تصدر الحديث عن الوساطة العراقية بين تركيا والنظام السوري المشهد السياسي في المنطقة خلال الأيام الماضية، خاصة بعد أن سربت وسائل إعلام عراقية في 6 حزيران 2024 أنباءً عن حصول تقدم في هذه الوساطة، وموافقة أنقرة ودمشق على عقد لقاء في بغداد، وقبلها تصريحات رئيس الحكومة العراقي محمد شياع السوداني لوسائل إعلام تركية عن التوسط لتطبيع العلاقات بين تركيا والنظام السوري.
وفي منتصف عام 2023 توقف مسار التطبيع الرباعي الخاص بتطبيع العلاقة بين أنقرة ودمشق، الذي شارك فيه كل من روسيا وإيران وتركيا والنظام السوري، نظراً للتباعد في وجهات النظر بين الطرفين.
سياقات طرح الوساطة العراقية
علم موقع "تلفزيون سوريا" من مصادر أمنية أن طرح الحكومة العراقية للوساطة من أجل التطبيع بين أنقرة ودمشق جاء بعد المساعي التي تبذلها تركيا لإقناع الحكومة العراقية بالتعاون في مجال مكافحة الإرهاب من أجل إبعاد خطر حزب "العمال الكردستاني" عن الحدود التركية العراقية، حيث استجابت الحكومة العراقية بشكل جزئي بإعلان "العمال الكردستاني" تنظيماً إرهابياً في آذار من العام الجاري، لكن تركيا ترغب باستكمال التفاهم مع بغداد للوصول إلى مرحلة فرض منطقة أمنية بعمق 40 كيلومتراً شمالي العراق.
وفي ظل التجهيزات التي تقوم بها أنقرة من أجل التحرك العسكري في العراق، طلبت من الحكومة العراقية نقل رسائل إلى النظام السوري تحثه من خلالها على منع نشاط عناصر "العمال الكردستاني" في المناطق التي يسيطر عليها، لكن الأمر تطور إلى طرح بغداد فكرة وساطة من أجل زيادة مستوى التنسيق بين أنقرة ودمشق.
وتدعم إيران فكرة توسط العراق لإنهاء القطيعة بين تركيا والنظام السوري، على أمل تعزيز التنسيق المشترك بين أنقرة وبغداد ودمشق، لكن من دون زيادة تركيا لنفوذها في العراق أو سوريا، بل الاعتماد أكثر على سلطتي بغداد ودمشق في معالجة المخاوف الأمنية التركية.
وبحسب المصدر فإن كلاً من دمشق وأنقرة عكفتا على دراسة الطرح العراقي، مع تريث واضح من الجانبين بالرد عليه، لكن طرح "قسد" بإجراء انتخابات محلية شمال شرقي سوريا وما يحمله من رسائل بالرغبة بفرض أمر واقع يقوم على تعزيز استقلالية "قسد" قد يؤدي إلى حصول متغيرات خاصة من طرف تركيا التي تراقب مفاوضات "قسد" مع النظام السوري أيضاً.
عقبات في وجه الوساطة
من المحتمل أن تشهد الفترة المقبلة عودة المباحثات الأمنية بين أنقرة ودمشق، بعد أن توقفت لفترات طويلة، خاصة وأن الجانب التركي حريص على التعاطي بإيجابية مع الحكومة العراقية، على أمل أن تتحول إعلان الاتفاقية الأولي بين العراق وتركيا الذي حصل في نيسان من العام الجاري إلى اتفاق أمني واقتصادي محدد.
وحتى في حال عادت اللقاءات بين الجانبين، ستعود إلى الواجهة مرة أخرى الاشتراطات المتبادلة بين الجانبين، حيث تشترط دمشق أن تبادر تركيا إلى سحب قواتها من شمالي سوريا، بالمقابل تطرح تركيا دائماً فكرة انتخاب سلطة جديدة وضبط الحدود التركية السورية قبل التفكير بانسحاب القوات التركية.
وبحسب ما علمه موقع "تلفزيون سوريا" من مصادر متابعة لمسار المباحثات التركية مع النظام السوري، فإن تركيا تنظر إلى الحل السياسي على أنه بوابة لإعادة الاستقرار في سوريا، لأنه سينتج سلطة جديدة مقبولة من الشعب، بالمقابل يتمسك النظام دائماً بطرح إنهاء أنقرة لعلاقاتها مع المعارضة السورية والتعامل معه بصفته السلطة الحاكمة للبلاد.
من جانب آخر، موافقة إيران على الجهود العراقية الهادفة لتطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق لا تكفي وحدها، حيث سيترتب على إيران تقديم تنازلات للجانب التركي في حال رغبت طهران بإنجاح المسار فعلاً، ومن هذه التنازلات التوقف عن تزويد حزب العمال الكردستاني المتمركز شمالي العراق بالأسلحة والمعدات العسكرية بما فيها الطائرات بدون طيار، وعدم التركيز فقط على الساحة السورية وقسد، خاصة وأن شمالي العراق يعتبر منبع التهديد الأمني بالنسبة للجانب التركي، وبالتالي في حال استمرت طهران بعرقلة التوصل إلى تفاهمات أمنية حقيقية بين أنقرة وبغداد فالمتوقع أن تتأثر الوساطة العراقية برمتها.
وحتى إن وافقت تركيا على عقد لقاءات مع النظام السوري برعاية عراقية، فإنها غالباً ستفضل عدم اتخاذ قرارات استراتيجية قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة، لأن حصول تغييرات في الإدارة الأميركية وعودة ترامب إلى البيت الأبيض لولاية جديدة يمثل فرصة للجانب التركي لإعطاء دفعة جديدة لدور أنقرة في العراق وسوريا.