تركيا وظاهرة العنصرية ضد الأجانب عموماً واللاجئين السوريين خصوصاً، انتشرت أخيراً ظاهرة هجرة السوريين الحاصلين على الجنسية التركية إلى بلدان الاتحاد الأوروبي أسوة بنظرائهم اللاجئين ممن يقيمون تحت بند الحماية المؤقتة، أو الحاصلين على إقامات سياحية أو إقامات عمل.
ورغم حصولهم على الجنسية التركية والتي جنبتهم كثيراً من التعقيدات التي يعاني منها اللاجئون السوريين وخاصة ممن يندرجون تحت بند الحماية المؤقتة، إلا أن ذلك لم يكن كافياً ليدفعهم للاستقرار في تركيا والبحث عن طرق جديدة للوصول إلى أوروبا.
الأسباب التي تدفع المجنسين للجوء إلى أوروبا
تنوعت الأسباب التي دفعت السوريين المجنسين للهجرة إلى أوروبا والتي تختلف من شخص إلى آخر، إلا أن هناك بالتأكيد عوامل رئيسية كان على رأسها العامل الاقتصادي، حيث شكلت الأزمة الاقتصادية والتضخم الكبير الذي تشهده تركيا عاملاً طارداً للسوريين وخاصة لدى محدودي الدخل، حيث دفعت الأزمة الاقتصادية السوريين للبحث عن فرصة جديدة وهو ما أكده أحد السوريين المجنسين الذين وصلوا إلى أوروبا ورفض الكشف عن اسمه خشية رفض طلب لجوئه، حيث قال في تصريحات لموقع تلفزيون سوريا إن ارتفاع الأسعار بشكل كبير وخاصة إيجار المنازل كان السبب الرئيسي في قراره بالذهاب إلى أوروبا، وإنه لم يعد يستطيع إعالة أسرته وتحمل تكاليف الحياة في مدينة مثل إسطنبول حيث كان يقيم، لذا قرر الهجرة إلى ألمانيا حيث يوجد بعض أقاربه.
وأضاف بأن عدداً كبيراً من السوريين الحاصلين على الجنسية هم من العمال وأصحاب المهن، والذين لا يتجاوز راتبهم الشهري الحد الأدنى للأجور، وفي ظل موجة الغلاء التي تشهدها تركيا أصبح من الصعب جداً تحمل الوضع الاقتصادي القائم.
من جهة ثانية شكلت موجة العنصرية اتجاه الأجانب بشكل عام واللاجئين السوريين عاملاً آخر دفع عدداً كبيراً من السوريين المجنسين للبحث عن طريق للوصول إلى أحد البلدان الأوروبية، حيث أوضح مواطن سوري مجنس رفض الكشف عن اسمه أيضاً بأن الحصول على الجنسية لم يشكل رادعاً أمام التجاوزات التي تعرض لها العديد من السوريين ممن حصلوا على الجنسية التركية، حيث بقي التعامل العام معهم على أنهم لاجئون سوريون، وأن التصرفات العنصرية طالتهم وطالت أبناءهم أيضاً.
وأشار إلى أنه في بعض الحالات يكون المواطن السوري المجنس أكثر عرضة للعنصرية خاصة ممن لا يجيدون التحدث باللغة التركية، وعلى وجه الخصوص عند إجراء أي معاملة حكومية.
ومن العوامل المهمة في هجرة السوريين المجنسين هو سهولة الوصول إلى بلدان الاتحاد الأوروبي مقارنة بغير المجنسين، وهو ما يترتب عليه كلفة وجهد ومخاطر أقل من الآخرين.
طرق تهريب السوريين المجنسين إلى أوروبا
يتيح حصول المجنسين السوريين في تركيا على جواز سفر تركي فرصة الوصول إلى عدد من الدول الأوروبية غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي كصربيا والبوسنة والهرسك من دون الحاجة إلى الحصول على فيزا، حيث تعتبر هذه الدولة محطة أولى لطالبي اللجوء قبل الدخول عن طريق المهربين إلى دول الاتحاد الأوروبي.
وفي هذا الخصوص قال الدكتور أحمد جاسم الحسين في تصريحات لموقع تلفزيون سوريا إن هناك طريقين رئيسيين لوصول السوريين المجنسين في تركيا إلى الاتحاد الأوروبي الأول هو صربيا والثاني هو البوسنة والهرسك، حيث يحتاج الحاصل على الجنسية التركية إلى حجز فندقي وتذكرة طائرة فقط، وبعد الوصول إلى أحد البلدين كمواطنين أتراك يتم إيصالهم إلى الحدود الكرواتية ممن توجه إلى البوسنة والهرسك أو الحدود الهنغارية لمن توجه إلى صربيا، حيث يقوم طالبوا اللجوء بتسليم أنفسهم عند تجاوزهم الحدود على أنهم سوريون.
وأضاف أن عملية التهريب من هذين الدولتين ليست صعبة حيث تستغرق أقل من يوم ولا تكلف طالب اللجوء مبالغ مالية كبيرة كتلك التي تطلب من السوريين الذين لا يملكون جواز سفر تركياً.
ما فرص الحصول على حق اللجوء في أوروبا للمجنسين السوريين في تركيا؟
من حيث المبدأ أوضح الدكتور أحمد جاسم الحسين أنه وفق القوانين المتبعة يحق لأي شخص أن يتقدم بطلب لجوء بحال أنه لا يشعر بالأمان في بلده أو يعاني من اضطهاد ديني أو عرقي أو سياسي، ووفق هذا المبدأ يمكن أن يتقدم طالب اللجوء حتى لو كان حاصلاً على الجنسية التركية بطلب لجوء ويعلل ذلك بأسباب اقتصادية أو عنصرية أو سياسية من دون أن يخفي حصوله على الجنسية التركية.
وأشار إلى أن هناك عدداً كبيراً من المواطنين الأتراك الذين يتقدمون بطلبات لجوء في البلدان الأوروبية، ويحصل قسم كبير منهم على حق اللجوء، لذا ينصح جاسم الحسين بعدم إخفاء حصول السوريين المجنسين على الجنسية التركية عند تقديم طلبات اللجوء لأن ذلك قد يترتب عليه إجراءات قانونية كون مقدم الطلب أخفى معلومات مهمة ما يؤدي إلى رفض حصوله على حق اللجوء، أو إلغائه بحال كان قد حصل على حق اللجوء وإعادته إلى تركيا.
في السياق ذاته أكد المحامي والناشط الحقوقي غزوان قرنفل في تصريحات لموقع تلفزيون سوريا بأن حق اللجوء يسقط عند اكتشاف حصول اللاجئ على جنسية بلد "آمن" وأخفى ذلك بشكل متعمد.
وقال قرنفل إنه أخيراً تم تداول معلومات عن اتفاق بين الحكومتين الألمانية والتركية حول تبادل المعلومات عن طالبي اللجوء، ويعتقد بأن هذه التجربة ستتكرر في هولندا أيضاً.
أما المحامي وعضو حزب النهضة الفرنسي زيد العظم فقال في تصريح خاص لتلفزيون سوريا إنه وفق الإجراءات الأوروبية الجديدة، يجب على طالب اللجوء أن يثبت بأنه مضطهد سياسياً في بلده الأصلي، أو أن يكون ملاحقاً من قبل سلطات بلده بسبب رأي أو موقف سياسي معارض. كما ينبغي على طالب اللجوء أن يصرح إن كان معه جنسية أخرى غير جنسية بلده الأصلي لأن قوانين اللجوء تجيز للدولة المضيفة سحب اللجوء من اللاجئ إذا أخفى حقائق عن البلد المضيف.
وأوضح العظم "طالب اللجوء إذا أثبت بأنه مضطهد في الدولة الثانية التي يحمل جنسيتها في هذه الحالة يمكنه الحصول على اللجوء. أما في حال لم يكن مضطهداً في بلده الثاني فإن إمكانية حصوله على اللجوء تصبح صعبة".
ختاما لا بد من التأكيد من أن أي محاولة لحل مشكلة اللاجئين السوريين بمختلف شرائحهم ومن ضمنهم من حصل على الجنسية التركية، لا بد أن تبدأ من أساس المشكلة والمتمثلة بالسلطة القائمة في دمشق، وأن معظم السوريين حتى ممن حصل على الجنسية التركية خلال فترة لجوئه إلى تركيا ما زالوا في حالة بحث مستمر عن استقرار مفقود زاد من أوجاعه حملات العنصرية الأخيرة التي شهدتها تركيا وزادت من حدتها الأزمة الاقتصادية التي بعثرت كل أمل للسوريين في الاستقرار.