سادت حالة من القلق بين السوريين في تركيا، بعد الإعلان عن مشروع يهدف إلى إعادة نحو مليون ونصف المليون لاجئ إلى مناطق تعتبرها أنقرة "آمنة" في الشمال السوري، ومما زاد المخاوف لدى اللاجئين، غموض المشروع، الذي لم تُحدد الفئات المستهدفة به، فضلاً عن التشكيك في حقيقة وجود بيئة آمنة تحتضن العائدين.
بلا شك تحاول الحكومة التركية من خلال الإعلان عن المشروع، تخفيف الضغوط التي تتعرض لها من قبل أحزاب المعارضة حيال استقبال نحو 4 ملايين لاجئ سوري، وذلك قبل نحو عام من الانتخابات الرئاسية في البلاد. لكن ما إن أعلنت أنقرة عن المشروع حتى ازدادت هجمات النظام وقوات سوريا الديمقراطية "قسد" على مناطق سيطرة الجيش الوطني السوري والقواعد التركية، آخرها استهداف مخفر حدودي للجيش التركي في منطقة قارقمش بولاية غازي عنتاب يوم الخميس الفائت، وما سبقه من مقتل جندي تركي في قاعدة كلجبرين في الرابع من الشهر الجاري.
ثمّة عوائق كثيرة -طرحها خبراء وتثبتها الأرقام على أرض الواقع- أمام مشروع إعادة اللاجئين أو جزء منهم إلى المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية، ويبحث موقع تلفزيون سوريا في هذا التقرير الواقع الأمني في المنطقة، وفيما إذا كان الشمال السوري مهيأً من الناحية الأمنية لاستقبال اللاجئين، كما سيعرض أرقاماً وإحصائيات حول ما يتعرض له السكان في المنطقة من قصف وتفجيرات، على الأقل خلال ما مضى من العام الجاري.
فكرة "إعادة اللاجئين"
بدأت الحكومة التركية التلميح مجدداً إلى "العودة الطوعية للاجئين السوريين" في الثاني من شهر آذار الماضي، إذ أكد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، أن بلاده تعمل مع الأردن لتسهيل عودة طوعية للاجئين السوريين إلى بلادهم، وأكد في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الأردني أيمن الصفدي، رغبة بلاده في تنظيم مؤتمر وزاري لمناقشة ملف إعادة السوريين.
وأصبح الموضوع حديث السوريين في تركيا، بعد أن كشفت صحيفة "Türkiye Gazetesi" عن خطة حكومية لإعادة مليون ونصف المليون لاجئ سوري إلى بلادهم خلال 15 - 20 شهراً، عبر جعل مناطق العمليات العسكرية التركية مناسبة من الناحية المعيشية والاقتصادية لعودتهم.
وحصل موقع "تلفزيون سوريا" على تفاصيل الخطة الأولية التي أعدتها الحكومة التركية لتشجيع مليون ونصف المليون سوري للعودة من تركيا طوعياً، وما تتضمنه الخطة من مزايا تشجيعية تزيد من رغبة أكبر عدد ممكن من السوريين للعودة قبل موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في حزيران من العام المقبل 2023.
وتقصد الحكومة التركية، بالمناطق السورية "الآمنة"، كلاً من "درع الفرات" و"غصن الزيتون" بريف حلب، ومنطقة عملية "نبع السلام" شرق الفرات، وهي مناطق خاضعة لسيطرة الجيش الوطني السوري والقوات التركية، وبالرغم من أنها تعيش حالة أمنية جيدة نسبياً، إلا أنها تتعرض جميعها دون استثناء لهجمات صاروخية ومدفعية، وتفجيرات، وعمليات تسلل بريّة، سواء من جانب قوات النظام، أو قسد.
الشمال السوري من الناحية الأمنية
تدل الأرقام والإحصائيات الحقوقية، على أن منطقة شمال غربي سوريا خطرة على السكان، ويمكن أن يتعرض قاطنوها في أي لحظة للموت، من جراء عمليات القصف أو التفجير.
فعلى صعيد الهجمات الصاروخية والمدفعية، سجّل الدفاع المدني السوري 110 هجمات جوية ومدفعية تركزت على منازل المدنيين والمباني العامة والمنشآت الحيوية والخدمية في مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام، خلال الربع الأول من العام الجاري. في حين بلغ عدد الهجمات في مناطق سيطرة الجيش الوطني خلال الفترة ذاتها 16 هجوماً مدفعياً و بالصواريخ.
وأسفرت هذه الهجمات عن مقتل 47 شخصاً بينهم نساء وأطفال، في حين تمكنت الفرق من إنقاذ أكثر من 100 شخص من المصابين.
من جهتها، تؤكد الشبكة السورية لحقوق الإنسان، أن شهر نيسان الماضي شهد ازدياداً ملحوظاً في وتيرة القصف المدفعي الذي نفذته قوات النظام السوري على منطقة إدلب مقارنة بأشهر سابقة في هذا العام، وقد تركز القصف على قرى وبلدات في جبل الزاوية، كما طال بلدات ريف حلب الغربي وريفي إدلب الشمالي والشرقي، كما رصدت ارتفاعاً في وتيرة الطلعات والهجمات الجوية الروسية على شمال غربي سوريا مقارنة بشهر آذار.
ومن ناحية التفجيرات، أحصى الدفاع المدني خلال الربع الأول من العام الجاري 26 تفجيراً، شملت العبوات الناسفة والانفجارات المجهولة وانفجارات مخلفات القصف والألغام واستهدافات الطائرات المسيرة، وأدت إلى مقتل 13 شخصاً بينهم طفل وإصابة 30 آخرين بينهم 9 أطفال و 4 نساء.
وتشكل الألغام تهديداً على سلامة المدنيين في الشمال السوري، إذ ما تزال أعداد كبيرة من الذخائر غير المنفجرة والألغام موجودة بين المنازل، وفي الأراضي الزراعية وفي أماكن لعب الأطفال، ناجمة عن قصف ممنهج للنظام وروسيا استمر على مدى سنوات وما يزال حتى الآن، وستبقى قابلة للانفجار لسنوات أو حتى لعقود قادمة، وقد استجاب الدفاع المدني خلال عام 2021 والربع الأول من عام 2022 لـ 20 انفجاراً لمخلفات الحرب، خلفت 15 قتيلاً بينهم 8 أطفال، في حين أصيب 27 شخصاً، وتمثل هذه الأرقام الحوادث التي استجابت لها فرق الدفاع المدني فقط.
الاعتقالات والاشتباكات الداخلية
يتجنب كثيرون العودة إلى منطقة شمال غربي سوريا خشية الاعتقال على يد هيئة تحرير الشام أو الجيش الوطني السوري، بسبب خلاف قديم، أو بسبب انتقاد أحد هذه الأطراف على وسائل التواصل الاجتماعي، كما أن الاقتتالات الداخلية بين فصائل المعارضة، تعد سبباً في إيقاع ضحايا مدنيين ببعض الأحيان.
وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فقد شهدت مناطق سيطرة الجيش الوطني في عفرين وريفي حلب الشمالي والشرقي تصاعداً في حدة الاشتباكات بين مكونات الجيش، خلال شهر نيسان، مقارنة بشهورٍ سابقة.
وبخصوص الاعتقالات، شهدَ شهر نيسان عمليات احتجاز قامت بها هيئة تحرير الشام بحق مدنيين، تركَّزت في محافظة إدلب وشملت ناشطين إعلاميين وسياسيين، ومعظم هذه الاعتقالات حصلت على خلفية التعبير عن آرائهم التي تنتقد سياسة إدارة الهيئة لمناطق سيطرتها، وبلغ عدد المعتقلين على يد الهيئة في هذا الشهر 9 أشخاص بحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، في حين اعتقل الجيش الوطني 32 شخصاً، معظمهم قادمون من مناطق سيطرة النظام السوري، وفقاً للشبكة أيضاً.
لا يوجد مكان آمن في سوريا
قال الكاتب السوري، حسن النيفي، إنه لا توجد أي بقعة جغرافية على الأرض السورية آمنة، طالما البلاد تحكمها سلطات أمر واقع متعددة، فضلاً عن أن مجمل التفاهمات القائمة فيما يخص وقف إطلاق النار، هي تفاهمات آنية ولا تحظى بصفة الديمومة، وعرضة للاختراق في أي وقت.
وأضاف النيفي في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، أن التهديدات التي يمكن أن يواجهها اللاجئون في حال العودة عديدة لعل أهمها الجانب الأمني، إضافة إلى أن منطقة شمال غربي سوريا لا تحظى بنظام حوكمة يستطيع الحفاظ على حياة المواطنين ويحمي حقوقهم، فضلاً عن التهديد المعيشي والاجتماعي لانعدام فرص العمل والدخل الاقتصادي اللازم.
الصحفي السوري ماجد عبد النور، ذكر في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، أن منطقة الشمال السوري ليست آمنة حتى الآن، لكونها ما زالت تتعرض للقصف ولخطر الاجتياح، وتعاني من صعوبات أمنية كبيرة.
ويرى عبد النور، في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، أن المنطقة تصبح آمنة عندما يُزال خطر القصف والاجتياح ويتم ترتيب أوضاعها أمنياً وعسكرياً واقتصادياً وتحكمها مؤسسات حقيقية قادرة على ضبط الأمن وتحقيق الاستقرار.
وأردف: "يجب رفض مشروع إعادة اللاجئين ومطالبة الأمم المتحدة بالتدخل لرفض إعادة أي سوري إلى بلاده، لأنها ستفتح الباب للدول الأخرى لإعادة السوريين، ويجب رفع الصوت عالياً ونشر تقارير تثبت أن المنطقة المفترضة ليست آمنة وأن الجغرافيا ضيقة وأشبه بسجن كبير يحوي ملايين المهجرين الذين يفتقدون لأبسط مقومات الحياة ويعانون من بطالة عامة وفقر مدقع، وعلى مؤسسات المعارضة أن ترفض هذه الخطة وتطالب بعدم تنفيذها لأنها ستكون كارثة على المرحّلين والمقيمين".
من يحدد نسبة أمان المنطقة؟ وما واجب المعارضة السورية؟
بحسب مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني، فإن المسؤول عن تحديد منطقة ما في سوريا أنها آمنة أو غير آمنة، هي المنظمات المختصة، مثل الأمم المتحدة، ولجنة التحقيق الدولية، والمنظمات الدولية أو المحلية، مثل هيومن رايتس ووتش، والعفو الدولية والشبكة السورية لحقوق الإنسان، مضيفاً أنه لا يمكن للحكومات، سواء تركيا أو غيرها، التأكيد على أن منطقة ما في سوريا آمنة، وإلا فإن إعادة اللاجئين ستكون قسرية وفق القانون الدولي.
وأفاد عبد الغني لموقع تلفزيون سوريا، بأن منطقة شمالي سوريا "لا تحترم حقوق الإنسان، والقضاء فيها غير مستقل"، ويمكن أن تصبح المنطقة آمنة عندما "توجد هيئات تمثيلية منتخبة تحترم حقوق الإنسان، وهذا الأمر غير موجود، وأيضاً عند توفير قضاء مستقل يرجع إليه الناس إذا انتهكت حقوقهم، وتوفير الأمان من القصف والتفجيرات".
في حين يؤكد الكاتب حسن النيفي، أن المنطقة تصبح آمنة حين يرحل نظام الأسد وتعود سوريا موحدة في ظل دولة ديمقراطية تتمتع بسيادة القانون والعدالة بعيداً عن السلطات الميليشياوية ذات الأجندات الخارجية.
ويختم النيفي بالقول: "ما يجب فعله سواء على مؤسسات المعارضة أو كافة أشكال قوى الثورة هو التأكيد الدائم على أن مشكلة السوريين تتجسد باستمرار نظام الأسد في حكم البلاد، ولا حل عادلا سوى برحيل هذا النظام، على الجميع أن يعمل من أجل أن يفهم العالم أن قضية السوريين هي قضية وطن محتل وليست قضية لاجئين، وأعتقد أن أي معالجة لموضوع اللاجئين من دون أن تترافق مع حل سياسي هي التفاف على القضية السورية ومسعى نحو تعويم النظام".