تسابق إسرائيل الزمن قبل أن يمتلك الإيرانيون القنبلة النووية، في ظل تقديرات إسرائيلية عن اقتراب طهران الوشيك من تصنيع القنبلة، وبعد تعثر مباحثات "فيينا" لإعادة إحياء الاتفاق النووي الإيراني.
وتكثف تل أبيب، في الآونة الأخيرة، جهودها في قيادة حملات دولية مع حلفائها في واشنطن والغرب للضغط على طهران لكبح طموحاتها النووية، وتدرس خياراتها منها التحضير لتوجيه ضربة عسكرية.
قالت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، إن إسرائيل بدأت بالتحضير لهجوم على إيران في حال انتقلت الأخيرة إلى إنتاج القنبلة النووية.
وأضافت الصحيفة، أن وزارة الدفاع الإسرائيلية ومسؤولين كباراً في الحكومة يناقشون حالياً إمكانية أن تضطر إسرائيل إلى مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية في المستقبل القريب.
وأوضح معلق "يديعوت أحرونوت" للشؤون الأمنية والعسكرية رون بن يشاي، أن لدى تل أبيب مخططاً للهجوم تجري مناقشته، مختلفاً عن المخطط السابق الذي تمت صياغته في 2010.
ويجري نقاش في مبنى وزارة الدفاع الإسرائيلية في تل أبيب، المعروف داخل إسرائيل باسم "الكريا"، حول الهجوم على إيران باستخدام الوسائل الحديثة، وتخصيص ميزانية إضافية للجيش، إضافة إلى دراسة تحضيرات الجبهة الداخلية.
وفي هذا السياق، أوصت وثيقة أعدها لمعهد دراسات الأمن القومي (INSS)، بأن على إسرائيل تفعيل خيار عسكري ذي مصداقية تجاه إيران استعداداً لسيناريو الفشل في التوصل إلى اتفاق نووي جديد، وحددت الوثيقة برنامج طهران النووي على أنه "التهديد الأكثر خطورة لإسرائيل"، مؤكدة اقتراب إيران من العتبة النووية.
الوثيقة هي نسخة محدثة على ضوء التطورات الإقليمية، قدمها المعهد قبل أسبوعين للرئيس الإسرائيلي الجديد إسحاق هرتسوغ، وتحمل عنوان "التحديات الاستراتيجية الرئيسية لإسرائيل والتوصيات السياسية للنصف الثاني من عام 2021".
لم يتضمن المخطط موعداً محدداً للهجوم، أو تأكيداً حاسماً على تنفيذه، وإنما انطلاق التحضيرات لتوجيه ضربة عسكرية ضد إيران انتظاراً إلى ما ستؤول إليه الأمور في حال نجاح أو فشل المساعي الدولي لإعادة طهران إلى الاتفاق النووي.
الاستعداد للحرب
وبحسب رون بن يشاي، المعروف بصلاته الوثيقة بالمؤسسة العسكرية، فإن ما تحضره إسرائيل "ليس مجرد حديث"، وإنما هناك استعدادات أولية لتنفيذ بعض خطط الهجوم التي أعدتها هيئة الأركان العامة بإشراف مباشر من رئيس الأركان أفيف كوخافي.
ويقود هذه الاستعدادات وزير الدفاع بيني غانتس، ومسؤولون بارزون في وزارة الدفاع ورؤساء الصناعات الأمنية، وصدق عليها "مصادقة مبدئية" كل من رئيس الوزراء نفتالي بينت ووزيرا الخارجية يائير لابيد والمالية أفيغدور ليبرمان.
وأشارت "يديعوت أحرونوت" إلى أن وزيري الدفاع والمالية يناقشان حالياً إضافة زيادة كبيرة في ميزانية الدفاع للسنوات الخمس المقبلة، الغرض منها تمويل البنية التحتية والاستعدادات لخطوة هجومية إسرائيلية تمنع إيران من امتلاك أسلحة نووية.
كما تطرقت نقاشات التحضير لهجوم عسكري إلى "معركة الاتهامات" المتبادلة بين رئيس الوزراء نفتالي بينت وبين زعيم المعارضة بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء السابق والأشهر، حول الملف النووي الإيراني.
ويتهم كل من بينت وغانتس وليبرمان (خصوم نتنياهو الذين أسقطوا حكمه المديد) نتنياهو بالفشل في التصدي للخطر الإيراني، لأنه لم يستغل نفوذه مع الإدارة الأميركية السابقة بقيادة الجمهوري دونالد ترامب، ولم يحسن علاقات تل أبيب مع الديمقراطيين، للحصول على مساعدات أميركية تمكن إسرائيل من تطوير خيار عسكري مستقل فعال في مواجهة إيران.
ويرى منتقدو نتنياهو بأن سياساته هي التي كانت سبباً ولا تزال في اقتراب الإيرانيين من امتلاك القنبلة النووية أكثر من أي وقت مضى.
وتشير آخر التقديرات الاستخبارية في إسرائيل إلى أن إيران على بعد شهرين فقط من إنتاج القنبلة النووية، بسبب زيادة أنشطتها النووية بعد تخليها عن الالتزام بالاتفاق النووي الموقع عام 2015 في أعقاب انسحاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب منه في 2018.
إيران قريبة من العتبة النووية
طورت إيران وسرعت خلال العامين الماضيين عمليات تخصيب اليورانيوم والمواد الانشطارية المتراكمة (المكونات الرئيسية لصنع رأس نووي متفجر)، بدرجات تخصيب متفاوتة وكميات تكفي لصناعة ثلاثة رؤوس حربية نووية، إضافة إلى تطويرها منظومات الصواريخ البالستية القادرة على حمل رؤوس نووية.
وبحسب التقديرات في إسرائيل، فإن إيران تمتلك حالياً، 10 كغ من اليورانيوم المخصب بدرجة 60%، و140 كغ يورانيوم مخصب بدرجة 20%، و2500 كغ يورانيوم بدرجة 4%، وتستخدم مئات أجهزة الطرد المركزي المتطورة، رغم منعها من ذلك في إطار الاتفاق.
وأفادت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في نيسان/أبريل الماضي، أن إيران بدأت تخصيب اليورانيوم إلى درجة نقاء 60% بمفاعل نطنز.
تستنتج إسرائيل من كل هذه التفاصيل الفنية وصولاً سريعاً لطهران إلى النادي النووي الدولي، في استنساخ لتجربة كوريا الشمالية، التي طورت واختبرت أسلحة نووية بعيدة المدى وصواريخ باليستية على الرغم من العقوبات الأميركية، وأعطت حصانة لنظام كيم جونغ أون أمام الضغوط الأميركية.
مخططات هجوم سابقة
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تضع فيها إسرائيل مخططاً للهجوم على المنشآت النووية الإيرانية، وإنما كانت هناك محاولات عديدة من أشهرها مخطط صاغته ما بين (2010-2012)، وضعه رئيس الوزراء آنذاك نتنياهو ووزيرا الدفاع إيهود بارك والخارجية أفيغدور ليبرمان، وخصصت له وقتئذ ميزانية تقدر بـ 11 مليار شيكل (ما يعادل 3.4 مليار دولار أميركي) ولكن بسبب اعتراضات من قبل القادة الأمنية حالت دون تنفيذ الهجوم.
ورغم عدم تنفيذ ذلك المخطط قبل عشر سنوات، فإن نتائجه أفضت إلى فرض إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما عقوبات اقتصادية مشددة على صادرات النفط الإيرانية، الأمر الذي دفع الإيرانيين للجلوس على طاولة المفاوضات مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين وروسيا، والتي توجت في 2015 بتوقيع الاتفاق النووي الإيراني.
في 14 من تموز/يونيو 2015 وقعت القوى الخمس العظمى (الولايات المتحدة والصين وروسيا وبريطانيا وفرنسا) إضافة إلى ألمانيا مع الإيرانيين على "خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، في فيينا. وتقضي الخطة، المعروفة إعلامياً باسم "الاتفاق النووي الإيراني"، برفع العقوبات الدولية عن طهران مقابل تفكيكها لبرنامجها النووي.
وفي 8 أيار/مايو 2018 انسحب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب من الاتفاق (انسحاب أحادي)، الأمر الذي أدى إلى انهيار الاتفاق لاحقاً لا سيما بعد تخلي إيران بدورها عن الالتزام بتعهداتها بعد عام من انسحاب ترامب وباشرت في تخصيب اليورانيوم بدرجات أعلى من المسموح لها (3.67%).
تحديات مخطط الهجوم
يختلف مخطط الهجوم الحالي الذي يطبخ في مبنى "الكريا" (وزارة الدفاع الإسرائيلية)، عن المخطط السابق بأنه يشهد توافقاً وإجماعاً بين الطبقة الأمنية والسياسية في تل أبيب، كما يعتزم وزير الدفاع غانتس زيادة ميزانية الجيش من 55.3 مليار شيكل في 2019 إلى 60 مليار شيكل سنوياً وعلى مدار خمس سنوات (فضلاً عن المساعدات الأميركية).
في المقابل، يختلف وضع برنامج إيران النووي والصاروخي اليوم عما كان عليه قبل عشر سنوات، وتصنفه تل أبيب بأنه "أكثر خطورة" على أمنها ويهدد تفوقها الاستراتيجي في المنطقة.
وبحسب خبير الشؤون العسكرية والأمنية في صحيفة "يديعوت أحرونوت" رون بن يشاي، فإن إيران اليوم قريبة جداً من العتبة النووية، وبرنامجها متفرق وموزع على عدة منشآت نووية منتشرة في الأراضي الإيرانية، ومحصن بطبقات خرسانية صلبة تحت الأرض على عمق يصل إلى عشرات الأمتار داخل الجبال الصخرية، هذا فضلاً عن تطوير طهران أنظمة الدفاع الجوي المضادة للطائرات والصواريخ.
على سبيل المثال، في منشأة بوردو (جنوبي مدينة قم)، تقع قاعات أجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم على عمق 80 متراً تحت الصخور الصلبة، مما يزيد من صعوبة اختراقها، "حتى القنبلة الكبيرة التي طورها الأميركيون والتي تزن 16 طناً لا تستطيع اختراق هذا العمق" بحسب بن يشاي.
التوقيت والمزاج الدولي
ويتصاعد التوتر في الأسابيع الأخيرة، بين إسرائيل وإيران على خلفية هجمات منسوبة لإيران على سفن غربية وأخرى مملوكة إسرائيلياً، كان أبرزها الهجوم على السفينة "ميرسر ستريت" قبل نحو أسبوعين، حيث تأخذ المواجهات بين الطرفين شكل "حرب الظل" للتنافس الإقليمي بينهما في المنطقة.
وهدد وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس، إيران الأسبوع الماضي، بأن بلاده مستعدة لتوجيه ضربة عسكرية لإيران، على خلفية الهجمات التي تعرضت لها سفن تجارية في مياه الخليج العربي. مشيراً إلى أن إيران تشكل تهديدا دوليا وإقليميا وليس فقط لإسرائيل.
في المقابل ردت إيران على تهديدات غانتس بأنها سترد على "أي خطوة حمقاء" وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده: "لا تختبرونا".
وتحاول إسرائيل تجنيد رأي عام دولي ضد إيران وأنشطتها في المنطقة، توجت بإدانة الغرب لإيران على خلفية الهجوم على السفينة قبل أسبوعين. كما تحاول دفع الأميركيين نحو إدراج الخيار العسكري إلى جانب العقوبات الاقتصادية لكبح طموحات طهران النووية.
ويشار إلى أن إدارة البيت الأبيض بعثت بأهم مسؤوليها الأمنيين، قبل يومين، مدير وكالة المخابرات المركزية (CIA) إلى تل أبيب لتنسيق الجهود وإطلاع الإسرائيليين على توجهات واشنطن حيال الملف النووي الإيراني.
ويأتي إعلان تل أبيب عن تخطيطها للهجوم على المنشآت الإيرانية النووية بعد فشل المساعي الدولية لإعادة طهران إلى الاتفاق النووي "المنهار" في مباحثات "فيينا" التي لم تحقق ست جولات منها أي تقدم.
ومن المفترض أن تنطلق جولة سابعة، الشهر المقبل، في ظل سقف توقعات منخفض في إحراز تقدم، رغم تلميحات واشنطن بتقديم تنازلات، وإعلانها بأنها "مستعدة لتخفيف العقوبات المفروضة على إيران بشكل مؤقت، مقابل تجميد طهران أعمالها الاستفزازية في المجال النووي"، وفقاً لوكالة "بلومبيرغ" الأميركية.
ولكن يبقى احتمال توجيه إسرائيل ضربة عسكرية ضد إيران مفتوحاً ومرهوناً بما ستسفر عنه مباحثات "فيينا".